فيما تغيب المؤشرات الإيجابية عن أي انخفاض مؤثر بمعدلات العنف ضد المرأة والطفل في محافظة ذي قار التي تصدرت أرقامها الرسمية محافظات البلاد كافة، تبدي مفوضية حقوق الإنسان في المحافظة، تفاؤلا مبكرا بانخفاض تلك المعدلات، مع تسجيل 1500 حالة حتى تشرين الأول أكتوبر الماضي، مقارنة بالعام الماضي، الذي تجاوزت فيه 2000 حالة، أي بواقع نحو خمس حالات يوميا.
وفي الوقت الذي تعول فيه المفوضية علي التحسن الاقتصادي بتقليل الحالات، يجده مختصون سببا لارتفاع النسبة لجهة تأثيره المباشر على تحقيق الاستقلال المادي للمرأة، ما يقودها لـ”التمرد” على التقاليد الاجتماعية، التي تزداد داخل القرى والأرياف، مقارنة بمدن وحواضر المحافظة، وتبقي الكثير من الحالات طيّ الكتمان بسبب التقاليد والأعراف الاجتماعية التي تنحاز ضد المرأة.
وتعليقا على الارتفاع المذكور، يقول مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في ذي قار، داخل عبد الحسين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الأرقام المذكورة مسجلة ومثبتة بشكل رسمي لدى الدوائر المعنية بالأسرة والطفل التابعة لقيادة الشرطة، أما الأعداد غير المعلومة فهي أكبر بكثير”.
ورغم ذلك، يجد عبد الحسين، أن “هناك انخفاضا طفيفا منذ كانون الثاني (يناير) وحتى تشرين الأول (أكتوبر) من العام الحالي، ما يعطي تفاؤلا إيجابيا، لكن لا يعني أنها أرقام طبيعية، بل هي ظاهرة تتطلب توجها جادا للعمل على كيفية التخفيف من هذه الممارسات التي تمارس ضد المرأة والطفل”.
ويعزو هذا الانخفاض النسبي، إلى “تحسن الظروف الاقتصادية التي شهدتها المحافظة من قبيل فرص التعيين والشمول بمنح الرعاية الاجتماعية، فأغلب الحالات هي نتاج الظرف الاقتصادي الذي تعيشه الأسرة، إذ لا يمكن لرب الأسرة إيجاد فرص عمل أو توفير لقمة العيش لعائلته وحتى المرأة المعيلة تتعرض لجميع أنواع العنف في سبيل توفير مصدر مالي لعائلتها”.
ويضيف مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في ذي قار، أن “ما هو مسجل في المناطق الحضرية، هو أقل مما هو عليه في المناطق الريفية، لاسيما أن المتضررين من النساء والأطفال لا يمكنهم المطالبة بالحقوق أو تقديم الشكوى نتيجة الظروف التي يعيشونها في محل سكناهم الريفي والقواعد الاجتماعية الحاكمة لديهم”.
وفي إحصائية رسمية لمجلس القضاء الأعلى، سجل العراق أكثر من 10 آلاف دعوى خاصة بالعنف الأسري، 500 دعوى منها ضد الأطفال وأكثر من 7900 دعوى تعنيف نساء، وأكثر من 1600 دعوى تعنيف كبار السن، فيما أصدر القضاء في كانون الثاني يناير 2021 بيانا تضمن تشكيل محكمة متخصصة بالنظر في قضايا العنف الأسري.
وعن الأسباب التي تؤدي إلى حالات العنف، من جهتها، تعزو مسؤولة مركز تمكين للمشاركة والمساواة علياء الشويلي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، ارتفاع مستوى العنف ضد المرأة، إلى “تنامي الشعور لديها بالاستقلال المادي مع ازدياد عمل النساء في المجال الحكومي أو الأهلي، ما يقودها إلى التمرد على الأدوار الاجتماعية المرسومة لها، والذي يقابل بالعنف من قبل الرجال”، مبينة أن “العمل يؤمن المستوى الاقتصادي للفرد، وبالتالي يمنح عامل القوة للمرأة في مجتمعنا الذي ما زال أغلبه يراها من الطبقة الثانية”.
يشار إلى أن الحكومة الحالية شملت نحو مليون مواطن ومواطنة من الشرائح الاجتماعية المختلفة برواتب موازنة العام الحالي والعامين المقبلين، توزعت على التعيين في دوائر الدولة والرعاية الاجتماعية، حيث راعت في ذلك الجنسين.
وتعرج الشويلي، أيضا إلى “عدم وجود رقابة واسعة للأبوين على الأطفال وسط عالم التكنولوجيا الحديث، ما يزيد من هذه الحالات، إذ تؤدي التقنيات الحديثة الى دفع الأطفال نحو التأثر بالعالم الإلكتروني الذي ينقل ثقافات ورؤى وأفكارا مختلفة، وبالتالي من الصعب تقبل الآباء والأسر لأفكار وآراء مغايرة للواقع الذي يعيشونه”.
وما زال العراق يفتقر إلى التشريعات اللازمة لحماية الأسرة والعناية بها، في ظل ارتفاع حالات زواج القاصرات، فضلا عن تردي الوضع الاقتصادي وانتشار تعاطي المخدرات، وسط رفض لتمرير قانون مناهضة العنف الأسري داخل مجلس النواب في دوراته السابقة، بسبب اعتراضات بعض القوى الإسلامية، التي ترى في بعض بنوده تعارضا مع التعاليم الدينية.
كما شهد العراق خلال الأعوام القليلة الماضية، الكثير من حالات القتل للأطفال على أيدي ذويهم، حيث تم تسجيل جرائم مصورة تحولت إلى قضية رأي عام، فضلا عن انتشار عشرات مقاطع الفيديو لتعنيف الآباء لأطفالهم، بل وتعذيبهم وترك آثار على أجسادهم، وفي كل هذه الحالات اتخذت الأجهزة القضائية والأمنية الإجراءات اللازمة بحق مرتكبيها.
وكان العراق من أوائل الدول العربية التي وقعت على اتفاقية حقوق الطفل والتي أقرت عام 1989 واعترف ببنودها، وأصبح عضوا فاعلا فيها، لكن مع وقوع العراق تحت طائلة العقوبات الدولية في 1990 وتغيير النظام السياسي في 2003 وتعاقب الحكومات بعد ذلك، لم تشرع الدولة العراقية قانونا وطنيا لحماية حقوق الطفل يتواءم مع أحكام الاتفاقية الدولية، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الدستور العراقي تضمن عددا من الأحكام التي تؤكد على كفالة الدولة لحقوق الطفل والمرأة والأسرة.
بدوره، يؤكد مدير مركز الجنوب للدراسات صلاح الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “حالات العنف ضد المرأة والطفل تؤشر وجود خلل واضح في كيفية إدارة الرجل للأسرة خصوصا مع وجود هذه الأرقام المسجلة في الدوائر الرسمية”.
ويضيف الموسوي: “حتى وإن كان عام 2023 أقل بنسب معينة، ولكن تبقى هذه النسب كبيرة، لذا يتطلب تكثيف مستوى الوعي والثقافة من جميع الدوائر والمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية على أهمية حفظ كيان المرأة ودعمها لكي تكون عنصرا فاعلا وعاملا في المجتمع”.
ولا تزال المرأة في العراق تعاني من غياب القوانين والتشريعات اللازمة لحمايتها، وعدم تفعيل الساند لها من تشريعات قائمة منذ عقود، حيث ألقت ناشطات نسويات في تقارير سابقة لـ”العالم الجديد”، باللائمة على لجنة المرأة النيابية وتحميلها مسؤولية عدم السعي لسن أو تفعيل القوانين، فيما ترى الدوائر المقربة من عمل البرلمان والحكومة، أن ما يطرح لحماية المرأة يصطدم بواقع المجتمع وثقافته ولن يمر.
ويحتفل العالم يوم الأحد المقبل، باليوم العالمي للمساواة بين الجنسين، حيث أصبح المفهوم جزءا من القانون الدولي لحقوق الإنسان بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول ديسمبر 1948.