يعد موضوع تحديد النسل في العراق مقلقا للمختصين، خاصة بعد الإحصائيات الرسمية التي تؤشر وجود “انفجار سكاني” بسبب الولادات السنوية الكبيرة التي تعلنها وزارة التخطيط، بما لا يتناسب مع القدرة الاقتصادية والتربوية، مما يكشف إهمالا واضحا وجهلا واسعا في التعامل مع ظاهرة “التكاثر المفرط”.
وبحسب إحصائية رسمية سجلتها وزارة التخطيط، فإن نسبة الولادات السنوية لعام 2021 وصلت إلى 2.5 بالمئة وبواقع 850 ألفا إلى مليون ولادة جديدة كل عام، ما يجعل العراق في المرتبة 87 على العالم من حيث الولادات.
وبهذا الصدد، تقول المديرة التنفيذية لمؤسسة “أليس” لحقوق المراة والطفل في محافظة المثنى، مريم الفرطوسي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المنظمة أطلقت الكثير من المبادارت في محافظة المثنى، وأن الفئات المستخدمة كانت سكان العشوائيات، حيث تضم المحافظة 21 ألف مسكن عشوائي بحسب الإحصائيات الرسمية لوزارة التخطيط، فضلا عن سكان صحراء البادية التي تحيط المحافظة”.
وتضيف الفرطوسي، أن “هناك ضروره ملحة لتنظيم الأسرة، وما لمسته كناشطة ومديرة منظمة أن هذه الفئات تعجز عن الوصول للمنظمات للمدينة، لذلك تقوم المنظمة بزيارات ميدانية من أجل التوعية في هذه المناطق”.
وتلفت إلى أن “المنظمة ترصد أيضا عمالة الأطفال، وزواج القاصرات، وتسرب الأطفال من المدارس، فضلا عن التسول والكثير من الظواهر السلبية، إذ أن هذه العوامل مرتبطة بعدم قدرة العائلة على توفير احتياجات الأطفال المدرسية والعامة”.
وتنوه إلى أن “الزوجة في محافظة المثنى تضطر إلى الإنجاب باستمرار حتى ولو كان عندها أكثر من خمسة أطفال خوفا من أن يتزوج عليها زوجها زوجة ثانية وهذا أمر شائع بهذه المحافظة، وخاصة في القرى والأرياف”.
وتشير الفرطوسي إلى أن “ضعف أداء منظمات المجتمع المدني المعنية بتنظيم الأسرة في المحافظة أثر بشكل سلبي حيث أن هذه المنظمات تعمل بمنح مالية من الجهات الممولة التي تفرض برامج معينة على هذه المنظمات، وهذا خطأ فادح لأنه من المفترض أن تنسق الجهات المعنية الحكومية في العراق مع المنظمات الدولية ويتم الدعم بحسب حاجة البيئة في العراق وليس العكس، فدور المنظمات في موضوع تنظيم النسل يكاد يكون معدوما في محافظة المثنى”.
وتؤكد أن “النساء في المثنى وبعض المحافظات الأخرى مجبرات على الإنجاب بحكم التقاليد والظروف الدينية والاجتماعية، بالإضافة إلى صعوبة حصول النساء على المعلومة أو الخدمة أو الإرشادات والوسائل المتعقلة بمنع الحمل، لذلك لابد من إعداد خطة من قبل خبراء في وزارة الصحة وفتح مراكز صحية مختصة بتنظيم الأسرة”.
تجدر الإشارة إلى أن موضوع تحديد النسل في العراق يشكل حساسية لدى الكثير من العوائل كونه يصطدم بالموروث الاجتماعي والتقاليد والنظم الدينية، وهو ما يجعل الكثير من النساء في حالة حرج شديد لدى مفاتحة أزواجهن بالاكتفاء بما لديهم من أطفال وعدم الإنجاب مجددا، أو حتى لدى مراجعتهن الأطباء المختصين بهذا المجال لتحديد النسل.
وبهذا الصدد، توضح الموظفة الحكومية إيناس حسن (30 عاما)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “زوجي لا يقتنع بالاكتفاف بما لدينا من أطفال وهم ثلاثة، لذلك حين فكرت بعدم الإنجاب مجددا واجهت حرجا مع زوجي ومع طبيبتي، والأدهى من ذلك ما واجهته من حرج في الصيدلية التي كنت أريد شراء حبوب منع الحمل منها القريبة من منزلي، لقد اعترضني عامل نفسي حال دون محاولتي الدخول إلى الصيدلية وطلب شراء حبوب منع الحمل”.
ووفق إحصائية دائرة تنظيم الأسرة والإنجاب في وزارة الصحة، فإن معدل خصوبة اليافعات في العراق هو من بين أعلى المعدلات في المنطقة، ويتراوح بين 70 إلى 1000 فتاة يافعة، وأن 36 بالمئة فقط يستخدمن موانع الحمل الحديثة، ما يعني أن العديد من الأزواج والأفراد الذين يحتاجون إلى خدمات تنظيم الأسرة لا يمكنهم الوصول لها.
بدوره يبين رئيس جمعية حماية وتطوير الأسرة العراقية، حقي كريم، خلال تصريح لـ”للعالم الجديد”، أن “الزيادة السكانية تعد من العوامل التي تتسبب بهدر في الجوانب الاقتصادية والتربوية والطبية وتساهم في زيادة المشاكل الاجتماعية، خاصة وأن الدستور العراقي يسمح بزيادة السكانية بحسب الشريعة الإسلامية، ما يعني صعوبة تمرير قانون جديد في مجلس النوابل لتحديد النسل وتنظيم الأسرة”.
ويلفت إلى أن “العديد من بلدان العالم تعمل بشكل جدي على إيجاد حلول فعلية بخصوص تنظيم الأسرة وتحديد النسل، ولابد من التوعية فيما يتعلق بزيادة أفراد المجتمع من العواقب الوخيمة التي تترتب على الزيادة السكانية وتحذر من إنجاب الكثير من الأطفال لأن هذه الخطوة تعد مكملة للخطوات السابقه”.
ويشدد على أن “الشريعة الإسلامية أعطت الحق بزيادة الإنجاب، إلا إن هذا الموضوع بحاجة إلى مراجعة في الوقت الحاضر”.
وتأتي هذه الزيادة السكانية بالتزامن مع أزمات عديدة يعاني منها البلد، أبرزها البطالة والفقر وارتفاع أسعار المواد الغذائية، فضلا عن موازنات لم تتضمن أي تخصيصات لوظائف جديدة، بالإضافة إلى تردي البنى التحتية.
ويثير النمو الكبير بالنسب السكانية في البلاد مخاوف مختصين في الشأن المجتمعي، من تأثيرات سلبية، لا سيما مع عدم وجود خطط تواكب هذه الزيادات في الأعداد.
ومنذ سنوات قليلة، بدأت تنتشر في بغداد ظاهرة بناء المجمعات السكنية، في ظل أزمة سكن حادة تضرب البلاد منذ سنوات طويلة، فبحسب إعلان سابق لوزارة التخطيط، يحتاج العراق الى 3 ملايين وحدة سكنية لفك الأزمة.
وفي هذا السياق، يقول رجل الدين وميض الغريفي، خلال تصريح سابق إن “الشريعة الإسلامية تبيح تكثير النسل، وإن نظام الحكم في العراق لا يعتمد ولاية الفقيه لتقوم الحكومة بإصدار أحكام شرعية تتعلق بتحديد النسل”.
ويردف “في حال ارتأت الحكومة إصدار قانون لتحديد النسل بهدف تنظيم أحوال البلاد، وأفتت المرجعية الدينية بعدم مخالفة هذا القانون للأحكام الشرعية، ويجب تطبيق قوانين الحكومة، حينها ينبغي الالتزام به، على الرغم من تقييده للحرية الشخصية”.
ويردف “الإنجاب ليس واجبا على المرأة في الشريعة الإسلامية، كما ليس واجبا عليها تناول حبوب منع الحمل أو العكس، حتى لو طلب زوجها ذلك، بل أن الأمر متروك للتوافق بين الزوجين”.
ويلفت الغريفي إلى أن “خطورة كثرة الإنجاب تكمن إذا لم يستطع الأب القيام بمهامه من حيث التربية والتعليم وغيرها، ما يولد زيادة في التسول والفقر والجهل، ومشاكل اجتماعية واقتصادية، لذلك فالأمر متروك للأب والأم بناء على قدرتهما الفكرية والبدنية والمالية”.
ويختم بالقول، إن “الحياة في الأزمنة السابقة تختلف عن الوقت الراهن، فالأوضاع الاجتماعية حاليا باتت معقدة وهي أصعب بكثير عن السابق، ما يتطلب من ولي الأمر (الأب أو الأم) التفكير مليا قبل الإنجاب، وعدم ترك الأمور سائبة”.
وكانت وزارة الصحة قد أعلنت في نيسان أبريل الماضي، عن تسجيل أكثر من مليون و47 ألف ولادة خلال العام 2023، بزيادة تقدر بأكثر من 140 ألف ولادة مقارنة بولادات العام 2022، الأمر الذي ينذر بوصول البلاد لمرحلة الانفجار السكاني.
فيما أشار وزير الصحة صالح الحسناوي في وقت سابق إلى أن المؤسسات الصحية في العراق سجلت خلال العام 2023 نحو مليونا و47 ألفا و250 ولادة في عموم البلاد بما فيها إقليم كردستان، مضيفا أن معدل الولادات من الذكور بلغت 535 ألفا و946 ولادة، فيما بلغت ولادات الإناث 511 ألفا و304 ولادة، وأن محافظة بغداد هي الأعلى بنسب الولادة بواقع 202 ألفا و550 ولادة.
وقد تشكل هذه الأرقام الرسمية حافزا لمؤسسات الدولة والنشطاء والمنظمات المختصة بضرورة توعية المجتمع عن خطورة الانفجار السكاني وما يترتب عليه من مشاكل، والضغط على المؤسسة التشريعية لسن قانون تحديد النسل وتنظيم الأسرة لأنه ذلك بحسب معنيين بات ضرورة ملحة لا مناص منها، خاصة بعد أن أحصت لجنة حقوق الإنسان النيابية العام الماضي أن عدد المتسولين يبلغ مليونا ونصف المليون متسول عراقي.