صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

«البيتكوين» يأكل الكهرباء.. مزارع «التعدين» تنمو والوزارة تنفي

في بلد يعاني من عجز مزمن في الكهرباء، يتصاعد الحديث عن جهات مجهولة تشغّل مزارع لتعدين العملات المشفرة، مستفيدة من الطاقة المدعومة أو المسروقة، وفيما أكد متخصصون أن هذه المزارع تكلف حجما كبيرا من الطاقة، قالت وزارة الكهرباء إنها لا تستثني أي منطقة من القطع المبرمج، نافية علمها بحديث وزيرها السابق حول وجود مزارع البيتكوين.

وبرز هذا الملف إلى الواجهة، بعد تصريح لافت لوزير الكهرباء الأسبق، لؤي الخطيب، كشف فيه عن وجود خطوط كهرباء “مستثناة” من القطع المبرمج، تستخدم في عمليات غير قانونية لتعدين العملات الرقمية، ما أثار تساؤلات واسعة عن استغلال الطاقة المدعومة في بلد يعاني من عجز مزمن في الكهرباء.

وفي هذا الصدد، يوضح خبير الاتصالات والأمن السيبراني، عمار العيثاوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما يعرف بمزارع البيتكوين هي مراكز بيانات ضخمة ومعقدة تحتوي على أعداد هائلة من أجهزة الحواسيب، عالية الأداء والمعالجات المتقدمة، تعمل على حل معادلات رياضية عبر تقنيات البلوكتشين للتحقق من المعاملات الرقمية”.

ويشرح العيثاوي، أن “هذه المزارع تحتاج إلى كميات هائلة من الطاقة الكهربائية، ليس فقط لتشغيل الأجهزة، بل أيضا لتبريدها، حيث تولد المعالجات حرارة عالية تتطلب بيئة باردة للحفاظ على كفاءتها”.

ويلفت إلى أن “العراق يفتقر إلى بيئة ملائمة لتشغيل مثل هذه المراكز، بسبب عدم استقرار الطاقة الكهربائية وضعف خدمات الإنترنت، وهو ما يشكل عائقا كبيرا أمام أي مشروع تعدين رقمي حقيقي على نطاق واسع داخل البلاد”، مشيرا إلى أن “ما موجود في العراق لا يتعدى كونه محاولات فردية صغيرة باستخدام عدد محدود من الأجهزة أو الخوادم”.

ولم يكن تصريح الخطيب هو الأول من نوعه، فقد سبقه النائب السابق والسياسي مشعان الجبوري بحديث مثير للجدل، حين قال في مقابلة تلفزيونية إن إيران تقوم بتعدين العملات المشفرة داخل العراق مستفيدة من الكهرباء المجانية، لا سيما في المناطق التي لا تخضع لنظام الجباية.

وربط الجبوري هذا النشاط بما وصفه بـ”مافيات محلية” تدير عمليات تعدين لصالح طهران، عبر استغلال خطوط كهرباء غير خاضعة للرقابة أو القطع، مؤكدا أن هذه العمليات تنتج “دولارات إلكترونية” تحوّل لاحقا إلى أموال نقدية ترسل إلى إيران، رغم العقوبات المفروضة، وفيما لفت إلى أن “الولايات المتحدة تتابع هذا الملف عن كثب، وتعتبره أحد مصادر تدفق العملة الصعبة إلى طهران”، حذر من أن “بعض الجهات النافذة تستغل فوضى الكهرباء في البلاد لتأمين مصالح خارجية على حساب المنظومة الوطنية”.

ورغم تصاعد الحديث عن نشاطات مرتبطة بتعدين العملات المشفرة، إلا أن العراق لا يعترف رسميا بهذه العملات، بل يحظر التعامل بها وفق تعليمات البنك المركزي العراقي، الذي شدد في بيانات سابقة على أن البيتكوين وباقي العملات الرقمية لا تمتلك غطاء قانونيا، ويمنع تداولها أو استخدامها داخل البلاد.

ويعني هذا الحظر أن أي نشاط متعلق بالتعدين أو التبادل أو الاستثمار في هذه العملات يتم خارج الأطر الرسمية، ما يضعه في خانة النشاط غير المشروع، كما يحاسب ممارسو هذا النشاط وفق القوانين المتعلقة بتمويل الإرهاب.

من جهته، يؤكد الخبير المالي، مصطفى حنتوش، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك نشاطا لتعدين العملات الرقمية داخل العراق، وعلى رأسها عملة البيتكوين، وهذا يشكل عبئا إضافيا على منظومة الكهرباء الوطنية، لا سيما في أوقات الذروة”.

ويلفت حنتوش، إلى أن “تقنية البلوكتشين التي تقوم عليها العملات المشفرة، تتميز بطبيعتها اللامركزية، ما يجعل من الصعب إيقافها أو تعطيلها كليا، حتى في حال إغلاق بعض المواقع أو البرمجيات المرتبطة بها”.

ويوضح أن “استخدام معدات التعدين في العراق يتم بعيدا عن أعين الرقابة الحكومية، نظرا لغياب التشريعات التي تعترف رسميا بالعملات الرقمية، رغم وجود مستخدمين لها لأغراض الاستثمار والتجارة الإلكترونية”.

ويضيف أن “عددا من القوى الاقتصادية العالمية الكبرى تدعم انتشار هذه العملات بشكل غير مباشر، بهدف التحايل على الأنظمة المالية التقليدية، وفتح مسارات جديدة في مجالات التجارة الدولية والتحويلات المالية”.

وفي مقابل هذه التحذيرات والتقارير غير المؤكدة، تنفي وزارة الكهرباء العراقية وجود أي نشاط منظّم أو معروف لتعدين العملات المشفرة داخل البلاد، مؤكدة أن جميع مناطق التوزيع تخضع لنفس آلية القطع المبرمج، باستثناء المرافق الحيوية.

وفي هذا الشأن، يشير المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، خلال حديث لـ”العالم الجديد” إلى أن “وزارة الكهرباء ليس لديها علم بما تحدث به الوزير الأسبق لؤي الخطيب، وليس هناك رصد لمثل هذه المزارع، خاصة وأن الوزارة لا تمنح أي استثناءات من نظام القطع المبرمج للكهرباء، باستثناء محطات تصريف المياه، ومشاريع الماء، والمستشفيات فقط، فيما تخضع جميع المناطق الأخرى لذات آلية التوزيع دون تمييز”.

ويوضح موسى أن “الوزارة ماضية في حملات رفع التجاوزات وتنظيم الاستهلاك، في إطار خطتها لضبط الأحمال ومواجهة حالات الاستهلاك العشوائي، ضمن محددات واضحة لإيصال التيار الكهربائي”.

ويشير إلى أن “الوزارة بدأت بتطبيق مشروع التحول الذكي في أربع محافظات، وهي كربلاء، وديالى، وواسط والمثنى، بهدف تركيب العدادات الذكية والتحكم بالاستهلاك، منعا للتجاوزات، وأي استهلاك غير مشروع للكهرباء سيتم التعامل معه وفق القانون”.

إقرأ أيضا