التقارب الأمريكي الإيراني مرعب ويثير قلق إسرائيل

اختياري لعنوان مقالتي هذه لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء بعد نظرة شمولية لما لهذا الموضوع من أهمية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
تتجه اليوم أنظار العالم الى نيويورك، كون زعمائه وقياداته سيجتمعون خلال الدورة الاعتيادية الـ 66 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ ستعيش واشنطن أسبوعاً حافلاً من الصخب الدبلوماسي والإعلامي بمشاركة إقليمية ودولية بحضور آلاف الرؤساء والزعماء من كل بقاع العالم.
كون أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سليقي خطاباً يتناول فيه كل تحديات وقضايا الشرق الأوسط وعلى الأخص سوريا وإيران، فضلاً عن الانتقال السياسي والديمقراطي في كل مصر وتونس وليبيا واليمن.
كما يتم عقد اللقاءات الجانبية على هامش الاجتماعات بين العديد من قادة وزعماء الدول لمناقشة طبيعة العلاقات بين دولهم ومستويات إرتقاءها وتطورها، وخاصة تلك الدول التي تشهد علاقاتها فتوراً أو توترات أو قطيعة مع الدول الأخرى، كما يحددون أسس ومرتكزات السياسة الخارجية والداخلية لبلدانهم، ويتطرقون فيها للنظام العالمي الذي تنطوي تحته العلاقات الدولية من حيث إيجابياته وسلبياته ومزاياه والطرق التي من شأنها تطوير وتفعيل آلياته بما يخدم الأمن والسلم الدوليين.
بالطبع الكل يترقب وينتظر القلاء الجانبي بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما ورئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسن روحاني، إذا حصل هذا اللقاء سيكون أول لقاء رسمي بين الرئيس الأمريكي والإيراني منذ السبعينيات، خاصة أن الرئيس الإيراني روحاني يعد رئيساً جديداً لإيران والذي يوصف بالانفتاح والاعتدال، وإن لم يحدث هذا اللقاء فإن ذلك يعتبر أولى خطوات التقارب والتفاهم بين هاتين الدولتين، فيما يتعلق بطموحات إيران بإمتلاك السلاح النووي، خاصة بعد تأكيد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية\” علي خامنئي\” بأنه:\” مستعد لقبول بعض المفاوضات بشأن البرنامج النووي\”.
ومن المقرر أيضاً أن يكون هناك اجتماع بين الرئيس الإيراني ونظيره الفرنسي فرانسو هولاند في حين سيلتقي دبلوماسي إيران مع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي.
إن تغير وتيرة التصريحات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران لم يأت بشكل عفوي بل جاء نتيجة قراءة دقيقة لتطورات المنطقة من قبل الطرفين، ربما يكون رغبة من الإيرانيين في إخراج بلدهم من عزلته الدولية وتدهور علاقاتهم مع أمريكا والغرب والتي تزامنت مع تطورات الأزمة السورية.
وبالتالي فإن هذا القارب الحذر بين إيران والولايات المتحدة الامريكية، أثار بالتأكيد شكوك إسرائيل، فكانت الحكومة الإسرائيلية على حذر سريع من متابعة إيران تخصيب المزيد من اليورانيوم.
ويبدو أن إسرائيل أجرت اتصالات مع الولايات المتحدة الامريكية بهذا الشأن، وهو ما دعاها الى طمأنة إسرائيل من أن أي تقارب بين واشنطن وطهران لن يغير في الموقف الأمريكي الحالي.
قالت صحيفة معاريف الإسرائيلية، \” إن مسؤولين أميركيين أوضحوا في محادثات خاصة مع نظرائهم الإسرائيليين إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تغير موقفها من نيات إيران النووية، إذ ما زالت محك شك كبير\” وأضافت: \” إن المسؤولين الأمريكيين أكدوا أن واشنطن ستمتحن نيات إيران بموجب أفعالها وليس بموجب تصريحات روحاني الأخيرة\”.
وكتبت صحيفة نيويورك تايمز كذلك إن \” المسؤولين الأميركيين أوضحوا لنظرائهم الإسرائيليين إنهم ملتزمون بفحص التوجه الإيراني الجديد، لكنهم لن يسارعوا الى إزالة العقوبات الاقتصادية عن إيران\”.
السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا، ما الذي دفع بالولايات المتحدة الامريكية لتحسين علاقاتها بإيران؟
بالتأكيد إن السياسة الإيرانية المعتدلة التي أعلنها الرئيس روحاني هي التي شجعت واشنطن للتقرب من طهران، كما أن الرئيس الإيراني بالنسبة لواشنطن يمثل الأمل الجديد للتوصل الى حل دبلوماسي لكل القضايا المعلقة، إذ تحاول الولايات المتحدة الأمريكية بناء الثقة بين البلدين تمهيداً لرفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، ومن مصلحة أمريكا أن تعيد علاقاتها مع إيران كونها تعتبر من أهم وأكبر الدول الإقليمية في المنطقة، ورقماً صعباً في معظم الملفات الإقليمية لن لم يكن في مجملها.
وأخيراً يمكنني القول إن الولايات المتحدة تقر بمخاوف إسرائيل الشديدة من إيران، مع الأخذ بعين الاعتبار التهديدات الأخيرة التي أطلقتها إيران تجاه إسرائيل، ويبدو من منظور الوضع القائم الحالي لكلا الطرفين أن مواقف إيران المعادية للولايات المتحدة والمبررة نتيجة المواقف الأمريكية السابقة المتأثرة بالمنظور الإسرائيلي، تجعل كل طرف يُقوّم الآخر على أنه خطر أمنى وجودي، وهو ما قد يعوق إمكانات تطوير العلاقات الأمريكية ــ الإيرانية
ولكن ذلك لا يعنى أن الجانب الإيراني قد أغلق الباب تماما، فالإيرانيون بارعون في مساومات البازار السياسي، والمستندة لمصادر القوة الذاتية، ومبادرة أوباما قد تعبر عن اتجاه جديد للتعامل مع إيران، ولكن في السياسة الدولية لا يكفي حسن النوايا بل الافعال هي المحك.
وقد يكون التقارب الايراني الامريكي خطوة تكتيكية من أجل تحقيق مكاسب سياسية مؤقتة للطرفين أو لكسب الوقت ربما تتحول هذه المكتسبات الى تحالف استراتيجي بينهما اذا استطاعوا ازالة العقبات عن طريقهما، لذلك فاذا حصل التقارب الايراني الامريكي فالخاسر الاكبر هم العرب لان معنى تقارب ايران مع امريكا تقارب مع اسرائيل، وبالتالي فإن الوصول مع إيران الى تفاهمات مشتركة ستزيل التخوفات الامريكية من النوايا الإيرانية في المنطقة إزاء اسرائيل.
* باحث وأكاديمي سوري

إقرأ أيضا