يوما بعد آخر، تصعد تركيا من حدة عملياتها العسكرية وتوغلها داخل العراق، حتى بات مشهد خلو قرى بالكامل من سكانها في شمال العراق أمر طبيعي في ظل صمت حكومتي بغداد وأربيل، ورغم الوفود المستمرة بين البلدين.
إلا أنه وفي تطور جديد، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية حسين العامري، اليوم الثلاثاء، وجود توسع تركي “غير مسبوق” في الأراضي العراقية، خاصة في محافظتي دهوك وأربيل بأربعين قاعدة عسكرية، داعياً مجلس النواب العراقي لعقد جلسة استثنائية لبحث التهديدات والتحركات التركية.
وتواصل القوات التركية، منذ منتصف يونيو حزيران 2021، سلسلة من العمليات العسكرية الجوية والبرية في الشمال العراقي، ضمن نطاق نينوى وإقليم كردستان، تتركز في سنجار، وقنديل، وسيدكان، وسوران، والزاب، وزاخو، وتضمنت العمليات الأخيرة قصفاً جوياً واغتيالات طالت قيادات بارزة في حزب العمال الكردستاني.
وقال العامري، خلال مؤتمر صحفي عقد مبنى البرلمان وتابعته “العالم الجديد”، إنه “خلال المدة الماضية حصلت تطورات وأحداث أمنية كبيرة وخطيرة في الوقت نفسه وإنعكاساتها على العراق خاصة، والمنطقة عموماً لاسيما ما حصل في سوريا”.
وأضاف ، أن “ما يثير القلق ما يحصل من توسع تركي غير مسبوق في الأراضي العراقية من خلال التوغل المستمر وإنشاء القواعد ودخول الآليات والقصف الجوي والمدفعي لمناطق شمال العراق الأمر الذي تسبب بسقوط شهداء وجرحى واحتلال أراض واسعة”.
ولفت إلى أن التوسع التركي، وصل الى “إمتلاك نحو 40 قاعدة عسكرية غير قانونية داخل الأراضي العراقية وعشرات المواقع دون الحصول على أي موافقة من الحكومة المركزية، بالإضافة إلى تمركزها في محافظتي دهوك وأربيل، مع وجود أقضية ونواحي كاملة تحت سيطرتها بذريعة محاربة حزب العمال الكوردستاني، الأمر الذي يشكل تهديداً خطيراً لأمن البلد وسيادته واستقراره وإنتهاكاً صريحاً لجميع المواثيق والأعراف الدولية ومبادئ حسن الجوار”.
وبين أن “ما يحصل يشير إلى مشروع أنقرة في نينوى وكركوك، والذي تسعى من خلاله إلى توسيع نفوذها في المناطق الشمالية، مستغلة الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة في المنطقة، والذي يحمل أبعاداً سياسية واقتصادية وحتى عسكرية ينظر إليه على أنه يشكل تهديداً مباشراً لوحدة العراق وسيادته الوطنية وعليه نطالب بتحرك دبلوماسي نيابي حكومي عال المستوى لمواجهة هذه التحديات والحفاظ على سيادة العراق ووحدة أراضيه”.
ودعا العامري، مجلس النواب، إلى “عقد جلسة إستثنائية لمجلس لمناقشة تلك التهديدات والتحركات وتبعاتها وتأثيراتها الخطيرة خصوصاً مع أنباء وصول قوة عسكرية تركية جديدة لتعزيز قاعدة بعشيقة شمال نينوى في إطار تحركات غير معلنة لزيادة الوجود العسكري التركي في المنطقة”.
ولطالما كان التوغل التركي في شمال العراق، وتحت ذريعة حزب العمال الكردستاني، من أبرز القضايا التي تثير الرأي العام في البلاد، إلا أن توترات المنطقة وتحديدا مايحدث في سوريا قد فتح بابا من الانتقادات لأنقرة بالبحث عن موطئ قدم جديد لها بعد سوريا لتعزيز موقعها في المنطقة.
وكانت الطائرات التركية، شنت في 28 كانون الثاني يناير الماضي، سلسلة هجمات طالت مناطق وقرى في محافظة دهوك، وأخرى في قضاء رانيا بمافظة السليمانية، حيث استهدفت عجلة تقل 4 مدنيين، ما أدى لمقتلهم في الحال وإصابة آخر، كما استهدفت ناحية عقرة بمحافظة دهوك، وأدت أيضا لسقوط ضحايا الأمر الذي اثار ردود متباينة بين الحزبين الحاكمين في كردستان، حيث ألقى الحزب الديمقراطي الكردستاني باللائمة على تواجد حزب العمال في العراق، فيما اتهم الاتحاد الوطني الكردستاني أنقرة بـ”الكذب”.
وأجرى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في 26 كانون الثاني يناير الماضي، زيارة سريعة إلى العاصمة بغداد، هي الثانية له إلى البلاد منذ توليه منصبه في حزيران يونيو 2023، حيث تركزت على الأحداث في سوريا.
وشكلت الأوضاع والتطورات التي تشهدها سوريا واستمرار مكافحة تنظيم داعش، أبرز الملفات التي بحثها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال لقائه في بغداد، في 26 كانون الثاني يناير الماضي، مع كل من وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وقائد قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق وسوريا الجنرال كيفن ليهي.
وتسبب وجود عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي تصنّفه أنقرة “منظمة إرهابية”، في الأراضي العراقية بالعديد من الأزمات السياسية بين البلدين، وتكمن صعوبة إجراء تفاهمات كاملة بين حكومة العراق والحكومة التركية بشأن إنهاء وجود مسلحي الحزب في العراق في عدة عوامل ميدانية عسكرية، أبرزها وجود الحزب في مناطق يصعب وصول القوات العراقية إليها، ضمن المثلث العراقي الإيراني التركي الواقع تحت إدارة إقليم كردستان، إلى جانب الدعم الذي يتلقاه مسلحو الحزب من فصائل مسلحة توصف عادة بأنها حليفة لإيران، خصوصاً في مناطق سنجار، غرب نينوى.
وكانت وزارة الدفاع التركية، أكدت مؤخرا، ن قواتها تواصل مهامها في المناطق التي تم تطهيرها من عناصر حزب العمال الكردستاني، وذلك بالتزامن مع لقاء وزير الدفاع التركي، يشار غولر، مع قائد القوات الخاصة للبيشمركة في إقليم كردستان العراق، منصور بارزاني، بمقر وزارة الدفاع في أنقرة.
وتقصف القوات التركية بشكل شبه يومي تركيا عبر طائراتها ومدرعاتها، القرى الكردية في دهوك وأربيل، ويسفر هذا القصف عن سقوط ضحايا بين قتلى وجرحى، كما وتحتل تركيا مساحات شاسعة من أراضي محافظة دهوك.
وكان مسؤول مركز ميترو للدفاع عن حقوق الصحفيين رحمن غريب، أشار إلى أن القوات التركية دخلت لأراضي إقليم كردستان بنحو 50 كيلومترا، متهما تلك القوات باستهداف صحفيين ومواطنين أبرياء بطائرات المسيرة.
وأكد الكاتب والباحث في الشأن السياسي الكردي لقمان حسين، في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “ما قامت به تركيا، ينسف جهود الوساطة الدولية، لإجراء عمليات السلام مع حزب العمال والكرد بشكل عام”، مبينا أنه “لا حل لتركيا إلا من خلال ضغط دولي يمارسه المجتمع الدولي وتحديدا أمريكا، لإجبارها على وقف عملياتها، والانتهاكات التي تقوم بها ضد المدنيين في إقليم كردستان العراق، وأيضا في مناطق شمال شرق سوريا، لآن أنقرة لا تعترف إلا بمنطق القوة”.
يشار إلى أن العمليات التركية مستمرة منذ مطلع العام الماضي، مسببة خسائر مادية وبشرية كبيرة، فيما يقول الجانب التركي، إن عملياته في مناطق إقليم كردستان العراق تهدف لإنشاء منطقة عازلة خالية من حزب العمال الكردستاني وعلى عمق 40 كيلومترا، مشيرا إلى أن ما يجري من عمليات عسكرية جاء بالتنسيق وبغرفة عمليات مشتركة مع القوات الأمنية العراقية، وهو جزء من جملة مذكرات تفاهم واتفاقيات وقعت بين السوداني وأردوغان خلال زيارته الى العراق.
وتسعى تركيا إلى زيادة قواعدها العسكرية في إقليم كردستان والعراق، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 28 كانون الأول ديسمبر 2023، أن بلاده ستعزز قواعدها الثابتة التي أقامتها حديثاً في إقليم كردستان خلال الأشهر الماضية، مضيفا: “أنشأنا طُرُقاً تمتد مئات الكيلومترات في شمال العراق لقواعدنا الثابتة، ننجز نفس الأعمال في أماكن جديدة نسيطر عليها”.