الشعب المصري الذي ذاق طعم الحرية بعد عقود من الاضطهاد، استهوته كثيرا اجواء الثورة و\”التمرد\” وعاد مرة اخرى الى \”ميدان التحرير\” معبرا عن احتقانه وسخطه تجاه السلطة ومن فيها، حتى وان كانت السلطة قد وصلت الى سدة الحكم بطريقة ديمقراطية!.
انها ثورة مصرية بطابع مختلف هذه المرة، ثورة داخل البيت الثوري نفسه الذي انتفض ضد مبارك واسقطه عن كرسي الرئاسة، اسقاط مبارك لعله المشترك الاهم بين جميع اطراف الثورة التي حصلت قبل سنتين، وبعد نهاية مبارك انتفى ذلك المشترك لتبدأ مرحلة سياسية مختلفة الى حد كبير. القوى التي خرجت الى الشارع هذه المرة رفعت شعار الدفاع عن مدنية الثورة ومدنية الدولة بعد سلسلة من القرارات التي اتخذت من قبل رئيس الجمهورية وبعض المتنفذين من الاخوان، وحوّلت الدولة المصرية الى دولة اخوانية الى حد كبير، على الاقل وفقا لقناعات خصوم الاخوان. الاخوان الذين شاركوا في الثورة المصرية انتهى بهم المطاف بعد عامين ليكونوا في موقف الخصم بالنسبة للكثير من القوى السياسية التي انجحت الثورة، هذا الموقف وضع تجربة \”الاسلام السياسي\” في الحكم عموما وتجربة الاخوان بالذات في مواجهة الجماهير المصرية، انها ربما نهاية مبكرة جدا لمرحلة الاخوان التي تفكر الكثير من القوى الاسلامية الاستعانة بها في بلدان عربية واسلامية اخرى.
التيارات الاسلامية عموما شاركت في بداية الربيع العربي على استحياء، لكنها سارعت من خطاها لاحقا واصبحت كذلك القادم من الخلف، استوضح الصورة بشكل دقيق، قرأ المشهد وانطلق متجاوزا الجميع باندفاع وحماس منقطع النظير من اجل تذوق طعم السلطة!، إضافة الى ذلك امتلاك العديد من تلك التيارات تأريخا من النضال السياسي دفعت من اجله ثمنا باهضا، مما جعل الجمهور يتعاطف معها بغض النظر عن طبيعة برامجها السياسية لادارة السلطة. هكذا استلم الاخوان سدة الحكم في مصر وسخّرت لهم امكانيات الدولة من اجل التعبير عن مشروعهم السياسي، وللدفاع عما لحقهم من ضرر في فترات سابقة، لكنهم ومن خلال الممارسات اللامسؤولة التي تتعاطى مع الدين فقط من زاوية الحدود والقصاص وتلغي المساحات المفتوحة الاخرى في الدين الاسلامي اساؤوا لاحزابهم وللدين الذين يدعون اليه. ان الكثيرين توقعوا لتجربة الاخوان عموما والرئيس مرسي على وجه الخصوص نهاية بائسة قبل تمام المشوار، لكن المفاجئ ان تتهاوى التجربة الاخوانية بهذه السرعة!!!.
يتفاجأ القياديون في الاخوان بهذه الامواج الجماهيرية التي خرجت ضدهم، ويعتقدون ان ذلك انقلاب على ثوابت الثورة، وكأن جماعة الاخوان استمعت لمطالبات الشباب في مرحلة ما بعد الثورة! وكأنها لم تتفق من ورائهم مع المجلس العسكري من اجل استعجال موعد الانتخابات التشريعية! في حين طالبت القوى الديمقراطية بتاجيل الانتخابات من اجل منح الجميع فرصة الاعداد الجيد لتلك الانتخابات، وكأن الاخوان المسلمين هم عصب الثورة المصرية وهم قادتها الحقيقيون بينما الواقع يؤكد خلاف ذلك، فهم ليسوا اكثر من فصيل شارك الاخرين في اسقاط مبارك، ولم يكونوا كل المشهد، بل لم يكونوا الفاعل الابرز في متغيرات ما قبل السقوط.
gamalksn@hotmail.com