شهدت الأقطار العربية تحولات سياسية كبرى متسارعة، اختلفت تسمياتها من ربيع عربي وانتفاضات شعبية وثوراث…، كانت وراءها العديد من الأسباب والخلفيات، لتفتح الطريق نحو الانتقال الديمقراطي المبني على عقد اجتماعي جديد يقطع مع سنوات الاستبداد والشمولية.
إن التحولات العربية يمكن قراءتها من عدة زوايا مختلفة ومتعددة، كما أن تداعياتها كذلك يطبعها التنوع والاختلاف، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، أو فيما يتعلق بالجانب الأمني، خاصة ظاهرة \’\’الإرهاب\’\’.
فالمنطقة العربية كغيرها من بقاع العالم، لم تسلم من أخطار ظاهرة الإرهاب، إلا أن اندلاع سلسة الاحتجاجات الشعبية ساهمت في البحث عن العلاقة بين الإرهاب والانتقال الديمقراطي، و طرح السؤال: هل شكلت تحولات العربية مدخلا لتنامي الظاهرة أم إقصاء لها؟
يعد الإرهاب إحدى الظواهر المجتمعية القديمة، فهو ليس وليد أحداث 11 سبتمبر، غير أن الظاهرة عرفت تزايدا ملحوظا خلال العقود الاخيرة و بصورة لم يعرف المجتمع الانساني سابقة لها، تزامنا مع التقدم الحاصل في مجال التكنولوجية والمعلوماتية وتآكل سيادة الدول التي أصبح العالم معها قرية صغيرة.
عند قيام الاحتجاجات العفوية بالمنطقة العربية، ورفع الشعوب العديد من المطالب من قبيل المطالبة بالديمقراطية والحرية واسقاط الاستبداد والفساد… كانت هذه المطالب بصورة سلمية مشروعة وعلنية عن طريق الخروج للشارع، وهنا كانت ضربة قوية لتلك التنظيمات المتطرفة التي غالبا ما تشتغل في الخفاء وتعتمد على عنصر المفاجأة، علاوة على الأساليب العنيفة وغير الانسانية التي تتبعها وبصورة تثير الرعب والخوف داخل المجتمع .
كما أن المطالبة بالديمقراطية بمختلف تجلياتها شكلت اتجاها مغايرا للتوجه الفكري للتنظيمات المطترفة، فهذه الأخيرة تتبنى حسب إيديولوجيتها وتصورها فكرا أحاديا لا يقبل الانتقاد والنقاش، الشيء الذي يتنافى مع حرية الاختلاف والقدرة على تدبيرها باعتبارها من مقومات الديمقراطية المعاصرة.
تعد العلاقة بين الديمقراطية والإرهاب وطيدة (علاقة عكسية)، فغياب الديمقراطية غالبا ما يولد الإنطواء على الذات والإحساس بالظلم، الأمر الذي قد يجعل من الإستبداد بشتى مظاهره مدخلا للتطرف والإرهاب داخل المجتمع.
فالشعب العربي بالفعل كان يعاني من ويلات الإستبداد الممارس عليه من طرف أنظمة شمولية لا تؤمن بمبادئ الديمقراطية والحرية, حيث مارست القمع ضد كل من يعارض سياساتها، مما يجعل مفهوم المواطنة يكتنفه الغموض والإلتباس من ناحية، والشيء الذي ساهم في تنامي ظاهرة التطرف والعنف داخل الوطن العربي من ناحية اخرى.
إن ظاهرة الإرهاب غالبا ما تنتعش في مناطق سمتها النزاعات والأزمات والإستبداد، كما هو الشأن في العراق، أفغانستان، اليمن والصومال… نفس الشيء ينطبق على البلدان العربية الجديدة اليوم. فحقيقة الأمر يعد قيام الحراك المجتمعي تهديدا للتنظيمات المتطرفة من حيث المبدأ والأفكار فقط، في حين يتضح بشكل جلي انتعاش الظاهرة في الممارسة بسب ذاك الفراغ الامني الذي نتج عن المرحلة الانتقالية.
عند إحساس الأنظمة السابقة بأن الشعوب العربية لم تعد تؤمن بمنطق المؤامرات الخارجية، وأن مطلب الإصلاح والتغير هو هدف لا رجعة فيه، قامت تلك الأنظمة السياسية بممارسة الإرهاب في حق الأفراد بدءاً بالإعتقالات والتعنيف الى القتل. ولعل ليبيا وسوريا أكثر البلدان التي عرفت خروقات وانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان بصورة خطيرة.
تميزت الأزمتين السورية والليبية في كونهما سلكتا مسارا أكثر دمويا، بسب تعنت النظامين وتسليح المعارضة مما أدخل البلدين والمنطقة برمتها في فوضى التسليح وانتعاش الخلايا النائمة. فرغم سقوط نظام معمر القذافي فليبيا لا زالت تعيش فوضى أمنية خطيرة تجلت في تفجير السفرات الأجنبية وبروز مليشيات مسلحة… مما دفع السلطات إلى دعوة هذه الجماعات المسلحة إلى الإنضمام للجيش. أما في ما يخص الصراع في سوريا فيمكن قراءة تراجع القوى الدولية الكبرى عن تسليح المعارضة تخوفها الشديد من وقوع الأسلحة في أيدي التنظيمات الراديكالية، خاصة أمام ما تشهده المعارضة من انقسام و تشرذم، علاوة على تعاظم دور القوى الاقليمية والدولية بالمنطقة خاصة تركيا وإيران، إضافة الى حزب الله والأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولي، الأمر الذي سيجعل حل الأزمة السورية يخضع للمصالح الجيوسياسية والاقتصادية لتلك القوى.
في ما يخص مصر، فقد أدى عزل الرئيس مرسي إلى خروج مؤيديه الى الشارع للاحتجاج على هذا الأمر، الشيء الذي أسفر عن وقوع العديد من القتلى والجرحى. هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان ستزيد من دائرة الشك وانعدام الثقة لدى الأفراد تجاه مؤسسات الدولة، فمصادرة الحقوق والحريات بشموليتها عن طريق العنف تشكل إحدى أوجه الإرهاب.
إن أهم التحديات المطروحة أمام الدول العربية الجديدة تلك المتعلقة بالجانب الأمني، فحين تستوطن الفوضى داخل الدول، يتدفق اللاجئون عبر الحدود هربا من العنف، وتنتعش التنظيمات المتطرفة وتجارة المخدرات والبشر… وعليه سيكون من الخطأ الإعتقاد أن تفكك دولة ما حدث داخلي بالكامل، بل على العكس، يحمل هذا الأمر معه انعكاسات وتداعيات إقليمية وأحيانا دولية.
شكلت محاربة الإرهاب بإعتباره النقيض الحتمي للسلام والأمن، مطلبا ملحا للمجتمع الدولي في العقود الاخيرة، حيث لم يعد معها سيادة الدول حصنا منيعا للاحتماء من تحديات الظاهرة ومخاطرها، التي أصبحت تلقي بظلالها واشكالاتها على مستقبل السلم والأمن الدوليين… ومنه فمقاربتها يجب أن تكون جماعية وشمولية، ولا يجادل إثنان في كون أن تحقيق الديمقراطية في جميع المجالات يعد أهم المداخل لمعالجة آفة التطرف والتعصب داخل المجتمعات الإنسانية.
*باحث مغربي في العلاقات الدولية