في اليوم العالمي للتلفزيون، يقلب مؤرخ صفحات تاريخية حول انطباع البغداديين عند التعرف على التلفزيون لأول مرة في منتصف خمسينيات القرن الماضي، فيما تحدث إعلامي عن أهم التحديات الراهنة التي تواجه الإنتاج التلفزيوني وزحف السوشيال ميديا.
ويصادف يوم غد 21 تشرين الثاني نوفمبر، اليوم العالمي للتلفزيون وهو يوم تحتفل به منظمة الأمم كل عام، نظرا لأهمية التلفاز بوصفه رمزا للتواصل والعولمة في العصر الحديث.
وفي هذه المناسبة، يستعيد الباحث والمؤرخ محمد رحيم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، ذكريات دخول التلفزيون إلى العراق عام 1956، ويقول إن “ذلك العام شهد إقامة معرض في بغداد للمنتجات الصناعية وعرض فيه ما يشبه البنكله، وعرضت فيه شركة PYE البريطانية منتجاتها، حيث شاهد البغداديون للمرة الأولى دائرة تلفزيونية مغلقة أثارت إعجاب واستغراب الناس من مشاهدة بشر داخل صندوق تلفزيوني يتحركون ويمارسون نشاطاتهم”.
ويضيف رحيم، أن “الشركة عند انتهاء المعرض أهدت هذه الدائرة التلفزيونية إلى المملكة العراقية أيام الملك فيصل الثاني، ثم حولوه في ما بعد إلى محطة تلفزيون بغداد”.
ويروي الباحث: “في البداية كان البث ذا نطاق محدود، يصل إلى 60 كيلومترا تقريبا حيث يصل إلى منطقة المحمودية جنوبي العاصمة، لكن وصل البث إلى المحافظات في بداية الستينات، برغم أن الصورة كانت مشوشة والصوت غير واضح إذ تظهر الصور شبحية بالأسود والأبيض، واستمر البث حتى تطورت الصورة شيئا فشيئا”.
ويكمل أن “التلفاز لم يكن متاحا للشراء في ذلك الوقت بسبب ندرته وارتفاع سعره الذي يصل إلى نحو 60 دينارا ما يعادل مرتب شهرين لموظف، في وقت كان الدينار العراقي بفترته الذهبية، فالمحال التي كانت تبيع الأجهزة الكهربائية صارت تبيع التلفزيون الذي يقتنيه المترفون فقط آنذاك”.
ويشير إلى أن “البيوتات التي كانت تملك تلفازا كانت تشارك أبناء محلتها في المشاهدة، إذ يفتح البث في الساعة السادسة مساء، وينتهي عند الساعة العاشرة، ويتضمن المحتوى مسلسلات أمريكية كمسلسل فيوري وشارلوك هولمز، ونشرة أخبار وفيلم السهرة، ثم يختتم بالسلام الملكي، قبل أن يتطور شيئاً فشيئاً إلى أن أصبح البث ملوناً في منتصف السبعينات”.
ويؤكد أن “التلفزيون دخل العراق قبل دول المنطقة، إذ شهدت مصر دخوله عام 1958، وكانت قناة بغداد هي التي الأولى، قبل أن تصبح في ما بعد تلفزيون الجمهورية العراقية، وفي الثمانينات ظهرت قناة أخرى هي قناة الشباب، التي كان يملكها نجل رئيس النظام السابق”.
ويواصل أن “التسعينات شهدت دخول البث الفضائي لكن بشكل سري، إذ يتعرض من كان يملك صحنا لالتقاط الأقمار الصناعية للبث للمساءلة والملاحقة من قبل النظام السابق، وحتى البث الأرضي تطور وأصبح بث القنوات الإيرانية يصل إلى العراق”.
ويواجه التلفزيون بوصفه بثا فضائيا وأرضيا على شاشة ثابتة بالشكل الكلاسيكي الذي اعتادت العائلة أن تجلس أمامه، تحديات كبيرة بعد شيوع الهواتف والأجهزة المحمولة ثم دخول السوشيال ميديا على الخط، فالكثيرون لجأوا إلى المشاهدة والتصفح عبر شاشة الهاتف، بعيدا عن التلفزيون الذي كان يسمى سابقا “الشاشة الصغيرة”.
وتشير سارة صلاح (35 عاما) إلى أن الهاتف هو مصدرها الوحيد لتلقي الأخبار والمعلومات اليومية، وهو أداة تواصلها مع الأهل والأقارب، كما تقول لـ”العالم الجديد”.
وعن متابعتها للدراما والبرامج التلفزيونية، تذكر: “استخدم الهاتف أيضاً، لأن هذه المتابعات قد تكون أثناء انشغالي اليومي ولا أخصص لها وقتا كاملا، إذ يمكن حمل الهاتف معي وأنا في المطبخ وأكمل متابعاتي اليومية واهتماماتي”.
لكنها لم تخف أن “التلفزيون يضفي أجواء حميمية أكثر داخل العائلة حينما تتجمع لمشاهدة محتوى واحد، على عكس الهاتف”، فهي ترى أن “التلفزيون يجمع العائلة والهاتف يشتتها”.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن التلفزيون لم يزل أكبر مورد للمواد المصورة، وعلى الرغم من أن استخدام شاشات بأحجام مختلفة مكنت الناس من إنشاء محتوى ونشره ومطالعته على منصات مختلفة، إلا عدد المنازل التي تقتني أجهزة تلفزيون لم يفتئ يزيد يوما بعد يوم، ويتيح التفاعل بين وسائط البث الناشئة والتقليدية فرصا لإذكاء الوعي بالقضايا المهمة التي تواجه مجتمعاتنا وكوكبنا.
من جهته، يعتقد الإعلامي حسام الحاج، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “السوشيال ميديا لم تزحف على التلفزيون كإنتاج للبرامج والدراما، باعتبار أن كل المواد التلفزيونية تشاهد على السوشيال ميديا، ما يعني أن وسائل العرض تعددت، بينما البوكس الذي يسمي تلفزيونا، أصبح يمثله الأيباد والهاتف والحاسوب، فمن حيث الإنتاج التلفزيون لم يتأثر بانتعاش السوشيال ميديا، لأنها لم تكن بديلا عنه، كما لم تكن النشرات الإخبارية بديلة عن الصحف في حينها عندما انتقلنا من الصحافة الورقية إلى التلفزيون في القرن الماضي”.
وعلى صعيد نوعية الإنتاج التلفزيوني، يؤكد الحاج أن “هناك فوارق كثيرة بين الإعلام الكلاسيكي وما يسمى بالنيوميديا، إذ أن العالم يشهد ثورة في النيوميديا ويذهب باتجاه البودكاست فيديو وغيره من التقنيات، على الرغم من أن التلفزيونات العربية مازالت متشبثة بالقوالب الثابتة”.
وبالحديث عن العراق، يضيف: “نحن متأخرون جدا على أن نلحق بركب العالم في ما يتعلق بتقديم مواد تلفزيونية تتساوى وترتقي إلى مستوى التحديات في دولة ديمقراطية، يجب أن يؤدي الإعلام دورا ساندا فيها، لذلك اعتقد أن دور الإعلام في العراق مازال قاصرا على عكس العالم الذي ينمو فيه الإعلام ويتطور”.
وبدأ الاحتفال في اليوم العالمي للتلفزيون حين عقدت الأمم المتحدة في يومي 21 و22 تشرين الثاني نوفمبر 1996، أول منتدى عالمي للتلفزيون، حيث التقى كبار شخصيات وسائل الإعلام تحت رعاية الأمم المتحدة لمناقشة الأهمية المتزايدة للتلفزيون في عالم اليوم المتغير وللنظر في كيفية تعزيز تعاونهم المتبادل، ولذلك قررت الجمعية العامة اعتبار يوم 21 تشرين الثاني نوفمبر يوما عالميا للتلفزيون، احتفالا بذكرى اليوم الذي انعقد فيه أول منتدى عالمي للتلفزيون.