صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

“التدريس الخصوصي”.. أولياء أمور يشكون الظاهرة ومدرسون يبررون ارتفاع الأجور

“دورات التقوية أو الدروس الخصوصية”، ظاهرة تتسع يوما بعد آخر حتى اقتربت من ذروتها في الأعوام الأخيرة، وذلك بعد ارتفاع أجورها التي تجاوزت المليون دينار لكل درس في بعض الاحيان، في حين تصل الحجوزات لدى بعض المدرسين الى عام قبل انطلاق الموسم

“دورات التقوية أو الدروس الخصوصية”، ظاهرة تتسع يوما بعد آخر حتى اقتربت من ذروتها في الأعوام الأخيرة، وذلك بعد ارتفاع أجورها التي تجاوزت المليون دينار لكل درس في بعض الاحيان، في حين تصل الحجوزات لدى بعض المدرسين الى عام قبل انطلاق الموسم الدراسي، هذا الامر اعتبرته لجنة التربية النيابية هو نتاج “عدم رصانة” المدارس و”خللا” في وزارات التربية منذ 2003، لكن أحد المدرسين “دافع” عن هذه الدورات ووصفها بانها “باب منفعة”، مؤكدا أن ارتفاع الاسعار يعود لالتزامنا بكل ما يضمن للطالب التفوق.

وتقول عضو لجنة التربية النيابية مها فاضل، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العوائل تلجأ الى تسجيل أولادها بمعاهد التطوير أو الدورات، لأن المدارس من وجهة نظرهم وما يتلقاه أبناؤهم فيها ليس بالمستوى المطلوب، ولهذا ذهبوا صوب هذه المعاهد”.

وتضيف فاضل ان “هناك خللا كبيرا من قبل وزارات التربية منذ 2003 ولغاية يومنا هذا، اضافة الى عدم الاهتمام بالمؤسسات التربوية الحكومية، وهو ما أجبر أولياء الامور لتسجيل اولادهم بهكذا معاهد”، مبينة ان “المدارس الاهلية اصبحت ظاهرة غير مجدية، لان بعضها عبارة عن بيوت صغيرة، بل اصبحت مجال استثمار وفائدة مادية اكثر من مجال تطوير القدرات العلمية للطالب، اي بمعنى دخول الاستثمار والفائدة المادية على قطاع مهم وهو التربية والتعليم وهذه كارثة كبرى”.

وتتابع “يجب ان تكون المدارس الحكومية اكثر رصانة واهتماما وحرصا على المستوى العلمي للطالب، لكن هذا الجانب تم فقدانه مع دخول المنافع وهو ما اجبر اولياء الامور ان يسلكوا طريق الدورات، وهو بصراحة مكلف ماديا لكن لا خيار امامهم”، مستدركة “لهذا فان الحكومة تتحمل تبعات تدهور العملية التربوية وتحميل العوائل ضغوطا اقتصادية ومادية”.

 

وتشير الى انه “يجب ان يكون التعليم الحكومي رصينا وأن يأخذ الطالب كفايته العلمية منه”، مبينة ان “هذا التدهور تتحمله الحكومة، فهي المسؤولة الأولى عن هذه القرارات، كما انها هي من يمنح اجازات فتح المدارس الاهلية ومعاهد التدريب، إضافة الى فقدان الرقابة سواء على المواد الرصينة او الاسعار المرتفعة”.

وانتشرت ظاهرة التدريس “الخصوصي” في العراق بشكل كبير بعد العام 2003، نظرا لتحسن الوضع الاقتصادي لاغلب العوائل، حيث باتت قادرة على دفع مستحقات المدرس، والتي كانت باسعار مقبولة آنذاك، لكن سرعان ما تحول الامر الى شبه إلزامي لطلبة الصف الثالث متوسط والسادس الاعدادي، نظرا لكون طلبة المرحلتين يؤدون امتحانات وزارية “بكالوريا”.

وفي السنوات الاخيرة، انتشرت ظاهرة معاهد التطوير والدورات، حيث يشترك في كل معهد عدد من المدرسين ويجمعون الطلبة في قاعات مخصصة للدراسة، وتبدأ اغلب هذه الدورات في العطلة الصيفية التي تسبق بدء العام الدراسي، وذلك بهدف تهيئة الطالب للمرحلة الوزارية المقبل عليها.

وحول هذا الامر، يقول الاستاذ محمد عبد القادر، وهو احد المشتركين بفتح معهد تطوير، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “لجوءنا الى فتح معهد للتدريس يأتي من باب المنفعة”.

ويضيف عبد القادر، وهو مدرس مادة الرياضيات لصفوف الثالث المتوسط والسادس الاعدادي “بكل صراحة ان راتبي الحكومي والذي لا يتجوز الـ800 الف دينار (نحو 530 دولارا) فانه لا يكفيني سوى عشرة ايام من كل شهر، وهو ما اضطرني الى البحث عن مصدر اخر للكسب والاستفادة، وكوني موظفا فان الوقت ضيق بالنسبة لي بحسب الالتزام بالدوام الصباحي”.

ويتابع “بالتشاور مع مجموعة من الزملاء الاساتذة قررنا فتح معهد للدورات بعد توفير كافة المستلزمات من تأجير المكان وتوفير سبل الراحة وتقديم افضل الخدمات للطلاب، والحرص على تدريسهم بالشكل الذي يؤهلهم الى الحصول على اعلى المعدلات”.

بشأن الأسعار المرتفعة، يوضح أن “ارتفاع أسعارنا يعود الى كوننا نلتزم مع الطالب منذ بداية العطلة الصيفية، اي قبل دخوله للسادس او الثالث المتوسط الى بداية الدوام، أي تتراوح الفترة ما يقارب الـ4 اشهر، وهي ليست بالقليلة وكافية ليتم صقل المعلومة للطالب وتأهيله بشكل جيد لتأدية اختباراته بنجاح”.

لكن ابو احمد، وهو أب لطالب في المرحلة الاعدادية يشكو في حديثه لـ”العالم الجديد”، من أن “ما يطلبه المدرس الخصوصي من مبالغ لا يعقل اطلاقا”.

ويضيف ان “التعليم في مدارسنا الحكومية لا يقدم اي منفعة للطلاب سوى الجهد والتعب، بل انه يكون مضرا في بعض الاحيان لما تتضمنه من ظواهر انفلات اخلاقي من دون اي رقابة تذكر من قبل الادارات، إذ تشيع ظواهر التدخين وتعاطي الحبوب المخدرة وجميع الامور السيئة”.

ويتابع “اضافة الى ذلك فان المعلمين والمدرسين باستثناء القلة القليلة منهم، فهم يتعمدون بعدم تقديم المعلومة الجيدة والصحيحة للطلاب خلال اوقات الدوام الرسمي من اجل اجبارهم للجوء الى الدروس الخصوصية، التي تكون مكلفة بشكل كبير، حيث أن 4 او 5 مواد في الصف السادس تكلف اكثر من 4 ملايين دينار (نحو 2600 دلار) اضافة الى النقل والجهد الاضافي للطالب”.

ويلفت الى أن “الامر وصل الى الحجوزات، حيث ان بعض المدرسين الذين عرفوا في مناطقنا والذين اكتسبوا الشهرة من خلال دوراتهم ونسب النجاح التي حققوها، يتم تقديم طلب للحجز عندهم، وقد يكون هذا الطلب قبل سنة من موعد الدورة مع دفع مبلغ من المال كمقدم”، مضيفا ان “سعر الدورة عند هؤلاء لا يقل عن 900 الف دينار (نح 600 دولار) لكل طالب وفي حال تقديم الدروس بشكل فردي للطالب فان السعر قد يصل الى مليوني دينار او اكثر (1300 دولار)”.

يشار الى ان التعليم في العراق، شهد تراجعا كبيرا في السنوات الماضية، نتيجة للاهمال الحكومي وشبهات الفساد التي تحوم حول مشاريع تطويره وخاصة بناء مدارس جديدة بعد ارتفاع عدد الطلبة والزيادة السكانية بشكل، حيث وصل عدد الطلبة في كل صف دراسي لاكثر من 50 طالبا، في مدارس اغلبها متهالكة.

وبالتزامن مع عدم تطوير قطاع التعليم في العراق، برزت المدارس الاهلية كبديل عن المدارس الحكومية، وباتت اعدادها كبيرة جدا ومنتشرة في اغلب الاحياء السكنية بجميع المحافظات.

إقرأ أيضا