يطل صراع النفوذ حول تشكيل حكومة إقليم كردستان برأسه من جديد، رغم التقارب السياسي في التصريحات الأخيرة للحزبين الرئيسيين في الإقليم، الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل الطالباني، ليزيد من تعقيد المشهد السياسي في الإقليم بشكل أكبر، فاتحا الحديث حول تأجيل حسم تشكيل الحكومة إلى ما بعد الانتخابات التشريعية في البلاد.
وفي الانتخابات التي جرت بتاريخ 20 تشرين الأول أكتوبر 2024، حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 39 مقعدًا، بينما حصل الاتحاد الوطني الكردستاني على 23 مقعدًا من أصل 100 مقعدًا في برلمان الإقليم، وبما أن تشكيل الحكومة يتطلب أغلبية 51 مقعدًا، فإن أي حزب لا يستطيع تشكيلها منفردًا، ما يفرض تحالفات سياسية معقدة قد تؤخر تشكيل الحكومة لفترة أطول.
إذ قال عضو حركة تفكري ازادي الكردية لقمان حسن، في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “هناك إمكانية لتأجيل تشكيل الحكومة في كردستان لما بعد إجراء الانتخابات البرلمانية في البلاد، وذلك لاعتبارات سياسية”.
وأضاف أن “هناك ارتباط بالخارطة السياسية ما بين المناصب في الحكومة الاتحادية والاستحقاقات السياسية والمناصب في حكومة اقليم كردستان، خصوصا ما بين الحزبين الحاكمين في الاقليم”، مبينا ان “الاحزاب الحاكمة في كردستان لاتحتاج الى الذهاب نحو تشكيل الحكومة للاقليم، وهذه الاحزاب لاينقصها شيء في السلطة كي يذهبوا نحو تشكيل الحكومة، وحتى مع تشكيل الحكومة الجديدة فهي لن تختلف عن سابقتها”، وفق موقع “المعلومة”.
واجتمع الحزبان الحاكمان في كردستان، مساء أمس الأحد، وبدت الأجواء إيجابية، حيث أكد رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، أن اجتماعه مع الطالباني كان “إيجابياً وجيداً للغاية”.
وأوضح في تصريح صحافي مشترك، بعد الاجتماع الذي عُقد بينهما في مصيف صلاح الدين، بمدينة أربيل، تابعته “العالم الجديد”، أن ا”لمناقشات تركزت على التقارب وبحث القضايا المهمة. من جانبه، وصف بافل الطالباني الاجتماع بأنه “جيد جداً”، مشيراً إلى التوصل إلى تفاهمات حول بعض القضايا الاستراتيجية التي تصب في مصلحة الشعب.
وأكدا “استمرار المباحثات”، مشدداً على أن “الهدف المشترك هو تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن لخدمة المواطنين”، فيما وال بافل الطالباني: “ما فهمته هو أن اجتماعنا كان جيداً جداً، واتفقنا على عدة أمور استراتيجية تصب في مصلحة شعبنا، وأعتقد أن مناقشاتنا ستستمر، فهدفنا المشترك هو تشكيل حكومة في أقرب وقت ممكن لخدمة شعبنا”.
وخلال الشهرين الماضيين، عقد الحزبان عدة جولات من المفاوضات انتهت بتشكيل لجنة مشتركة، هدفها صياغة مسودة يجري الاتفاق عليها للبرنامج الحكومي المقبل، وآلية توزيع المناصب التنفيذية لحكومة الإقليم، لكن الاتفاق لم يفض إلى أي نتائج تدفع نحو الإسراع بحسم ملف تشكيل الحكومة.
ويشهد إقليم كردستان أزمة سياسية مستمرة منذ الانتخابات الأخيرة، حيث تعثرت مفاوضات تشكيل الحكومة بين الحزبين الرئيسيين.
وتعود جذور الخلافات إلى تباين الرؤى حول تقاسم السلطة، وصلاحيات المناصب الرئيسية مثل رئاسة الإقليم والحكومة والبرلمان.
برغم عقد عدة اجتماعات بين اللجان التفاوضية للحزبين، إلا أن التقدم لا يزال محدودا، مما يزيد من حالة الجمود السياسي في الإقليم، وسط ترقب داخلي وضغوط خارجية لحلحلة الأزمة.
وطبقاً للنظام الداخلي لبرلمان الإقليم، يتعين على رئيس الإقليم دعوة البرلمان المنتخب إلى عقد جلسته الأولى خلال 10 أيام من المصادقة على نتائج الانتخابات، وإذا لم يدعُ الرئيس إلى عقد الجلسة الأولى يحق للبرلمانيين عقدها في اليوم الحادي عشر للمصادقة على النتائج، فيما يترأس العضو الأكبر سناً جلسات البرلمان قبل انتخاب الرئيس الدائم بعد تأدية القسم الدستوري.
وشهد البرلمان بدورته السادسة انعقاد جلسته الأولى في مطلع كانون الأول ديسمبر 2024، والتي تضمنت تأدية اليمين القانونية لأعضائه، وإبقاء الجلسة مفتوحة بسبب عدم حسم المناصب الرئيسة في الإقليم.
وبحسب سياسيين، فإن واقع هذا الصراع بين الحزبين التقليديين “الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني و”الاتحاد الوطني” بزعامة بافل طالباني يفتح الباب أمام تساؤلات حول الخيارات المتاحة في تجاوز سقف الشروط المتبادلة، واستقطاب قوى من ساحة المعارضة التي يفرض بعضها شروطاً تعجيزية، وآخر اتخذ قراراً قطعياً بعدم المشاركة في أية حكومة يشكلها الحزبان في ظل عقبات قانونية تفرض سقوفاً زمنية في حال إبقاء جلسة البرلمان مفتوحة لحين إبرام اتفاق سياسي.
ويقف سقف المطالب المرتفع لدى كل منهما عائقاً في طريق تشكيل حكومة شراكة، فكلاهما يخوض سباقاً لاستقطاب باقي القوى الفائزة وفي مقدمهما حراك “الجيل الجديد” ويحوز 15 مقعداً، يليه “الاتحاد الإسلامي” بسبعة مقاعد ثم حزب “الموقف الوطني” بأربعة مقاعد، و”جماعة العدل” بثلاثة مقاعد، ومقعدان لحزب “جبهة الشعب”، ومقعد لكل من حركة “التغيير” و”الحزب الاشتراكي”.
ويشترط حزب بارزاني في تشكيل الحكومة الجديدة أن تكون وفق معيار “الاستحقاق الانتخابي” مع أهمية أن تكون “مؤسسات الإقليم موحدة”، في إشارة إلى الفجوة القائمة بين ادارته في أربيل مع نظيرتها في السليمانية بقيادة حزب طالباني، في حين يرفع الأخير شعار “تصحيح مسار الحكم” بهدف ما يعتبره إنهاء حال احتكار القرار من قبل الديمقراطي.
وبعد تأجيل دام أكثر من عامين، شهد الإقليم إجراء انتخابات برلمانية، غير أن نتائج هذه الانتخابات كشفت عن مشهد سياسي معقد، إذ لم يتمكن أي من الحزبين التقليديين، الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين، من تحقيق الأغلبية المطلقة لتشكيل حكومة منفردة، ووضع هذا الأمر الحزبين أمام تحد جديد، إذ يجب عليهما التفاوض والتحالف مع قوى سياسية أخرى لتشكيل الحكومة المقبلة.
وسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على منصبي رئاسة الإقليم والحكومة، حيث ترأس نيجيرفان بارزاني رئاسة إقليم كردستان، وابن عمه وصهره مسرور بارزاني، منصب رئاسة حكومة الإقليم، فيما حصل الاتحاد الوطني في الدورة الأخيرة على منصب رئاسة البرلمان.
وكان السياسي الكردي المستقل لطيف الشيخ، أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “تشكيل حكومة الإقليم سيطول، ففي كل مرة، كان اللاعب والمؤثر الإقليمي والدولي يتدخل بصورة كبيرة، وينجح في تقريب وجهات النظر، لكن تركيا وإيران هذه المرة، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، منشغلة بالأزمة السورية وتطوراتها، لذا فإن موضوع تسمية المناصب، وتشكيل حكومة الإقليم سيطول، وقد نحتاج إلى أكثر من 6 أشهر”.