الأحزاب العراقية: الحلال والحرام في أخذ المال العام

ليس خافيا على من يتابع الشأن العراقي أن البلاد تتخبط في أبسط معاني إدارة الدولة، بحيث لا تكاد تجد شيئا في مكانه الطبيعي في العراق، ولعل أهم ما يجعل العراق بلدا هو أن كل من يشارك في إدارة الدولة من أبسط الموظفين بالأجر اليومي (المياومين) إلى رئيس البلاد يقبضون راتبهم الشهري دون انقطاع، ولولا هذا الراتب لما كانت هناك دولة عراقية، ببساطة لأن أبسط مقومات الدولة غير متوفرة في هذا التجمع البشري الموجود في داخل (الأراضي العراقية).

يتحدث الفقه الإسلامي عن الكسب الحلال، ويشترط أن تكون التجارة مبنية على تراض من طرفي العقد التجاري (إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم)، وبغير هذا التراضي يكون المال مغصوبا، لأن الغصب قد يتحقق حتى مع سكوت الطرف الأول للطرف الثاني ولو بالحياء، لأن (المأخوذ حياءً كالمأخوذ غصباً)، وعلى هذه القاعدة يجب على من يأخذ راتبه من المال العام (مال الشعب) في الدولة العراقية أن يتأكد تماما من رضا الطرف الأول عن أداء (الطرف الثاني ـ الإداري برلمانيا كان أم مديرا عاما أم رئيسا) وتسليمه بأن كل دينار يؤخذ مقابل (العمل في الدولة) يأتي مقرونا برضا الشعب عن العمل الإداري.

لقد تعالت أصوات العراقيين (الشعب العراقي ـ الطرف الأول) مطالبين بعدم صرف الراتب التقاعدي للنواب (البرلمانيون ـ الطرف الثاني) ولأجل القاعدة القرآنية (إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم) يكون أخذ الراتب التقاعدي حراما أو شبه حرام (على تزلزل الحكم ـ فقهيا) حتى يتم ترضية الطرف الأول من قبل الطرف الثاني، وفي خلاف ذلك تثبت حرمة المال العام الذي يأخذه أعضاء البرلمان الذين أعطاهم الشعب (شرعية الحكم والصلاحيات) ـ بحسب الدستور العراقي ـ المادة الخامسة.

إن وصول الغالبية العظمى من أعضاء مجلس النواب العراقي إلى قبة البرلمان، ومن ثم أخذهم للمال العام على شكل (رواتب ومخصصات مختلفة التخريجات القانونية) لن يكون في خانة الحلال حتى تتوافق مع الشريعة الإسلامية، لأن الدستور ينص على عدم شرعية أي قرار يتخذه النواب العراقيون في مجلسهم النيابي ما لم يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وهنا بالتحديد يتفق الدستور العراقي والشريعة الإسلامية على (حرمة ـ وجريمة) أخذ المال العام ما لم يكن صادرا عن طريق رضا الشعب أولا، ومن ثم عبر قانون لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية ـ الدستور العراقي في آن معا.

ولكن وصول غالبية أعضاء مجلس النواب العراقي جاء عن طريق أحزاب وكتل وتشكيلات حزبية لم يتم بعد إقرار قانون يمنحها شرعيتها ألا وهو (قانون تشكيل الأحزاب الوطنية)، وعلى هذا ليس من الحق إعطاء المال العام دون وجود عقد (دستوري ـ شرعي) يحدد هوية هذه الأحزاب وينظم طرق عملها، وكيفية تشكيلها وأسس بنائها ومحتواها التنظيمي وواجباتها تجاه الوطن والمواطن.

إن إقرار (قانون الأحزاب الوطنية) لن يصب في خدمة توضيح العلاقة بين الشعب وأحزابه الوطنية، فيعرف الحزب ما عليه تجاه شعبه وحسب، بل ويخدم مسألة (شرعنة) الراتب الذي يتقاضاه (أعضاء) هذا الحزب الذين وصلوا إلى سدة (إدارة الدولة)، فيكون راتبهم حلالا طيبا مرضيا عنه من جهة، وقانونيا يمكن أن يسهم في عمران البلاد وخدمة مشاريعها العامة من جهة ثانية.

لهذا صار لزاما على كل النواب أن يسرعوا في إقرار (قانون الأحزاب الوطنية) لا لأن المال الذي سيتقاضونه سيصبح حلالا طيبا، بل لأن الأموال التي تقاضوها والتي ما زالت (متزلزلة ـ بين الحرمة والشبهة) ستكون حلالا أيضا. وهنيئا عندئذ على كل من يستلم راتبه من (مال الشعب ـ المال العام) أن يتصرف بماله ما يشاء، وكيف يشاء.

إقرأ أيضا