التظاهرات ليست للبيع

قبيل انطلاق التظاهرات يوم الجمعة، وقف أغلب المثقفين موقف المتفرج. لم يدعمها أحد، كانت عزلاء إلا من حناجر شباب يحلمون بغدٍ أفضل. لم تكن التظاهرات مسنودة إلا بأدعية الأمهات والفتيات التي تمنعهن الذكورة من الخروج إلى ساحة التحرير.

هكذا كان المشهد ولم يكن غيره.

من جهة المتظاهرين، كان العزم واضحاً، ولم يكن يثنيهم أي شيء عن الخروج إلى \”التحرير\”، أما من جهة المثقفين، فقد سارع بعضهم إلى إلصاق تهم بالمنظمين، الذين لم يكن يعرفهم أحد، إلا القليل، بأن من موّلهم أحمد الجلبي، لذا وجب عزلهم عن الإعلام.

هل هناك موقف سلبي أكثر من هذا؟

تترك شبابا مخدوعين بتظاهرة من المفترض أنها وطنية وتعرف أنها مدعومة من شخصية سياسية؟

أم تترك تظاهرة، تعرف جيدا أن من قام بالدعوة إليها مجموعة من الشباب الطلاب والعاطلين عن العمل، والحالمين بالأمن والأمان والحياة الكريمة؟

بكلتا الحالتين كان الموقف مخزيا، ولو اكتفى بعضهم بهذا الصمت المخزي قبيل التظاهرات بساعات لكان الأمر أهون، إلا أن بعضهم راح يهرول من أجل الشجب بسبب ما تعرّضت له التظاهرات من طرف القوات الأمنية التي تجاوز عدد أفرادها 16 ألفاً، واخذ يندد بالقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي الذي كان موقفه الأسوأ على الإطلاق حين سمح لجنوده بجرجرة الشباب إلى فرق الجيش ومراكز الشرطة من دون أي تهمة أو مذكرة إلقاء قبض.

نعم، مواقف هؤلاء المثقفين كانت جبانة. سرعان ما أخذ بعضهم ينشر صوره مع المعتقل أحمد السهيل كناية عن علاقته الطيبة و\”الأبوية\” معه، وكأنه يحاول أن يثبت أنه المحرض من خلف الستار.

لكن هل هناك ستار؟

ابصم أن ليس هناك ستار، هؤلاء الشباب يحبون الحياة، ولا يريدون التحوّل إلى رقم في إحصائيات الأمم المتحدة الشهرية عن الموتى، ولا يريدون أيضاً التحوّل إلى \”أطلال للبكاء\” على الفيبسوك بعد أن تنشر صورهم وهم متفحمون، والأجمل من هذا كله، أنهم سعوا، من دون جعجعة المثقفين وخلافاتهم من أجل الابتسام أمام الكاميرات، للتظاهر بصوتٍ واحد، وبمطالب أعتبرها بسيطة جداً، ولا ترتقي إلى حجم المعاناة العراقية، إلا أنها في كل الأحوال مبادرة أرعبت بوابات المنطقة الخضراء، وحرّكت الساكن الذي نعاني منه، وأتت بوجوه جديدة إلى الساحات.

الاحتجاج يبدأ من الطلبة، هذا ما كنت أتمناه يوماً، وقد حصل، وسيستمر، وهذا الأمر سينعكس على مستوى التعليم، فالطالب الذي لا يرضى لبلاده أن تكون في أسفل قوائم الدول السيئة، لا يرضى بأن يكون رقماً في الجامعات.

***

عزيزي المثقف \”المحموق\”، هذه التظاهرة ليست للبيع أبداً، في حال فكرت بالاستفادة من ورائها مادياً، أو السفر من خلالها إلى تركيا أو الأردن أو الدول الأوربية، فإن هذه التظاهرة انطلقت في بغداد، وستستمر في المدن والمحافظات العراقية، ولن تدخل إلى مقرات أحزاب ومصارف، لذا وجب التنويه.

إقرأ أيضا