صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

«الأمانات الضريبية».. بين تطمينات حكومية وتحذيرات من أزمة مالية «وشيكة»

في الوقت الذي يتصاعد فيه الجدل حول الاستقرار المالي في البلاد، جاء الإجراء الحكومي بسحب مبالغ الأمانات الضريبية لتسديد رواتب الموظفين ليزيد من عمق الأزمة، على اعتبار أن القانون يمنع التصرف بهذه الأموال، قبل مرور خمس سنوات على إيداعها.

ورغم التطمينات الحكومية حول صحة الأمر بوصفه “حقا طبيعيا” وهو جزء من الموازنة، تتصاعد التحذيرات من الوضع الإقتصادي للبلاد، وانعكاساته على الرواتب، يتزامن ذلك مع ارتفاع النفقات التشغيلية، لأسباب ترتبط بالاستعدادات الانتخابية، وسط تجاهل تام للتحذيرات المتكررة من فشل الدولة في الوفاء بالتزاماتها المالية على المدى المتوسط.

وقال النائب عن ائتلاف دولة القانون، ثائر مخيف، في حديث تابعته “العالم الجديد”، إن “هناك أزمة مالية حقيقية تمر بها حكومة محمد شياع السوداني في الوقت الحاضر”، مبينا أن “هذه الأزمة تهدد بشكل حقيقي رواتب الموظفين، وكذلك تمويل بعض المشاريع المهمة التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر”.

وأضاف، أن “هذه الأزمة دفعت الحكومة نحو سحب مبالغ من الأمانات الضريبية، وهذه إجراءات حكومية اعتيادية، تهدف لدفع الرواتب، فإن تأخير تلك الرواتب وعدم توفيرها قد يسبب كوارث كبيرة وخطيرة منها انفجار الشارع، ولهذا الحكومة لجأت لهذا الخيار”.

وتابع مخيف القول، إنه “لا توجد خشية من تكرار عملية سرقة القرن عبر سحب الأموال من الأمانات الضريبية”، لافتا إلى أن “عملية السحب هي حكومية وتتم عبر الأطر القانونية، ومن المؤكد أننا في مجلس النواب نتابع ونراقب ذلك من خلال الجهات المتخصصة التنفيذية والرقابية”.

إلى ذلك، طمأن المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، الرأي العام من خلال التأكيد على أن استخدام أموال الأمانات لا يخرج عن إطار الموازنة العامة، مشددا على وجود تحوطات فنية في قانون الموازنة الثلاثية، منها اعتماد سعر متحفظ لبرميل النفط لتجنب تقلبات الأسواق.

وقال صالح بحسب الوكالة الرسمية، إن “العالم يعيش في حالة من الترقب خشية الدخول في مرحلة الانكماش الاقتصادي، ومن ثم الكساد الاقتصادي الكبير، وهذه المرحلة تستغرق ستة أشهر يتم فيها مراقبة مستويات النمو والبطالة في الاقتصاد العالمي”، لافتا إلى أن “العراق جزء مهم في منظومة الطاقة في العالم، فإن هبوط الناتج المحلي (1) في المئة للعالم، يؤدي بلاشك إلى هبوط مقداره نصف الواحد في المئة في الطلب على النفط، ما يؤدي إلى تخمة في العرض تطلب سياسة حذرة من (أوبك+) لمساعدة بلدان المجموعة من حماية موازناتها المالية للعام 2025 ومقدمات السنة المالية القادمة 2026”. 

ولفت إلى أن “ثمة تحوطا فنيا دقيقا لمواجهة دورة الأصول النفطية افترضها المشرع عند إقرار الموازنة العامة الاتحادية الثلاثية (القانون رقم 13 لسنة 2023 المعدل) باتخاذ سعر نفط متحفظ وهو 70 دولارا لسعر برميل النفط المصدر وبواقع تصدير 3,4 ملايين برميل نفط يوميا”، مبينا أن “هذا التحوط هو باتجاهين: الأول، هو الانفاق بموازنة مريحة، ولكن بالحد الأدنى الممكن البالغ 160 تريليون دينار سنويا بدلا من 200 تريليون دينار سنويا، والاتجاه الثاني: الإنفاق في الحد الأعلى مع التحوط بعجز سنوي أقصى قدره 64 تريليون دينار”.

وتابع صالح أنه “في موازنة العام 2024 جرى الإنفاق في الحد الأدنى المريح البالغ 156 تريليون دينار وبمتوسط سعر برميل نفط بنحو 75 دولارا، وهذا الإنفاق قد غطى الموازنة التشغيلية كلها بما في ذلك الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية والدعم، فضلا عن الانفاق على أكثر من 8 آلاف مشروع استثماري وخدمي حكومي متوقف”، مشيرا إلى أن “الاقتراض الحكومي وأغلبه من مصادر الاقتراض الداخلية سجل مؤشرا تمويليا في عجز الميزانية بنسبة 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ1.3% في عام 2023”.

ونبه مستشار رئيس الوزراء إلى أنه “في حال هبوط أسعار النفط إلى 60 دولارا كمتوسط سنوي، وهو أقصى احتمال في موازنة العام 2025 ، فإن هناك خيارين، أما الإنفاق بنحو 130 تريليون دينار وبقاء نسبة تمويل العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي نفسه كما في العام 2024، أو الإنفاق بسقف 156 ترليون دينار وقبول اقتراض فعلي بالسندات يرتفع الى 9% من الناتج المحلي الإجمالي بغية تأمين الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية والدعم والإنفاق على المشاريع الخدمية دون توقف. آخذين بالاعتبار هبوط أسعار النفط وانكماش النمو في الناتج المحلي الاجمالي بشكل مزدوج “.

وواصل صالح حديثه، بالإشارة إلى أن “هذه الخيارات المتوقعة الممكنة ما لم تتحسن دورة الأصول النفطية التي تعتمد في الأحوال كافة على سياسات (أوبك +) المقبلة في مستقبل حدود الإنتاج ومراجعة حصص الأعضاء وكذلك تطور الأوضاع الجيوسياسية في العالم، ولا سيما في الحرب الأوكرانية الروسية وتطور الأوضاع في منطقة حوض المتوسط، إذ تعد منطقة الخليج مسؤولة عن تصدير ما يقرب من 40% من صادرات النفط الخام العالمية، وانعكاس ذلك على تقلبات أسعار الطاقة في الأسواق العالمية، ومنها أسواق النفط الخام”.

وأوضح أن “تكييف الإنفاق بما في ذلك موضوع التغطية بالأمانات الضريبية التي هي شبه حقوق للموازنة العامة، فإنها تأتي في إطار ما يسمى بالحيز المالي هو مقدار الموارد المالية المتاحة للسلطة المالية لضمان الإنفاق الحكومي (وتحديدا على الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية والبنية التحتية) من دون الإضرار بالاستقرار المالي على المدى المتوسط أو الطويل”.

جاء ذلك بالتزامن مع تناقل بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، حول قيام الحكومة بسحب أرصدة مصرفي الرافدين والرشيد. لتخرج وزارة المالية، في وقت سابق من اليوم السبت، وتؤكد على أن الأموال التي جرى سحبها من مصرفي الرافدين والرشيد الحكوميين لا تمثل ودائع المواطنين أو الأرصدة التأمينية الخاصة بالمصارف، بل تعود إلى الحسابات السيادية للوزارة، وكانت محفوظة كأداة تشغيلية مؤقتة، وأعيد نقلها بحسب التعليمات المالية والإدارية لتخصيصها ضمن الموازنة العامة.

وذكرت الوزارة، في بيان تلقته “العالم الجديد”، أن بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وعددا من النواب تداولوا معلومات مغلوطة، ضمن ما وصفته بالترويج للأكاذيب والإشاعات بدوافع سياسية وانتخابية، معتبرة ذلك نوعا من الخطاب الانتخابي الذي يفتقر إلى “المسؤولية الأخلاقية”.

وكان الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، نشر الأربعاء الماضي، وثيقة عبر حسابه على منصة “فيسبوك”، كشفت عن قرار الحكومة الجديد، الذي جاء فيه “بناء على ما عرضته وزيرة المالية عرضاً طارئاً خلال اجتماع مجلس الوزراء، وما جاء في كتاب وزارة المالية المرقم (11س/ 373)، بتاريخ 14/ 4/ 2025. قرر مجلس الوزراء في جلسته الاعتيادية الـ15 المنعقدة في 15/ 4/ 2025، الموافقة على (تخويل وزيرة المالية صلاحية سحب مبلغ الأمانات الضريبية التي لم يمض عليها خمس سنوات، البالغ 3 ترليونات و45 مليار و7 ملايين و500 ألف و252 ديناراً، لتمويل وتسديد رواتب شهر نيسان والأشهر اللاحقة المودعة في حساب وزارة المالية لدى البنك المركزي العراقي (70019)، والتي ستودعه به لاحقاً بحسب الحاجة لإجمالي الدولة، على أن تجري التسوية النقدية شهرياً عند المطالبة بها عن طريق عكس مبلغ الأمانات من الإيرادات المستحصلة الفعلية شهرياً عند إجراء التحاسب الضريبي”.

وأثار هذا التخويل الجدل حول هشاشة الواقع الاقتصادي للبلاد، حيث ذكر النائب مصطفى سند، أن “هذه الأموال نفسها التي ارتبطت سابقا بقضية نور زهير”، في إشارة منه إلى الفضيحة المالية السابقة التي اشتهرت إعلاميا تحت اسم “سرقة القرن”.

فيما أكد عضو اللجنة المالية النيابية، معين الكاظمي، أن اللجنة المالية البرلمانية، وباقي اللجان النيابية، سوف تعمل على استضافة وزيرة المالية، والجهات المسؤولة في الحكومة، لمعرفة أسباب ودوافع سحب الحكومة العراقية أموال الأمانات الضريبية بهدف دفع الرواتب”.

وبحسب تأكيدات صادرة عن وزيرة المالية، خلال استضافاتها السابقة في مجلس النواب، أن الحكومة لا تعاني من أي نقص في السيولة، كما أن الوضع المالي مستقر ومطمئن.

وكان صندوق النقد الدولي، توقع في منتصف الشهر الماضي، انكماش الاقتصاد العراقي بواقع 1.5% هذا العام، على أن يعود للنمو في 2026 بمعدل 1.4%، على خلفية تراجع أسعار النفط وتوقعات بتباطؤ الطلب بسبب ركود الاقتصاد العالمي المحتمل الناتج عن الحرب التجارية.

ويقدّر صندوق النقد الدولي، أن العراق يحتاج إلى سعر نفط يبلغ 92 دولاراً للبرميل لتغطية الإنفاق الحكومي العام الجاري، فيما يجري تداول عقود خام برنت المستقبلية قرب مستوى 65 دولاراً.

يشار إلى أن إيرادات موازنة 2024، بلغت “144 تريليون و336 مليار دينار، في حين بلغت النفقات 210 تريليونات و936 مليار دينار، حيث بلغ  العجز 63 تريليوناً و599 مليار دينار، إلا أنه لم يتم تنفيذها ولا صرف أموالها لغاية الآن، بالرغم من تحذيرات المختصين بفقدان الثقة في قدرة الحكومة على الإدارة المالية، ويتسبب بإرباك اقتصادي واستثماري وسياسي أيضا.

وتضمنت نسخة الموازنة المعدة لثلاث سنوات، العديد من المواد الخاصة بالاقتراض الخارجي، منها الاستمرار بالاقتراض وفقا لاتفاقيات سابقة، إلى جانب اقتراض جديد من مؤسسات دولية وحكومات مختلفة.

يشار إلى أن الموازنة الثلاثية، ونتيجة لقيمة الرواتب المرتفعة جدا، بسبب التعيينات الجديدة، أدت إلى تقليص الموازنة الاستثمارية بشكل كبير، وفقا لتقرير سابق لـ”العالم الجديد”، وفيه أكد مختصون أن هذا الأمر سيجبر الدولة على الاقتراض.

إقرأ أيضا