من الحيوانات التي يرتبط وجودها ارتباطا وثيقا بالأهوار هو الجاموس، وبناء على الدراسات الاثارية، فإن الجاموس حيوان لازم بيئة الاهوار منذ الاف السنين، كان حيوانا متوحشا، وقد دجّنه السومريون قبل اكثر من خمسة الاف عام، كما دجّنوا الثور الوحشي، وحتى الان فإن ذلك الحيوان هو الرفيق الذي يصعب فراقه للكثيرين ممن يسكنون الاهوار.
في اللقى الآثارية كلكامش يروض الجاموس والثور الوحشي
انه يعطي كميات وفيرة جدا من الحليب ولذلك فهو يحتاج الى كميات غير قليلة من الغذاء. قطعان الجاموس تذهب صباحا لوحدها او برفقة اصحابها الى المرعى حيث الحشائش والبردي، وتقضي معظم النهار غاطسة في الانهار.
من ذلك الحيوان تعد افضل انواع القشطة المصنوعة من الحليب والتي تسمى محليا بـ\”القيمر\”، ومن حليبه الدسم جدا ايضا تعد انواع مختلفة من الاجبان من اشهرها جبن الضفائر. ولأن حيوان الجاموس منتج بغزارة فإنه مرغوب جدا في تلك البيئة، واثمانه مرتفعة، بل ربما يعتبر الحيوان الاغلى ثمنا في بيئة الاهوار.
منظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة وفي تقرير سابق لها اكدت ان أعداد الجاموس في العراق كانت تبلغ مئات الالوف في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. لكن الرقم انخفض الى عشرات الالاف فقط، في مطلع الالفية الثالثة بسبب عمليات التجفيف وتهجير سكان الاهوار.
منذ العام 2003 وحتى الان فان اعداد الجاموس في تزايد ملحوظ بعد عودة المياه ولو بشكل جزئي الى \”الاهوار الوسطى\” وكذلك اتساع الرقعة المغمورة بالمياه في \”هور الحويزة- الاهوار الشرقية\” وكذلك \”هور الحمار\”. مربو الجاموس الذين انتشروا بسبب التهجير في اطراف بغداد بحثا عن مواطن جديدة لرعي هذا الحيوان، عادوا مرة اخرى الى مراعيهم الاصلية في عمق الاهوار وهي البيئة المثالية لتربية الجاموس.
الملاحظ ان الجاموس حظي مؤخرا بشيء من الاهتمام من قبل الجهات المعنية، اهتمام وان لم يكن بالمستوى المطلوب، لكنه افضل بكثير مما كان يحظى به الجاموس في السنوات السابقة، وهذا ما ساعد في دعم مربي الجاموس وازدياد اعداد ذلك الحيوان. ففي اطار مشروع \”مشروع انقاذ الجاموس\” تم توزيع السلف المالية على مربي الجاموس، اضافة الى بيعهم الاعلاف باسعار جيدة، والقيام بجولات طبية حول العديد من مراعي الجاموس، تلك العوامل وغيرها ساهمت في استعادة تربية الجاموس لعافيتها من جديد. مطلع العام الحالي عقد في وزارة الزراعة مؤتمر لإنقاذ الجاموس، المؤتمر خرج بسلسلة من التوصيات منها \”منع ذبح اناث الحيوان في المجازر الأهلية، وتأهيل المجازر الحكومية في المحافظات، اضافة الى التنسيق مع وزارة الصناعة لتأهيل مراكز جمع الحليب ضمن المناطق المشمولة، بما يدعم جهود تنمية حيوان الجاموس في البلاد\”. ايضا الشركة العامة لخدمات الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة باشرت منذ سنوات بإطلاق مشروع \”طلائق الجاموس\” في بعض المدن، وهو مشروع متخصص بالتجارب والبحوث العلمية على قطعان الجاموس بهدف تحسين النسل.
لكن ذلك الاهتمام الملحوظ بأحوال الجاموس لا يلغي جميع المشكلات، فمربو الجاموس لا زالوا يعانون كثيرا في تسويق منتوج الحليب. وهو منتوج غزير جدا، انهم يتكفلون بنقل ذلك المنتوج على نفقتهم الخاصة من عمق الاهوار الى المدينة، واحيانا تجبرهم مناسيب المياه المتفاوتة على اتخاذ طرق مختلفة وبعيدة جدا مما يكلفهم الكثير من المال والجهد.
في منطقة \”حماره\” الواقعة في عمق الاهوار الوسطى حيث المياه الوفيرة والتي تستقطب الكثير من مربي الجاموس، هناك يمكن ان تشاهد عشرات الالاف من قطعان الجاموس وهي تتجول بين مراعي القصب والبردي بحثا عن الغذاء.
يؤكد اصحاب تلك القطعان ان اوضاع الجاموس افضل بكثير من السابق، رغم ما يعانونه من صعوبات. ذات الحال ايضا في اطراف هور الحمّار، وفي هور الحويزة قرب بحيرة ام نعاج هناك ايضا الكثير من مربي الجاموس يؤكدون ذات المشكلات، الحلم الجميل المشترك بينهم جميعا هو وجود مراكز لتجميع الحليب بالقرب منهم قادرة على استيعاب الكميات الغزيرة جدا المتوفرة لديهم، لتكون هناك جدوى اقتصادية لما يبذلونه من جهود كبيرة في تربية الجاموس.