في مشهد يتكرر سنويا، شهدت العاصمة بغداد ومحافظات أخرى غرق العديد من شوارعها الرئيسة والفرعية، الأمر الذي تسبب بشلل في الحركة المرورية، وتعطيل للحياة اليومية للمواطنين، جراء الأمطار الغزيرة التي هطلت في الأيام الماضية، على الرغم من حملة الإعمار التي شهدتها، ما أثار تساؤلات حول جاهزية البنى التحتية لمواجهة مثل تلك التحديات.
وتقول عضو لجنة الخدمات النيابية مهدية اللامي، خلال حديثها لـ”العالم الجديد”، إن “أغلب الحلول التي نفذتها أمانة بغداد والحكومة المحلية هي ترقيعية، ولا ترقى لمستوى المشكلة الكبرى، وهي عدم وجود منظومة صرف صحي”.
وتضيف اللامي، أن “منظومة الصرف الصحي متهالكة، ونحن بحاجة لبناء منظومة مجارٍ جديدة، تحال لشركات مختصة”، لافتة إلى “ضرورة تجهيز شبكة المجاري قبل افتتاح أي مشروع خدمي، سواءً كان شارعا أو مجسرا أو نفقا، بالإضافة إلى الاستعداد الجيد لموسم الأمطار، فما جرى هو جرس إنذار يوجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرار الفيضانات”.
وما بين نقص الخدمات ومياه المطر، عاشت العاصمة بغداد خلال اليومين الماضيين، حالة من السخط على الوعود والإجراءات الحكومية في معالجة ملف غرق العاصمة بعد أن تسببت الأمطار الغزيرة بغرق الشوارع والأزقة وحلّت ضيفا ثقيلا على البيوت والمحال التجارية.
وكشفت الأمطار افتقار بعض الجسور التي تم افتتاحها مؤخرا لمنظومات تصريف مياه الأمطار، فيما عمدت أمانة بغداد إلى تسخير آليات سحب المياه ونشرها في عموم المناطق، إلا أنها لم تغط كافة مناطق بغداد، ما دفع بعض الأهالي إلى رفع مناشدات لمكتب رئيس الحكومة بالتدخل وفك الحصار الذي فرضته المياه.
يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ركز منذ تسمنه الحكومة على تحسين الواقع الخدمي، وقام بتشيكل فريق الجهد الخدمي لغرض إنجاز البنى التحتية وتحسينها، وكان لأمانة بغداد حصة كبيرة من هذه الجهود.
من جانبه، يبين الناشط المدني علي الدهامات، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ثورة المشاريع التي تحدثت عنها الحكومة ووسائل الإعلام ومواقع التواصل والجيوش الإلكترونية لم تلبّ الطموح وليست بالمستوى المطلوب”.
ويؤكد الدهامات، أنه “كان يجب القيام بثورة على البنى التحتية المتهالكة، والتأسيس لنظام مجارٍ جديد، عبر إحالة المشاريع لشركات متخصصة، وليست شركات لا تمتلك الخبرة وضمن المحاصصة الحزبية”.
ويشير إلى أن “هذه الأمطار بمثابة رسالة لرئيس الوزراء، ويجب عليه محاسبة المقصرين والجهات الفاسدة، خاصة وأن بعض المشاريع تعرضت للغرق على الرغم من أنها لم يمض على افتتاحها سوى أشهر قليلة”، ملقيا باللائمة على “المحاصصة التي دمرت البلاد، فهي السبب وراء عدم قدرة رئيس الوزراء على محاسبة أي مسؤول مقصر في عمله”.
يشار إلى أن المتحدث باسم أمانة بغداد محمد الربيعي، أكد في تصريح سابق لـ”العالم الجديد”، أن العراق كان يتعاقد مع شركات عالمية، فقد قامت شركة زبلن الألمانية قبل عقود، بنصب أول مشروع بطول 24 كلم وبقطر مترين، 12 كلم للرفع، و12 كلم للدفع، وعُد في حينه أكبر مشروع، داعيا إلى شركة بهذه الرصانة وعدم الاعتماد على الشركات المحلية فهي غير قادرة على إنجاز مشاريع عملاقة.
أمر الفيضانات لم يقتصر على بغداد فقط، بل تعداه إلى محافظات أخرى أبرزها الأنبار، فعلى الرغم من حملة الإعمار الكبيرة، التي شهدتها المحافظة، شملت إنشاء جسور وافتتاح طرق جديدة وتشييد مجمعات سكنية، حيث وصفت من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بأنها إيقونة للإعمار، لكنها غرقت سريع في أول موجة أمطار.
الأنبار.. إيقونة الإعمار والغرق
ومن الأنبار، يقول الناشط المدني عبد الله الذبان، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ثورة الإعمار المزعومة التي تشهدها المحافظة، لطالما كان ينكشف زيفها مع أولى زخات المطر، وهذا يتكرر سنويا مع كل موسم أمطار”.
ويردف الذبان، أن “الكارثة تكمن في غرق أحياء سكنية كاملة بعد إكمال إكساء الشوارع، وشبكة المجاري بفترات وجيزة، وهذا دليل واضح على وجود فساد مالي وإداري كبير وتواطؤ من قبل الدوائر الحكومية المعنية في مراقبة سير عملية إنجاز هذه المشاريع”.
ويلفت إلى أن “حجم الفساد الكبير يكمن في إحالة هذه المشاريع الاستراتيجية إلى شركات محلية غير جديرة، ولا تمتلك الخبرة الكافية لإنجاز هذه المشاريع، ومعظم هذه الشركات تعود إلى شخصيات سياسية ومسؤولين داخل حكومة الأنبار، والحزب الحاكم فيها”.
وشهدت الأنبار غرق العديد من مناطقها بعد موجة الأمطار، ومنها مستشفى الرمادي والأقسام الداخلية، وخرجت الطرقات الجديدة عن الخدمة، حيث تداول ناشطون العديد من الفيديوهات التي توثق حالات الغرف في الرمادي والفلوجة.
وردا على ما الاتهامات بالفساد في المشاريع، يؤكد قائممقام الرمادي إبراهيم العوسج، بأن “هناك من يتصيد بالماء العكر”.
وينفي العوسج، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تكون الأنبار قد شهدت فيضانات أو غرق، بالرغم من كميات الأمطار الكبيرة التي هطلت على المحافظة، فالفرق المختصة استطاعت سحب المياه بوقت قياسي”.
ويتابع أن “هنالك جهات سياسية تحاول خلط الأوراق وإثارة الأكاذيب، فثورة الإعمار والمشاريع في الأنبار مستمرة ولن تتوقف، وما جرى مؤخرا تم تضخيمه والمبالغة به، ورأينا أن أكبر مدن العالم لم تستطيع مقاومة الفيضانات”.
ويستطرد أن “جميع المشاريع الخدمية والعمرانية التي يتم افتتاحها فيها شبكة مجاري، ولا نسمح بافتتاح أي مشروع إذا لم يكن مطابقا للمواصفات الهندسية المتكاملة”.
يذكر أن بغداد والأنبار، شهدتا أكبر حملة إعمار خلال الفترة الماضية، عبر إنشاء طرق جديدةة ومجسرات وأبنية، وافتتاح متنزهات وإعادة تأهيل بعض البنى التحتية في المحافظتين، وتم تسليط الضوء على هذه الحملات بشكل كبير في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن قبل المسؤولين في الحكومتين الاتحادية والمحلية بالنسبة للأنبار.