الثمار السورية لذيذة

أنا لا افهم إلى أي مدى ممكن أن تصل الخسة العربية في التعامل مع الملف السوري؟ هل هي نابعة من عقدة نقص تكويني في شخصية الفرد العربي في التعامل مع اخية العربي؟ أم هي رواسب الجاهلية المتجذرة في نزعة الغزو والسلب والنهب والاختطاف والقتل تجاه اخية العربي والانبطاح والخضوع والتذلل للأجنبي؟

رغم أننا نتفق على دكتاتورية النظام السوري وقسوته في قمع معارضيه إلا أن حالة الهجوم والانقضاض عليه كنظام ودولة من قبل محيطه العربي والإقليمي كانت أكثر قسوة وأكثر خسة مما فعله هو مع معارضيه، وكانت مواقف هذه الدول في ابتلاع الشأن السوري بكل جوانبه، تنم عن حالة من الدونية السياسية والأخلاقية وحالة من النهم والجشع في ابتلاع سوريا إلى حدود ومديات من السقوط لا يمكن تصورها. 

فمثلاً مواقف الدول (لبنان مصر الأردن) الرسمي الخجول والخائف، الخجول من النظام بدعمه ظاهريا والخائف أن يقول انه يقف بوجهه بالخفاء، أو انه يدعم ويسهل لجماعات سلفية وقطاع طرق وسماسرة موت بشكل منظم، لأنه يخرج عن بيت الطاعة العربية ويصبح دولة ناشز، دفع هذه الدول إلى تصرفات ثعلبية لها ظاهر مختلف عن باطنها، كتسهيل مرور المسلحين من شمال لبنان أو تدريب وعلاج المسلحين في الأردن أو حملات مرسي الإعلامية في مصر.

أما تحالف الخوف (تركيا قطر سعوديه إسرائيل الجامعة العربية) فهو ينبع من راعي واحد هو العم سام وإدارته لهذا التحالف من خلف الكواليس، وفرضه لإرادته ولو بإعطاء دور سياسي ورقي لبعض الدول مثل قطر ولو بشكل مؤقت، والعجيب في الأمر أن هذه الدول كالسعودية وقطر تطالب بشار بمطالب تحلم هي بها ولن تتحقق على أرضها ولو خلال العقد القادم من السنين كالانتخابات وحقوق الإنسان وغيرها التي يحلم بها المواطن القطري والسعودي.

أما الموقف (الإيراني والروسي) فهو واضح من البداية دعم النظام بكل قوة إلى النهاية ومن جميع النواحي ولأسباب عديدة أهمها ملف المقاومات التي تدعمها الدولتان السورية والإيرانية، وكذلك الحفاظ على جغرافية تحرك هذه المقاومات وخاصة اللبنانية المتمثل بحزب الله والفلسطينية بمختلف فصائلها، وكذلك القبول ببشار على علته أفضل من ملثم يحمل سكينا تقطر دما ولا ترغب بالتوقف أبداً.

أما الموقف العراقي فهو الموقف الواضح والمميز من الأزمة، الابتعاد عن القتلة من الطرفين وقطع الإمدادات لهم سواء من المعارضة أو النظام، ودعم العقلاء من الطرفين المعارضة والنظام ودعم الجلوس على طاولة محلية سورية بعيدة عن التأثيرات الخارجية الغربية والشرقية والعربية الخبيثة.

اليوم وبعد أن لاح في الأفق حل سياسي للازمة السورية تركض الدول العربية التي ساندت الإرهاب إلى النفس الأخير، تركض أن تقطف ثمار جديدة من سوريا سواء من النظام أو المعارضة، من خلال تعديل وجهها القبيح في التغزل بمد علاقة مع النظام السوري وبالذات الرئيس بشار الذي ضل صامدا بموقفه رغم صعوبة وقوة الضربات التي وجهت له، الأردن مثلاً أبدى تساهلاً كبيراً تجاه اللاجئين الذين يرغبون بالعودة إلى بلدهم وقال بتصريحات إعلامية انه كان مع سوريا الدولة وكان يدعمها من خلف الكواليس رغم انه كان الممر الكبير للأسلحة والمقاتلين، لبنان كذلك يصرح حول تسريب المسلحين بأنة غير مسيطر عليه وانه يفوق قدرة الدولة، ومصر بما أن موقفها واضح من الأخوان فقد التقت هذه المرة مع سوريا الدولة والنظام وخاصة بعد عزل مرسي الاخواني، وقطر بعثت برسالة إلى بشار عبر قنوات دبلوماسية (خلفية) عبر شخصية لبنانية مهمة، وحماس عادت أيضاً بتوسط للعودة إلى الحضن السوري عبر رسائل من خلال وسطاء أو تصريحات هنا وهناك على لسان خالد مشعل، الجامعة العربية تنتظر قرارات مؤتمر جنيف 2 للبدء بتسهيل عودة سوريا كعضو بالجامعة، تركيا بدأت قبل الجميع بإرسال وزير خارجيتها لكي يطرق أبواب تجديد العلاقة وبدأ بالعراق، العراق بقي ممسكاً بالمبادرة التي طرحا بوقت مبكر من الأزمة ورغم أنها الحل الأفضل حسب كثير من المحللين إلا انه يقع بمشكلة الخلافات الداخلية التي تقتل أي دور خارجي ومحوري للعراق إضافة إلى ضعف أعلامه الحكومي إن وجد والمحلي في تسويق سياسته الخارجية وتوضيحها للآخر.

يبقى الموقف السعودي المتعنت من القضية وهو ينتج عن طبيعة الدبلوماسية السعودية المتبعة تجاه من يقف مع سوريا كإيران وحزب الله، وعدم إدراك الحجم الحقيقي للدور السعودي سوى كونه حصالة نقود لا أكثر ولا اقل، تكلف من أمريكا بالدفع لقضايا لا تجني ثمارها اقتصاديا وسياسيا سوى أنها ترى بأنها دولة كونية جاءت لتنقذ العالم الإسلامي من مشاكله، رغم أنها لا تنشر سوى الدمار والخراب ابتداء من باكستان إلى أفغانستان والعراق ولبنان وليبيا وتونس واليمن والبحرين، ويبقى تبدل الموقف السعودي مرتهن بإشارة قوية وحازمة من الإدارة الأميركية، أو تغيير من يمسك بهذا الملف كما غُير أمير قطر ووزير خارجيته بليلة وضحاها وانزوى عن الأنظار الأمر الذي أدى إلى تغيير الموقف القطري بسرعة.

اليوم السباق لحضور مؤتمر جنيف 2 من قبل المعارضين له سابقا أقوى بكثير ممن كان داعما له، أملاً منهم لقطف ثمار سورية جديدة ولذيذة، وقادم الأيام سيكشف مواقف جديدة وغريبة عندما يقترب موعد انعقاد مؤتمر جنيف 2.

* كاتب عراقي

إقرأ أيضا