\”لا يغرنك أن حزبي هو أحد الأحزاب الحاكمة الآن، ولا تؤاخذني بكل ما يفعل كبار المسؤولين في هذا الحزب، وأنا منهم، لأننا بصراحة لا نعرف مصيرنا ولا نملك من أمرنا شيئا\”. هذا ما نقلته لكم في مقال سابق عن أحد المسؤولين (المتحزبين) وهو يشكو فوضوية العمل الحزبي في العراق، وقد تحقق هذا مع عضو مجلس محافظة البصرة \”الشيخ\” أحمد السليطي الذي فصله \”السيد\” عمار الحكيم بجرة قلم من قائمة انتخابية اسمها ائتلاف المواطن.
لم يسبق للحكيم أن تدخل في الشأن البصري بهذا الوضوح، لكن يبدو أنه اختار التوقيت الخطأ لاصدار بيان فصل السليطي بسبب امتناعه عن التصويت على \”فصل\” قائد شرطة البصرة اللواء فيصل العبادي من مهام عمله، فحيثيات الإقالة اختلطت بالمصلحة الحزبوية إذ ليس قانونيا التصويت على طرد العبادي قبل استدعائه لجلسة استماع، ثم إن مسؤولية الأمن في البصرة لا تقع على عاتق العبادي وحده، بغض النظر إلى أهلية العبادي (وهو كغيره جاء بمعادلة حزبوية).
اليوم تأكد للبصريين أن البصرة تدار من النجف، فالأحزاب التي من خارج البصرة تتعامل مع البصرة والبصريين على أساس التبعية، وأن الحكيم (الخادم الصغير للشعب العظيم ـ كما تقول صفحته على الفيس بوك) لا يختلف كثيرا عن الصدر، ولا عن المالكي، ولا عن علاوي، ولا عن غيره من رؤساء الكتل التي ما تفتأ تعتمد على \”ضعفاء\” البصريين لتقرير مصير البصرة، وتقرير مصير من ينضوي تحت عباءتهم في \”ميثاق شرف\” وقت الانتخابات لا يعدو كونه \”وثيقة إدانة\” تذكرنا بأيام سوداء خلت.
النفايات الإشعاعية وغوارق شط العرب وملوحة مياه الشرب، وشحة الكهرباء، ومشكلة الحدود مع الجارة الجنوبية الكويت، وواردات النفط البصري، والتمثيل العادل للبصريين في الوزارات والسفارات العراقية وغيرها من المشكلات الجوهرية التي تواجه البصريين هي ما كان يتوقع البصريون من عمار الحكيم أن يصدر فيها موقفا واضحا أو يقوم بفصل أحد المنضوين في أحد التشكيلات الحزبوية التابعة له، لا أن يقوم بفصل أحمد السليطي بسبب امتناعه عن حضور جلسة للتصويت على طرد قائد شرطة البصرة، في سابقة خطيرة تضرب الديمقراطية في صميمها وتهدد المدنية بالموت.
كم مرة يدعو الحزب الجمهوري، أو الحزب الديمقراطي إلى التصويت على إقرار قانون من القوانين في الولايات المتحدة الامريكية، فيفشل الحزب في جمع الاصوات الكافية لإقراره، لا لعدم وجود الأغلبية الحزبية في الكونغرس بل لأن أعضاء ذلك الحزب أنفسهم إما أنهم لم يصوتوا على القانون أو انهم صوتوا ضده، لاعتقادهم أن ما فعلوه يصب في مصلحة الوطن لا في رغبة الحزب، وهذا بالتحديد ما يجب على الأحزاب (غير المشرعنة حتى هذه الساعة) أن تدركه، وأن تتعامل مع المشاركين في تشكيلاتها على هداه، ولنسأل الآن: ماذا لو كان امتناع السليطي عن التصويت هو القرار القانوني والدستوري الذي يصب في مصلحة العراق، فهل سيقوم الحكيم بفصل جميع من خرقوا الدستور بالتصويت على طرد قائد الشرطة من منصبه؟؟
هذه فرصة جديدة للتأكيد على وجوب تشريع \”قانون الاحزاب الوطنية\” ليعرف الحزب والمتحزب حقوقهما وواجباتهما تجاه الوطن، لأن عدم تشريع قانون كهذا لا ينذر بفوضى وانهيارات ستصيب ما عندنا من \”أحزاب\” عراقية وحسب، بل تنذر بانهيار شامل سيصيب العملية السياسية والإدارية والامنية في البلاد بأكملها (باستثناء كردستان العراق).
يا رؤساء الكتل سارعوا بإقرار \”قانون الأحزاب الوطنية\” لتحافطوا على الوطن، وعلى المواطن، ولتكسبوا ثقة المتحزب بأفكار حزبكم وطروحاته، ليعرف الناخب العراقي من أنتم، وماذا تريدون، فوطن أحزابه بلا قوانين، وطن مجهول المصير، لا يؤمن عليه من الانهيار في أي لحظة.