نافست نيران حرائق البصرة، نيران حقولها النفطية في ثاني ليلة دموية من الاحتجاجات التي انطلقت قبل الثلاثاء الماضي، في المحافظة النفطية الأغنى جنوبي العراق، وأسفرت عن سقوط تسعة قتلى وإحراق مبان حكومية عدة.
فبعد نحو 24 ساعة على نشر “العالم الجديد” خبر اعتزام مجموعة من المتظاهرين على اقتحام القنصلية الايرانية في البصرة، أقدم مئات منهم أمس الجمعة، على اقتحام مقر القنصلية وإضرام النار فيها.
وفي أول رد فعل رسمي لرئيس الوزراء حيدر العبادي، على حادثة حرق القنصلية، هو أمره فجر اليوم السبت، باحالة الوحدات الامنية المسؤولة عن حماية المؤسسات العراقية والقنصلية الايرانية في البصرة الى التحقيق لعدم قيامهم بواجباتهم في توفير الحماية اللازمة، حسبما افاد بيان لمكتب العبادي.
ويُعد إحراق قنصلية البلد الذي أصبح أحد اللاعبين الأساسيين في الساحة السياسية العراقية، تحولا مهما في توازن القوى ذات النفوذ في البلاد، ومنعطفا كبيرا في مسيرة العلاقات بين البلدين.
وأفاد المكتب الإعلامي للقنصلية أنه “تم إجلاء جميع الموظفين والدبلوماسيين من المبنى قبل الاقتحام”. وسبق أن أضرم متظاهرون النيران في عدد من المباني الحكوميةو مسكن المحافظ ومقار أحزاب سياسية وجماعات مسلحة
الى ذلك، انطلقت دعوات لتعطيل التظاهرات وعدم النزول الى الشارع اليوم، من قبل جهات تطلق على انفسها اسماء عدة، بينها (اللجنة التنسيقية لمظاهرات البصرة)، و(تجمع شباب البصرة)، فضلا عن بيان نقابة المحامين فرع البصرة، الذي ناشد المتظاهرين بتأجيل التظاهرات لأيام، بسبب “انحرافها عن مسارها السلمي”.
وتتفاقم الأزمة الاجتماعية في البصرة والتي انطلقت على خلفية الاحتجاج ضد الفساد، بسبب أزمة صحية حيث أدى تلوث المياه في هذه المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط، إلى نقل أكثر من 30 ألف شخص أصيبوا بحالات تسمم إلى المستشفيات.
وفي مطلع تموز(يوليو)، عندما انطلقت حركة الاحتجاج ضد الفساد في البصرة، هاجم المتظاهرون مقار الأحزاب الشيعية في المحافظة.
وتسعى طهران منذ الانتخابات التشريعية في أيار(مايو) إلى وضع ثقلها في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.
لذا، يتزامن التحرك مع شلل سياسي في بغداد، فبعد أشهر عدة شهدت إعادة فرز لأصوات الانتخابات، لم يتمكن البرلمان الذي عقد الاثنين جلسته الافتتاحية من انتخاب رئيسه، وأرجأ الجلسة حتى 15 أيلول(سبتمبر).
ورغم ذلك، أعلن البرلمان امس أنه سيعقد جلسة استثنائية السبت لمناقشة “المشاكل والحلول والتطورات الأخيرة” في البصرة.
وأشار بيان صادر عن مجلس النواب إلى أن الجلسة ستعقد بحضور رئيس الوزراء والوزراء المعنيين عند الساعة الواحدة من بعد ظهر السبت.
وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أمهل مجلس النواب الخميس حتى الأحد المقبل لعقد جلسة استثنائية لحل الأزمة في البصرة.
وقد خلفت الاحتجاجات تسعة قتلى في صفوف المتظاهرين منذ الثلاثاء، بحسب مدير المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة مهدي التميمي.
جاءت دعوة البرلمان بعد ساعات فقط من سقوط ثلاث قذائف هاون فجرا داخل المنطقة الخضراء المحصنة، التي تضم سفارات غربية عدة أكبرها سفارة الولايات المتحدة، ومباني حكومية منها البرلمان.
ومر هذا الهجوم الذي أصاب “أرضا متروكة داخل المنطقة الخضراء ببغداد دون وقوع خسائر بشرية أو مادية”، وفق ما أفادت السلطات.
وكان الصدر الفائز في الانتخابات البرلمانية دعا الحكومة إلى تقديم “حلول جذرية وفورية وإلا فعلى جميع من تقدم ذكرهم ترك مناصبهم فورا”.
وعشية يوم التعبئة التقليدي في العراق، دعا الصدر إلى “تظاهرات سلمية غاضبة في البصرة”.
وخلال خطبة الجمعة في كربلاء، ندد ممثل المرجعية الدينية في النجف الشيخ عبد المهدي الكربلائي مرة أخرى بـ”الأداء السيئ لكبار المسؤولين وذوي المناصب الحساسة للحكومات المتعاقبة”، داعيا إلى “الضغط باتجاه أن تكون الحكومة الجديدة مختلفة عن سابقاتها”.
ويزور الممثل الآخر للمرجعية، السيد أحمد الصافي، البصرة منذ أيام عدة، وقد زار محطات ضخ المياه وعائلات ضحايا التظاهرات.
ولفت الكربلائي إلى أن الصافي لاحظ خلال جولته “مدى التقصير الحكومي” في معالجة أزمة المياه إذ أنه “كان بالإمكان ببعض الجهد ومبالغ غير ظاهرة بالقياس لإمكانات الحكومة تخفيف الأزمة الى حد كبير”، معتبرا أن “عدم كفاءة بعض المسؤولين وعدم اهتمام البعض الآخر أدت إلى تفاقم المشكلة”.
وفي هذا الإطار، قال التميمي إن “ما يجري في البصرة هو بسبب سياسة الإهمال من قبل الحكومة”.
ويستنكر المتظاهرون إهمال الدولة وغياب الخدمات العامة الأساسية، في هذه المنطقة الغنية بالنفط لكن بنيتها التحتية عاجزة تماما. وقد فقدت هذه الحركة التي عمت جميع أنحاء جنوب البلاد وبغداد زخمها حين أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي إطلاق خطة طوارئ بمليارات الدولارات.
وأعلنت الحكومة في تموز(يوليو) 2018، خطة طوارئ وتخصيص مليارات الدولارات لتحسين أوضاع مناطق جنوب العراق، التي تعاني نقصا حادا في الخدمات والبنى التحتية رغم عدم وقوع معارك ضد تنظيم داعش فيها.
لكن المتظاهرين يشعرون بقلق من عدم وفاء حكومة منتهية ولايتها بالوعود التي قطعتها، ما يدفع الى تواصل الاحتجاجات خصوصا مع تواصل الأزمة التي تعيشها البصرة.
وفي الاجمال، قتل 24 شخصا منذ مطلع تموز (يوليو) في جميع أنحاء البلاد.
ويتهم المدافعون عن حقوق الإنسان الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين، في حين تشير السلطات إلى “مخربين” تسللوا بين المحتجين مؤكدة أنها أمرت الجنود بعدم إطلاق النار.
ونددت منظمة العفو الدولية في بيان امس لـ”الاستخدام المفرط للقوة من قبل القوات الأمنية، بما يشمل استخدام الرصاص الحي”، مؤكدة أن ذلك حدث أيضا في تموز(يوليو).