تدفع الخسائر الفادحة التي يتعرض لها المزارعون في العراق جراء إغراق الأسواق بالمحاصيل الأجنبية، نحو تعميق أزمة الزراعة في البلد الذي يشهد بالأساس شحاً في الموارد المائية والتمويل اللازم للأعمال، حيث يضطر الكثيرون إما إلى بيع محاصيلهم بأثمانٍ بخسة أو إتلافها وهجرة الأراضي إلى أعمال أخرى.
ورغم منع الحكومة استيراد عدد غير قليل من المحاصيل التي تُزرع محلياً فإنّ القرار يبقى حبراً على ورق، إذ أكدت مديرية زراعة محافظة ديالى، اليوم الأحد، تراجع إنتاج محصول الرمان مؤخرًا لأسباب عدة من بينها قلة الإدامة من قبل الفلاحين وعدم توفر مياه كافية، فضلاً عن الإستيراد وتجريف مساحات كبيرة من الغابات الخاصة بأشجار الرمان، بالإضافة إلى العمليات الإرهابية والعسكرية.
ويصل سعر الكيلو غرام من الرمان المحلي 500 دينار عراقي، بينما يصل سعر المستورد إلى 1500-2000 دينار، بحسب أحد المزارعين.
وقال المتحدث باسم زراعة ديالى، محمد المندلاوي، في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “مساحات الأراضي المزروعة بالرمان في مناطق شمال المقدادية والمنصورية تقدر بنحو 10 آلاف دونم، وكان الإنتاج يصل إلى 5000-6000 طن سنويًا، لكن المتوقع هذا العام يتراوح بين 4000-4500 طن”.
وأضاف أن “العمليات الإرهابية في تلك المناطق وقلة المياه واغراق السوق بالمستورد من أهم الأسباب التي أدت إلى تضرر المحصول، خاصة وأن أشجار الرمان تحتاج إلى سنوات للتعافي”.
وأشار إلى أن “مديرية زراعة ديالى لديها خطة من أجل دعم وتشجيع الفلاحين لزيادة المساحات المزروعة والمحصول من خلال توفير الاحتياجات اللازمة للفلاح”.
ويطلق على محافظة ديالى التي تقع شمال شرق العاصمة بغداد، لقب “مدينة البرتقال”، غير أن هذا اللقب بدأ يتلاشى تدريجيا مع استمرار ظاهرة تجريف بساتينها.
ويلقي مزارعون في مناطق مختلفة من هذه المحافظة، باللائمة على الحكومة بسبب قلة الدعم وشح المياه والآفات الزراعية، إضافة إلى عدم تحقق الجدوى الاقتصادية من استمرار عمل المزارعين فيها، ما دفع الكثيرين إلى تقطيع مساحات بساتينهم إلى قطع صغيرة وبيعها، ليتم بناؤها دورا سكنية.
وشكى عدد من المزارعين في قضاء المقدادية، وتحديدًا في البساتين المحاذية لنهر ديالى في قضاء المقدادية وصولاً إلى بلدة شروين، مطلع الشهر الماضي، من غلاء تكاليف زراعة الرمان مشيرين إلى أن سعر الطن الواحد من الأسمدة وصل قرابة مليون دينار وأكثر.
وكانت وزارة الزراعة قد أكدت في مناسبات عدة عبر بيانات صحفية وتصريحات لمسؤولين فيها، أن عمليات تجريف البساتين والأراضي الزراعية وتحويل جنسها إلى سكني أو تجاري يعد مخالفة قانونية ولا يتم بموافقات أصولية ورسمية من الجهات المختصة.
وشددت على أن مسؤوليتها هي إبلاغ السلطات المختصة والجهات التنفيذية لمنع استمرار هذه العمليات ومحاسبة المتجاوزين وفق القانون.
ويفقد العراق 100 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية سنوياً نتيجة التصحُّر ويخلُص تقرير، صدر عن وزارة الموارد المائية العراقية، إلى أن موجات الجفاف الشديد المتوقعة حتى سنة 2025 ستؤدي إلى جفاف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، بينما سيتحوَّل نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة.
جدير بالذكر، أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.
كما غيرت إيران مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران كافة الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى، ما ادى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.