يعدّ مصطلح الثقافة مفهوماً مركزياً في حقل الأنثروبولوجيا، ويشمل نطاق الظواهر التي تنتقل من خلال التعلم الاجتماعي في المجتمعات، لكن البعض لا يفرق بين التعليم والثقافة والتحضر، ويخلط بين هذا وذاك، معتقدا أن الفرد الذي تعلم وحصل على شهادة جامعية أو شهادة عليا في أي من مجالات العلم بأنه إنسان مثقف.
وعن أهم المعايير التي يعتمدها البعض لمعرفة ثقافة الفرد، استطلعت “العالم الجديد” آراء عدد من المتعلمين في هذا الشأن، إذ يقول رزاق قاسم (26 عاما)، وهو حاصل على بكلوريوس تربية فنية من كلية الفنون الجميلة، إن “مفهوم الثقافة لا يمكن إطلاقه على الأفراد بسهولة، لأن معرفة مستوى ثقافة الفرد تكمن في عدة مجالات، طرق الحوار، طرق التعامل، الايجابيات قياساً بالسلبيات، وكل ما يتعلق بالفرد وما يصدر عنه من مواقف، وهي قد تكون متغيرة تبعاً للظروف، ومن ناحية الزيادة فالفرد السوي ذو السلوك المثالي كان ومازال في صدد التعلم وزيادة المعرفة والاستطلاع العقلي والقيمي، وهذا ايضاً يتطلب ظروفا، ولا علاقة للدراسة في قياس مدى ثقافة الفرد، فكم من متعلم لا يحسن التصرف ومجابهة المواقف”.
فيما ترى نوارة أياد (23 عاما) وهي طالبة ماجستير علاقات عامة، أن “هناك الكثير من المعايير التي يمكن للمقابل أن يكتشف بها ثقافة الفرد، لكن أسماها وأكثرها وضوحاً هو التعامل في الكثير من الأحيان، تصادفنا مواقف مع أناس بسطاء لم يكملوا تعليمهم لكنهم يتعاملون برقي وثقافة وإنسانية مع الآخر، وهذا يوصلنا لنتيجة بأن الشهادات الدراسية ستزيدك علماً لكنها لن ترفع من ثقافتك شيئا”.
وتتابع إن “الحروب المتتالية والظروف الصعبة التي يمر بها العراق، جعلت كل المقاييس نسبية غير قابلة للإعمام والشيء الذي كان منطقياً ومقياسا سابقاً، لم يعد يعني شيئاً، لذا فالكثير من حملة الشهادات ورواد شارع المتنبي والقراء والمثقفين كما يلقبونهم عند الاختلاط بهم نجدهم بعيدين جداً عن كلمة الثقافة، فضلا عن أن التعامل بإنسانية واحترام الآخر والعمل على تقبل الاختلاف والتعاون…الخ، ستعجل منك انساناً مؤهلاً لأن تكون مثقفاً”.
ويشير مروان حبيب (29 عاما) بكلوريوس علاقات عامة أيضا، الى أن “الثقافة تختلف من مجتمع الى آخر، إذ أنها ترتبط بكمية المعرفة بالمجتمعات ذات التقديس للتقليد الى جانب ضعف مستوى المعرفة العلمية، كالمعرفة الاقتصادية والسياسية و العلمية”.
ويتابع “أما في المجتمعات التي تمتاز بانتشار المعارف بشكل أكبر، فان المعيار لمعرفة الثقافة يكون بقدرة الفرد محل الحديث على تكوين منطقية للآراء، تحليل الانباء السياسية والاقتصادية، التوسع الشديد في الاطلاع، وكذلك القدرة العالية على النقاش بجدارة دون الوقوع في خطأ الجدل”.
ويوضح ان “الدراسة كونها احد مصادر المعرفة، فهي تمنح الخاضع لها مستوى ثقافيا، ويخضع ذلك ايضا لمستوى التعليم، في الانظمة التعليمية الموجهة المغلقة مثلاً، تنحصر الثقافة الناتجة في معارف بسيطة، وتقديم معلومات، دون المساعدة على بناء الآراء وتعزيز القدرة على التحليل ولا تشجع ايضا على الخروج عن المألوف في استقبال المعارف وإعادة نشرها، وبالتالي، فان الدراسة لها دور ثقافي، لكن يخضع ذلك بزيادة او نقصان، لطبيعة النظام التعليمي ذاته”.
من جهته، يذكر حيدر جبار (22 عاماً) وهو ناشط مدني، أن “من أهم المعايير التي تصنف ثقافة الفرد هي اسلوبهُ وطريقة حواره، ولهذا فاننا نرى الكثير ممن يعيشون في بيئات صعبة كالريف مثلا، على قدر ضعف المؤهلات التعليمية لديهم إلا أنهم يمتلكون ميزة خاصة في أسلوبهم وطريقة التي يتعاملون بها مع الآخر، وهذا بحد ذاته هو جواب صريح عن أن الدراسة قد لا تكون بالضرورة مقياسا لثقافة الفرد، فكم من دارس لا ترتقي به دراسته ولا تضيف له شيء”.
من جانب آخر يرى الباحث الاجتماعي مهدي جبار، أن “الثقافة من وجهه النظر الأنثروبولوجية هي القواعد التي تحكم السلوك الإنساني، فالثقافة في أصلها مكتسبة من البيئة وتجارب الاقدمين، ولكن ظهر رأي جديد لدى العلماء الأمريكان مثل العالم أجنر فوج في كتابة الانتخاب الثقافي، وهو رأي مطور للعالم جارلس داروين في كتابة أصل الأنواع باب الانتخاب الثقافي، يرى أن الثقافة جانب كبير منها موروث وما البيئة إلا محفز لجانب من الثقافة، مما يجعل الفرد المولود في بيئة عنيفة تحفز لدية الجانب العنيف من الثقافة التي ورثها والعكس صحيح”.