منذ تشكيله عام 2005، يناقش البرلمان اليوم، للمرة الأولى، دوره الرقابي الذي أكد محللون سياسيون “فشله” بسبب “التخادم السياسي” الذي يعطّله، وعدم وجود معارضة حقيقية، فيما يتوقع آخرون أن جلسة اليوم ستكون لمناقشة الحدود الرقابية للمجلس، ولا سيما ما حدث للنائب هادي السلامي.
ويقول المحلل السياسي نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الدستور حدد اختصاصات مهمة لمجلس النواب أهمها التشريع والرقابة، وبرأيي أن المجلس فشل بشكل كبير في كلا الاختصاصين، فما زال هناك الكثير من التشريعات الاستراتيجية المهمة لم يمررها البرلمان منها مجلس الاتحاد وما يخص النفط والغاز والمحكمة الاتحادية العليا”.
وعلى الصعيد الرقابي، يرى حيدر، أن “الفشل الذريع بادٍ للعيان في كل شيء، كملف حصر السلاح بيد الدولة وتعيين الدرجات الوظيفية الخاصة بالوكالة وغيرها”، لافتا إلى أن “أكثر من 80 بالمئة من البرنامج الحكومي ما زال حبرا على ورق، ولم يلامس الواقع”.
ويعزو المحلل السياسي المقيم في واشنطن، ذلك الفشل، إلى أن “من طبيعة الحكومات التوافقية هو التستر وعدم الرقابة، فما لم تتشكل حكومة أغلبية برلمانية وتذهب الأقلية البرلمانية للمعارضة، من المستحيل أن نشهد أي تنشيط للرقابة البرلمانية”.
ويعتقد حيدر، أن “حاكمية التوافق على الدستور والقانون هي القاعدة التي تحكم النظام السياسي، وهي نتيجة للمحاصصة التي تتحكم بالبلد طولا وعرضا، ولذلك لا يمكن أن ننتظر أي تنشيط للرقابة البرلمانية، لأن القرار ليس تحت قبة البرلمان وإنما خلف أبواب الغرف المظلمة التي تجتمع فيها زعامات القوى السياسية”، واصفا قرار مجلس النواب تخصيص جلسته لتقييم دوره الرقابي، بأنها لـ”الاستهلاك المحلي وتعبير عن البطالة المقنعة”.
واكتفى مجلس النواب، بتخصيص جلسته اليوم الأحد، لمناقشة دوره الرقابي، وفقا لما نشره عبر موقعه الإلكتروني، وهي المرة الأولى التي يضع فيها البرلمان هذا العنوان بجلسة خاصة منذ تشكيله عام 2005.
وجرت في 30 كانون الثاني يناير 2005، أول انتخابات تشريعية في البلاد، انتخب خلالها الشعب العراقي أعضاء “الجمعية الوطنية الانتقالية” كما سميت في ذلك الوقت، بعضوية 275 نائبا.
وقد أفرز برلمان 2005، اختيار جلال طالباني لرئاسة الجمهورية، وغازي عجيل الياور وعادل عبد المهدي نائبين له، بالإضافة إلى انتخاب إبراهيم الجعفري رئيسا للوزراء، حيث سميت بالحكومة الانتقالية، فيما شهدت تلك الانتخابات مقاطعة ممثلي المكون السني في ثلاث محافظات: نينوى وصلاح الدين والأنبار، قبل أن يصبح منصب رئيس البرلمان من حصتهم في الدورات اللاحقة.
من جهته، يعدّ المحلل السياسي علي البيدر، هذه الدورة البرلمانية “الأسوأ على المستوى الرقابي والتشريعي، كونها دورة أزمات، فقبل أن يتشكل المجلس كانت هناك أزمة، وبعد أن تشكّل رافقت تشكيل الحكومة أزمات عدة، لذلك لم يأخذ البرلمان الوقت الكافي ولم تتوفر له بيئة وظروف مناسبة لممارسة دوره الرقابي”.
إضافة إلى الأزمات، يعتقد البيدر أن “هناك تخادما سياسيا عطّل الدور الرقابي، فالنواب التابعون لجهة ما، لا يراقبون أداء المسؤول التنفيذي التابع لجهة أخرى مقابل تسوية وكل طرف يكون له مصلحة من ذلك، إضافة إلى أن بعض النواب لا يفهم طبيعة عمله ولا الدور الذي من المفترض أن يضطلع به، وكل هذه الأمور عطلت الدور الرقابي، ناهيك عن التحصينات التي تضعها الجهات التنفيذية، وهذا ما يجعل الأداء الرقابي هو الأقل حضورا في هذه المرحلة”.
وعاش العراق، بعدما أعلنت نتائج الانتخابات التشريعية، انسدادا سياسيا، حال دون تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية، وتحول إلى مظاهرات حاشدة عطلت عمل البرلمان، فعقب ظهور النتائج الأولية التي أفضت إلى فوز “التيار الصدري” بأكبر عدد من المقاعد، تبنى زعيم التيار مقتدى الصدر قراراً بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، بعيدا عن توجهات القوائم الشيعية التي تطالب بتشكيل حكومة أغلبية سياسية تشمل معظم الأطياف، لكن ذلك لم ينجح وأدى إلى انسحاب أكبر كتلة فائزة في الانتخابات.
إلى ذلك، يتوقع المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “البرلمان سيناقش غدا (اليوم) قضية النائب هادي السلامي، التي تتعلق بحدود الدور الرقابي للبرلمان وتصريحات وأحاديث ونشاطات النواب، وكل ما يتعلق بهذا الأمر”.
ويضيف الدعمي، أن “قضية مثل هذه، من المهم أن تناقش كي يعرف النواب حدودهم الرقابية قانونا ولا يخرجون عنها، وأيضا على الجهات الأخرى أن تفهم الدور الرقابي للبرلمان، فهناك أحاديث عن أن بعض النواب مارسوا عمليات ابتزاز، وهناك من يقول إن النواب يبحثون عن مصالح في الوزارات، لذا لا بد أن يتحدد الدور الرقابي للبرلمان حتى يفهم النائب دوره وحدوده، وهذا يشمل المؤسسات الحكومية التي يجب أن تتفهم الدور الرقابي النيابي”.
وأثارت قضية النائب، هادي السلامي، جدلا واسعا بعدما تم إطلاق حكم قضائي بحقه بالسجن 6 أشهر بسبب دعوى تشهير بموضوع السلة الغذائية في وزارة التجارة، قبل أن تعلن محكمة استئناف الكرخ الإفراج عن السلامي.
وفي 13 من كانون الثاني يناير الحالي، بدأ مجلس النواب فصله التشريعي الأول من السنة التشريعية الثالثة، لينهي عامين من عمر دورته، التي كانت حافلة بالأزمات، وآخرها إنهاء عضوية رئيسه.
يذكر أن البرلمان، عقد أول جلسة له في هذه الدورة النيابية، في 9 كانون الثاني يناير 2022، وفيها تم انتخاب محمد الحلبوسي رئيسا للمجلس، ومن ثم شهد العديد من الانقطاعات، لينهي فصله التشريعي بعقد 11 جلسة فقط.
واستمر إخفاق البرلمان بعقد جلساته، لينهي سنتين تشريعيتين، بعدد جلسات كلي بلغ 82 جلسة، من أصل 128 جلسة، وهو عدد الجلسات المحدد لأربعة فصول تشريعية، وفقا للنظام الداخلي لمجلس النواب.
أما المحلل السياسي محمد علي الحكيم، فيجد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “البرلمان لم ولن يقوم بدوره الرقابي، وكان الفشل يلازمه منذ تشكيله في 2005 حتى الآن، لاسيما الدورة الأخيرة التي فشلت بمراقبة الحكومة، وكذلك من ناحية تشريع القوانين”.
ويرجع الحكيم، الأسباب، إلى “عدم وجود معارضة حقيقية، فالحكومات التي تشكلت منذ 2003 توافقية وتحت شعار تقسيم الكعكة، لذا فإن مبدأ التستر على الفاسدين وعدم تفعيل الدور الرقابي للبرلمان هو سيد الموقف”، مشيرا إلى أن “هناك مصلحة متبادلة بين جميع القوى السياسية، وهذا ما يمنع البرلمان من أداء دوره الحقيقي بالرقابة على أداء الحكومة”.
ويردف: “لا نجاح يلوح في الأفق لا على المستوى البرلماني الرقابي ولا على المستوى التنفيذي للحكومة الحالية، إذ لا فرق بين حكومة السوداني والحكومات السابقة فهي حكومات طائفية مكوناتية توافقية لتوزيع الكعكة والمغانم بين جميع القوى السياسية”.
ويخلص الحكيم، إلى أن “أغلب اللجان البرلمانية منذ عام 2003 لم تكن بمستوى الطموح من الأمن والدفاع إلى الصحة إلى التعليم العالي وهلم جرا، لأنها لجان محاصصاتية وتوافقاتية موزعة بين القوى والأحزاب السياسية”.
ويعد قانون النفط والغاز، من أبرز القوانين المعطلة في البرلمان، ولم يقر حتى الآن بسبب الخلافات السياسية بشأنه، فضلا عن قوانين أخرى منها قانون المحكمة الاتحادية.