ما يزال تنويع الإيرادات في العراق يصطدم بـ”الهيمنة النفطية” الأمر الذي يضع الحكومة على بساط من القلق الذي يسببه تقلب أسعار البترول في السوق العالمية.
وفي خطوة جديدة، وصل الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” هيثم الغيص، اليوم الأربعاء، إلى العاصمة العراقية بغداد في زيارة تستغرق يومين.
يشار إلى أن استمرار الدولة العراقية بالاعتماد على النفط كمصدر وحيد للموازنة العامة، يجعل العراق في خطر من الأزمات العالمية التي تحدث بين الحين والآخر لتأثر النفط بها، مما يجعل البلاد تتجه في كل مرة لتغطية العجز عبر الاستدانة من الخارج أو الداخل وهو بذلك يشير إلى عدم القدرة على إدارة أموال الدولة بشكل فعال، والعجز عن إيجاد حلول تمويلية بديلة.
إذ قال المتحدث بإسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد في بيان تلقت “العالم الجديد” نسخة منه، إن “الزيارة تأتي في إطار التواصل الثنائي حول تطورات السوق النفطية ، إلى جانب تعزيز وتوسيع آفاق التعاون في منظمة الدول المصدرة للنفط في “أوبك” ، و”أوبك بلس”.
وأضاف أن “جدول زيارة الغيص تتضمن اللقاء بوزير النفط حيان عبد الغني وعدد من المسؤولين”.
وفي 7 آب أغسطس الجاري، أكدت وزارة المالية، أن حجم الإيرادات العراقية في الموازنة الاتحادية خلال 6 أشهر تجاوزت 65 تريليون دينار، مؤكدة بقاء مساهمة النفط في الموازنة نحو 89%.
وكانت وزارة النفط العراقية قد أكدت، في شهر تموز يوليو الماضي، التزام البلاد بالتخفيضات الطوعية المتفق عليها في “أوبك”، مشيرة إلى أن العراق سيعوض أي فائض في الإنتاج بداية العام المقبل.
وقالت في حينها إنها “ستلتزم بمستوى الإنتاج المطلوب في الاتفاق والبالغ 4 ملايين برميل يومياً، لشهر تموز والأشهر القادمة، بالإضافة إلى تعويض الفائض في الإنتاج منذ بداية العام خلال فترة التعويض والتي تمتد حتى نهاية شهر أيلول 2025”.
وأظهر استطلاع أجرته “بلومبرغ” في شهر تموز يوليو الماضي أن العراق والإمارات لم ينفذا بشكل كامل التخفيضات التي تم الاتفاق عليها في بداية العام مع الأعضاء الآخرين في المنظمة.
كما لم تتمكن بغداد من تنفيذ الخفض الإضافي في الإنتاج الذي تعهدت به لتعويض مستويات الإنتاج المرتفعة السابقة.
وفي حزيران يونيو الماضي، خفض العراق إنتاجه بمقدار 30 ألف برميل يومياً إلى 4.25 ملايين برميل يومياً، وأدى تراجع الصادرات إلى تقريب البلاد من الحصة المحددة لها، لكن إنتاجها لا يزال أعلى بحوالي 250 ألف برميل يومياً فوق حصتها، حتى قبل الأخذ بالاعتبار عدم وجود “تخفيضات تعويضية” إضافية.
ورفعت شركة بي.إم.آي للأبحاث التابعة لفيتش سولويشنز توقعاتها لعجز ميزانية العراق في 2024 من 3.3% إلى 7% ما يرجع في الأساس إلى ضعف آفاق الإيرادات النفطية التي تمثل 93% من إجمالي الإيرادات الحكومية.
وكان المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “هناك هيمنة تاريخية للريع النفطي في مكونات موارد الموازنة العامة السنوية في البلاد، إذ مازالت عوائد النفط تشكّل قرابة 91 بالمئة من إجمالي الإيرادات الفعلية السنوية في الموازنات الحكومية لقاء 19 بالمئة للإيرادات غير النفطية، والسبب يعود إلى غلبة الاقتصاد الأحادي النفطي في تكوين الناتج المحلي الإجمالي للعراق الذي يتراوح بين 50- 45 بالمئة من الناتج الإجمالي السنوي، في حين نجد أن تأثيرات إنفاق العوائد النفطية على دورة الحياة الاقتصادية تمتد إلى أكثر من 85 بالمئة من فاعلية النشاط الاقتصادي الكلي؛ الأهلي والعام في العراق”.
وأتم مجلس النواب العراقي، في 3 حزيران يونيو الماضي، التصويت على جداول قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم 2024 والتي بلغت 228 ترليون دينار، بعدما حصدت موازنة العام الماضي 199 تريليون دينار، فيما وصفها مختصين بالـ”مجازفة” من الحكومة باقتصاد البلاد ووضعها المالي، لاسيما في حالة انهيار أسعار النفط، الذي تعتمد عليه كليا، كما حدث في أعوام سابقة.
ويعتمد العراق بنسبة كبيرة على بيع النفط الخام في تأمين إيراداته السنوية ودفع الرواتب وبقية المستحقات الأخرى، فيما يواجه قطاع الزراعة الذي كان يمثل أحد روافد الإيرادات في السابق، تدهورا كبيرا، ومنذ عام 2022، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.
وكانت “العالم الجديد”، أعدت ملفا موسعا سلط الضوء على الاقتصاد والزراعة والنفط بعد عشرين عاماً على زوال النظام السابق، وأظهر أن قطاعي الزراعة والصناعة شهدا تراجعا هائلا، بلغ مرحلة الانهيار، حتى باتا لا يشكلان سوى 2 بالمئة من الناتج المحلي بعد أن كانت نسبة القطاعين بحدود 15 – 20 بالمئة، لكن النفط كان الوحيد الذي شهد تطورا ملحوظا، حسب وصف خبراء، وذلك بمجال الاستخراج والخزن والتصدير.