تستمر حادثة وفاة اثنين من طلاب الكلية العسكرية الرابعة في محافظة ذي قار، وإصابة ثمانية آخرين بحالات إعياء، بسبب تعرضهم لأشعة الشمس المباشرة أثناء التدريب، بإثارة الجدل في العراق.
ورغم إقالة قيادات عسكرية رفيعة، وتشكيل لجان تحقيقية، إلا أن المطالبات بمحاسبة الجهات الرقابية مازالت مستمرة، حيث يرى مسؤولون محليون، اليوم الخميس، أن التصرفات غير المسؤولة من قبل الجهاز التدريبي للكلية وراء ما حصل، فيما دخل البرلمان على خط الأزمة من خلال تشكيل فريق برلماني لمتابعة الحادثة.
وقال عضو مجلس ذي قار، أحمد الخفاجي، في تصريح لعدد من وسائل الإعلام، من بينها “العالم الجديد”، إن “ما ألم بالكلية العسكرية جاء نتيجة تصرفات غير مسؤولة من إدارة الكلية، والجهاز التدريبي فيها، والذي أدى إلى فقدان 2 من الطلبة، وإصابة 8 آخرين بوضع صحي خطير جدا”.
وأضاف “نأمل أن تتخذ الجهات الرقابية دورها في محاسبة المقصرين، والحد من هذه الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان أولا، والكلية العسكرية ثانيا”.
وبدأت، منذ ساعات الصباح الباكر، مراسم تشييع أحد طلاب الكلية العسكرية، الحسين عصام، الذي راح ضحية قساوة التدريب في الناصرية، وسط أجواء يسودها الحزن وألم الفقد، في مدينة الكاظمية، شمالي بغداد.
وتسلم ذوو الشهيد، جثة الفقيد بعد إكمال إجراءات الغسل في مغتسل الكاظمية، تمهيدا لدفنه في مثواه الأخير، في مقبر وادي السلام بمحافظة النجف الأشرف، بحسب مراسل “العالم الجديد”.
إلى ذلك، شكّلت لجنة الأمن والدفاع النيابية، اليوم الخميس، فريقا برلمانيا لمتابعة حادثة وفاة طالبين، وتعرض آخرين لمضاعفات صحية في الكلية العسكرية الرابعة بمحافظة ذي قار.
وذكرت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب، في بيان تلقته “العالم الجديد”، أن “اللجنة شكّلت فريق متابعة برئاسة رئيسها النائب كريم عليوي المحمداوي، للوقوف على ملابسات وفاة طالبين وتعرض عدد من زملائهم لمضاعفات صحية، خلال استقبال طلبة الدورة 89 في الكلية العسكرية الرابعة بمحافظة ذي قار”.
وأضافت، أن “الفريق سيعمل على التنسيق مع الجهات المعنية لجمع المعلومات المتعلقة بالحادثة، وتقديم تقرير مفصل يتضمن التوصيات اللازمة إلى رئاسة مجلس النواب، بهدف اتخاذ الإجراءات المناسبة التي تضمن سلامة الطلبة، وتحسين ظروف تدريبهم داخل المؤسسات العسكرية”.
وأكدت اللجنة أنها “تتابع تطورات الوضع الصحي للطلبة المصابين، وتولي اهتماما بالغا لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلًا”.
وكان أكثر من 100 طالب من الدورة 89 قد تعرضوا، يوم أمس الثلاثاء، لحالات إغماء وإرهاق شديد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، والجهد البدني، ما أدى إلى وفاة طالبين، فيما نُقل المصابون إلى المستشفى لتلقي العلاج، بينهم حالات حرجة.
من جهة أخرى، تناقل ناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي، مقطعا فيديوا يظهر الطريقة البدائية التي تم نقل فيها المصابين من الطلاب إلى المشفى، فيما ربط البعض الآخر الحادثة بتصريحات رئيس الكلية العسكرية، ناصر الغنام، وهو يوصي باستخدام العنف في تدريب الطلبة”.
وقرر رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، ليلة أمس الثلاثاء، إعفاء رئيس الأكاديمية العسكرية الفريق الركن ناصر الغنام، ومعاونه، وعميد الكلية العسكرية الرابعة، وآمر الفوج المسؤول، بالإضافة إلى سحب أيديهم من العمل فورا. كما وجه السوداني بتشكيل مجلس تحقيقي عاجل لمحاسبة المقصرين، وكشف ملابسات الحادثة بشكل دقيق.
وقرر السوداني “منح رتبة (ملازم) للطالبين المتوفيين”، مؤكدا على “الالتزام بالتوجيه السابق الصادر من مكتبه، الذي يشدد على أهمية حسن التعامل مع المتدرّبين في الكليات والمؤسسات التدريبية والدورات المختلفة، ومراقبة المبالغة في تعامل الضبّاط وضباط الصف مع المتدربين، وألّا تصل لحد الاستهانة بكرامتهم والإيغال بالإساءة، التي تؤدي أحيانًا إلى الأضرار الجسدية والانسحاب من الدورة والتخلي عن مُخرجاتها الوظيفية، وعلى الآمرين والقادة وعمداء الكليات مراقبة ذلك ومحاسبة المقصرين، فإن الذات الإنسانية هي الأسمى في الشخصية العراقية التي نتوسم فيها المستقبل”.
ولم يصدر بعد التقرير الطبي بشأن الحادث، فيما ستباشر اللجان التحقيقية عملها بمتابعة الملف الطبي، ومن ثم الاطلاع ميدانيا لمعرفة تفاصيل الحادث وتسجيل إفادات الشهود.
وقد أثارت الحادثة موجة من الاستياء في الأوساط الشعبية والرسمية، وسط مطالبات بضمان سلامة الطلاب، وتوفير ظروف تدريبية وإنسانية ملائمة في المؤسسات العسكرية، إذ دعا النائب عادل الركابي، رئيس الوزراء إلى محاسبة المقصرين، وقال في تدوينة له على “إكس”، “ندعو دولة رئيس الوزراء إلى إجراء تحقيق ومحاسبة المقصرين في حادثة وفاة اثنين وإصابة آخرين من طلبة الكلية العسكرية في ذي قار”، مؤكدا أن “ما سمعناه من تعامل وأساليب بحق الطلبة يخرج عن سياقات التأهيل والتدريب ليصل إلى مستوى التعسف والإهمال غير المبرر والاستخفاف بحياة طلبة الكلية”.
وتعد هذه الحادثة هي الأولى من نوعها تسجل في الكلية العسكرية، الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة بشأن نوع التدريبات التي يتلقاها الطلاب والغذاء، ومدى مناسبة الأجواء المحيطة بهم أثناء التدريب.
وكان رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، أصدر نهاية العام الماضي، توجيهات إلى 6 جهات أمنية بشأن التعامل مع المتدربين، والتي تتضمن “حسن التعامل مع المتدربين في الكليات والمؤسسات التربوية والدورات المختلفة، ومراقبة حالات المبالغة في تعامل الضباط وضباط الصف مع المتدربين، وأن لا تصل لحد الاستهانة بكرامتهم والإيغال بالإساءة الجسدية التي تؤدي أحيانا إلى الأضرار الجسدية، والانسحاب من الدورة، والتخلي عن مخرجاتها الوظيفية”.