صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الإيزيديون.. احتفال بـ«الأربعاء الشرقي» بعد توترات ذكرت بـ«الماضي القاتل»

بالرغم من انطفاء التوترات الأمنية الأخيرة في قضاء سنجار بمحافظة نينوى، وعودة الحياة إلى مسارها شبه الطبيعي، ما تزال آثار الأحداث الأخيرة حاضرة في وجدان الإيزيديين، تزامنا مع احتفالاتهم بعيد رأس السنة الإيزيدية، المناسبة الأقدم والأقدس في تقاليدهم، ففي خلفية الطقوس الدينية المفعمة بالألوان والرموز، يتردد صدى المظلومية مجددا عبر بيانات رجال دين وتحذيرات لناشطين، أعادت طرح أسئلة عن العدالة والاستقرار في منطقة ساخنة منذ سنوات.

ويحتفل الإيزيديون في العراق والمنطقة وأماكن الشتات، بعيد رأس السنة الإيزيدية في أول أربعاء من شهر نيسان الشرقي، باعتباره المناسبة الدينية الأقدس التي ترمز إلى بداية الخلق وبزوغ الحياة، وتتميز طقوس العيد بتلوين البيض كرمز كوني، وجمع زهور نيسان من الحقول، إلى جانب زيارة المعابد وإشعال الفتائل وتزيين البيوت، فيما تمتنع العائلات عن الزراعة أو الزواج احتراما لقدسية الشهر.

ويقول الكاتب والباحث في شؤون الأقليات سعد سلوم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المكوّن الإيزيدي لا يزال يواجه تحديات متواصلة ومركبة منذ عام 2014 وحتى اليوم، فإن ما تعرض له الإيزيديون على يد تنظيم داعش لم ينتهِ بانتهاء العمليات العسكرية، بل استمرت الإبادة ضدهم بوسائل وأشكال مختلفة”.

ويضيف سلوم، أن “الإبادة المستمرة تتمثل في الصراع المتواصل على أراضي الإيزيديين وهويتهم الثقافية والدينية، خصوصا في منطقة سنجار التي ما تزال تشهد توترات أمنية وسياسية تعيق الاستقرار”.

ويوضح أن “التنافس السياسي والعسكري في سنجار أدى إلى تعطيل جهود إعادة الإعمار وعرقلة عودة النازحين، فضلا عن الضغوط النفسية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الإيزيدي”، مؤكدا أن “تحقيق الاستقرار يتطلب بيئة آمنة ومستقرة سياسيا وأمنيا، وضمان احترام الهوية الدينية والثقافية”.

ويأتي العيد الإيزيدي، بعد نحو أسبوعين على حادثة شهدتها سنجار، تمثلت في اشتباكات محدودة بين قوات الجيش العراقي ووحدات “اليبشة”، على خلفية اعتقال خمسة من عناصر الفصيل، وما تلاها من نصب خيام اعتصام واحتجاجات، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق بتهدئة الأوضاع وانسحاب القوات من مركز المدينة.

ومنذ أيام يرصد متخصصون بروز خطاب مظلومية لدى بعض شرائح المجتمع الإيزيدي، بعد تطورات سنجار الأخيرة، عبر بيانات ومواقف عبر فيها رجال دين ونشطاء إيزيديون عن رفضهم لما وصفوه بـ”الاستهداف السياسي” والاعتقالات “غير المبررة”، محذرين من أن استمرار هذا النهج قد يدفعهم إلى “خيارات لا يرغبون بها”، في إشارة إلى حالة من الاحتقان والتصعيد.

لكن النائب في البرلمان، محما خليل، يؤكد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحادثة الأخيرة التي شهدتها المنطقة، ورغم أنها أثارت توترا محليا، لم تؤثر على ثقة المجتمع الإيزيدي بالحكومة أو القوات الأمنية”.

ويتابع أن “القوات الأمنية يجب أن تكون هي اليد العليا في المنطقة، ولا يمكن السماح لأي طرف بتجاوزها تحت أي مسمى”، مضيفا أن “هناك توجيها واضحا من رئيس الوزراء لحماية قضاء سنجار وضمان أمن مواطنيه”.

ويلفت إلى “أهمية اللجوء إلى الحلول العقلانية والمنطقية لتفادي التصعيد”، مبينا أن “من تم اعتقالهم خضعوا للإجراءات القانونية”.

ويدعو خليل إلى “مراعاة الطبيعة الحساسة لأوضاع الإيزيديين، دون السماح بأي تجاوز تجاه القوات المسلحة”، لافتا إلى أن “القضية الإيزيدية لم تعد قضية محلية، بل أصبحت قضية وطنية وعالمية وإنسانية، ولا يجوز حصرها ضمن إشكاليات أمنية محدودة”.

وكانت الحكومة الاتحادية أبرمت اتفاقًا مع حكومة إقليم كردستان في أكتوبر 2020، بهدف تطبيع الأوضاع في قضاء سنجار، عبر إدارة مشتركة تشمل الجوانب الإدارية والأمنية والخدمية، في ما بات يعرف بـ”اتفاقية سنجار” التي نصت على أن تتولى الشرطة المحلية مسؤولية الملف الأمني، وإنهاء وجود حزب العمال، ووحدات حماية سنجار، فضلًا عن فصائل الحشد الشعبي، وإخراجها بالكامل من المنطقة، مع إعمار المدينة وإعادة النازحين.

ورغم مرور أكثر من أربع سنوات على توقيع الاتفاق لم تنفذ بنوده على الأرض، بسبب تداخل الصلاحيات الأمنية والإدارية، واستمرار وجود الجماعات المسلحة في المنطقة، ما أعاق تسليم الملف الأمني للشرطة في وقت تعاني فيه المدينة من غياب الإرادة السياسية الجادة.

إلى ذلك، يؤكد الناشط الإيزيدي البارز، ميرزا دنايي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مشكلة سنجار ما تزال قائمة دون حلول جذرية، بالرغم من مرور سنوات على المأساة التي لحقت بالإيزيديين، ولا تزال الحكومة العراقية غير قادرة على إدارة ملف القضاء، وهو ما يمثل أكبر نكسة لها”.

ويضيف دنايي، أن “الحكومة لم تتبن حتى الآن مقاربة فعالة تعالج أوضاع المنطقة بشكل منهجي ومستدام”، موضحا: “من غير المعقول أننا لا نعرف من هو المسؤول المباشر عن ملف سنجار داخل الحكومة، ولا توجد جهة رسمية تتواصل مع المجتمع المدني الإيزيدي أو تستمع إلى مطالبه”.

ويشير إلى أن “الأصوات الإيزيدية لا تصل إلى مراكز القرار ولا تلقى الاستجابة اللازمة”، مؤكدا أن “أكبر انتهاك لحقوق الإنسان هو ترك سنجار منذ عام 2017 من دون إدارة حقيقية، وترك ملف القضاء عالقا دون حلول، كما أن إبقاء النازحين الإيزيديين في المخيمات لأكثر من عشرة أعوام يمثل خرقا صارخا لحقوق الإنسان، إضافة إلى أن غياب الحل الجذري والشامل لمشكلة الإيزيديين وسنجار هو من أكبر الانتهاكات المستمرة حتى اليوم”.

وتعرض الإيزيديون في سنجار لإبادة جماعية على يد داعش في آب أغسطس 2014، حيث شن التنظيم هجوما أدى إلى مقتل آلاف الرجال، واختطاف آلاف النساء والأطفال الذين تعرضوا للاستعباد والانتهاكات الجسدية والنفسية، كما تم تدمير مزارات دينية وحرق قرى، فيما اضطر عشرات الآلاف للفرار إلى جبل سنجار في ظروف مأساوية.

وكان رئيس الكتلة الايزيدية النيابية، نايف خلف سيدو، أتهم في 22 كانون الثاني يناير الماضي، الحكومة المركزية في بغداد بمجاملة حكومة كردستان بملف النازحين الايزيديين، فيما دعا الى ضرورة اغلاق ملف النازحين الذي كان متفق عليه ضمن البرنامج الحكومي.

ويدور الخلاف بين بغداد وأربيل بسبب تمسك الاخيرة بملف النازحين والسعي للابقاء عليهم في الخيام لكونها مستفيدة من بقاء التغذية والأمور اللوجستية الاخرى من المعونات الدولية، بالإضافة إلى استغلاله سياسيا كصوت انتخابي، وهو ما ترفضه بغداد التي تعتزم إغلاق جميع المخيمات بشكل تدريجي، وفقا لنواب ومراقبين، أكدوا هذا الأمر في تصريحات سابقة.

إقرأ أيضا