يقف حسن ذو الـ14 عاما، في بوابة محل صغير لتصليح السيارات، قرب إحدى الساحات الرئيسة في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار (نحو 360 كلم جنوبي العاصمة بغداد)، وهو يطالع أقرانه المتجهين صباحا إلى مدارسهم، دون أمل بمرافقتهم.
ينخرط الصبي حسن مع ابن خاله الذي يكبره بعام في هذا المحل، من أجل مساعدة خاله، وتأمين لقمة عيش له ولوالدته وأخويه الصغيرين.
ملف تسرب الطلبة من المدارس، لا زال يشكل ظاهرة خطيرة تهدد الواقع المجتمعي في المحافظة الجنوبية، في ظل تزايد أسبابه، من اقتصادية صعبة تعاني منها بعض العائلات، إلى التغير المناخي وما نتج عنه من نزوح، اضطر الأبناء لترك مدارسهم، دون التفكير بالانتقال إلى أخرى، وسط البحث عن فرص للسكن والعمل.
ويقول نقيب معلمي ذي قار حسن السعيدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس، خطيرة وتؤدي إلى جنوح الأحداث وكثرة الجريمة”.
ويضيف السعيدي، أن “أبرز أسباب هذه الظاهرة هي الظروف الاقتصادية، إذ يتجه الطلبة نحو العمل من أجل مساعدة عوائلهم، وللقضاء على هذه الظاهرة يجب أن تعمل المؤسسة التربوية وفق خطط وبرامج مدروسة وتفعيل قانون رقم 3 لسنة 2013 الذي تم تشريعه من قبل مجلس النواب، والذي يمنح طلبة الابتدائية 30 ألف دينار و50 ألف دينار لطلبة الثانوية”.
ويلفت إلى أنه “من الأسباب أيضا هي التغيرات المناخية، التي أثرت على المناطق ذات الرقعة الزراعية والأهوارية، مما دفع بالسكان المحليين نحو النزوح، وبالتالي ترك أبنائهم للمدارس”.
وكانت وزارة التربية أعلنت العام الماضي، عن وضعها خططا للقضاء على ظاهرة التسرب من المدارس ومعالجة الأسباب المؤدية إلى ذلك، فيما بينت أنها عملت جاهدة مع مجلس النواب لإقرار قانون يُمنح بموجبه تلاميذ المرحلة الابتدائية مبالغ مالية شهريا.
وتعج طرقات وتقاطعات العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى، بعشرات المتسولين من الأطفال والصبية والفتيات، وأعدادهم ترتفع بصورة مستمرة، من دون أن يكون هناك أي رد فعل حكومي تجاه تنامي هذه الظاهرة.
إلى ذلك، يبين مسؤول الملف التربوي في مكتب حقوق الانسان بذي قار احمد الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “اعداد الطلبة الذين تسربوا من المقاعد الدراسية للعام 2022-2023 تجاوز الـ14 ألف طالب، أما العام الذي سبقه 2021-2022 فتجاوز الـ4500 طالب”.
ويتابع أن “أسباب التسرب خاضعة لظروف مختلفة، فطلبة المدارس الابتدائية دائما ما يكون المستوى الثقافي والاقتصادي وراء تسربهم، أما طلبة المدارس الثانوية فتكون الظروف الاقتصادية هي العامل الاساسي، وأيضا الاجتماعي من ناحية زواج الفتيات القاصرات”، مضيفا أن “التسرب يزداد في المناطق الريفية والشعبية على عكس المناطق الحضرية”.
وينص قانون التعليم الإلزامي في العراق رقم 118 لسنة 1976، النافذ لغاية الآن، على أن يعاقب بغرامة لا تزيد عن 100 دينار، ولا تقل عن دينار واحد، أو بالحبس لمدة لا تزيد عن شهر واحد، ولا تقل عن أسبوع واحد، أو بكلتيهما، ولي الولد المتكفل فعلا بتربيته، إذا خالف أيا من أحكام هذا القانون المتعلقة بانتظام الطالب في دوامه المدرسي.
وقد نص القانون أيضا على أن تقوم إدارات المدارس الابتدائية بحصر حالات التخلف عن التسجيل، بموجب القوائم المعلنة لديها وما يطرأ عليها من التعديل، بالإضافة أو الحذف، وتتخذ الإجراءات لإبلاغ أولياء الأولاد وحثهم على تسجيلهم وعلى انتظام دوامهم والحيلولة دون تسربهم عن الدراسة، ولإبلاغ الجهات المسؤولة عن مراقبة الدوام، ومديرية التربية المتخصصة.
من جانبه، يكشف مدير تربية ذي قار علي إسماعيل، كشف لـ”العالم الجديد”، عن “خطة مرتقبة لمعالجة ملف التسرب بعد اجتماع مع وزير التربية إبراهيم الجبوري في الأسبوع الماضي، وتم إشراك منظمة اليونسيف فيه، لإعداد خطة لمنع التسرب في محافظات ذي قار وميسان والبصرة”.
ويلفت إلى أن “العمل على هذا الملف، سيتم وفق آليات تحددها وزارة التربية تشمل طرق وأساليب محفزة وجاذبة للطلبة من اجل الاستمرار بالدوام وعدم ترك مقاعدهم الدراسية”.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء، كشف في 2019 أن العام الدراسي 2017-2018، هو أكثر الأعوام تسربا للطلبة من المرحلة الابتدائية، بحسب إحصائية أجراها في جميع المحافظات، واتضح أن أغلب المتسربين من المدارس الابتدائية دون سن 15 عاما، بواقع 131 ألفا و368 طالبا، نسبة الإناث منهم 47 بالمئة، فيما كان عدد المتسربين 126 ألفا و694 طالبا للعام الدراسي 2016-2017.
من جانبه، يبين معاون محافظ ذي قار فيصل الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التغير المناخي أثر بشكل واضح على قطاع التعليم في المناطق الزراعية والأهوارية ذات المسطحات المائية”.
ويؤكد “تم بحث هذا الملف مع منظمة اليونسيف ومناقشة، إذ تعرضت هذه المناطق للجفاف ونزوح سكانها المحليين، لذا ستعمل هذه المنظمة وفق خطط مدروسة للحد من التسرب وتطوير المناهج التربوية”.
يشار إلى أن مناطق الأهوار، شهدت جفافا غير مسبوقا خلال السنوات الأخيرة، دفعت بسكانها الأصليين إلى الهجرة، فضلا عن هجرة المزارعين من محافظات الجنوب باتجاه الوسط والعاصمة بغداد، بحثا عن عمل، بعد جفاف أراضيهم وتوقف الزراعة.
ومن المشاكل التي تواجهها المدارس في العراق، هي الاكتظاظ وعدم وجود مبان كافية وقلة التجهيزات الأساسية مثل مقاعد الجلوس، وقد انتشرت مؤخرا في مواقع التواصل الاجتماعي، فيديوهات كثيرة من داخل بعض المدارس في الوسط والجنوب، تكشف عن عدد الطلاب الكبير في القاعة الدراسية الواحدة وخاصة الأول الابتدائي، مع عدم وجود مقاعد الجلوس وافتراش الطلبة للأرض.