منذ سنوات عدة وأزمة الجفاف تقسو على العراق، محولة إياه إلى أراض مقفرة، حيث لم يقف شح المياه والتغير المناخي عند انحسار الاراضي الزراعية، بل بات يهدد التنوع الإحيائي في البلاد وتحديدا غزلان الريم العربي ذات الرأس والقرون الرفيعة والوبر الصغير، مما يهدده بالإنقراض.
ومع استعداد العاصمة بغداد لاحتضان مؤتمرين عالميين حول المياه، لأول مرة وبشكل موحد، خلال شهر نيسان المقبل، حذّر مجلس ديالى، اليوم الخميس، من خطر فقدان أقدم محميات العراق لغزلان الريم العربي في المحافظة، بسبب تدهور أوضاعها وانخفاض أعداد الغزلان فيها بشكل مقلق.
ويعد العراق واحداً من أكثر الدول تأثراً بالتغير المناخي في المنطقة، حيث يشير تقرير الأمم المتحدة بأن العراق شهد خلال الأعوام الماضية من أكثر المواسم جفافاً منذ 40 عاماً، مع انخفاض في كميات الأمطار.
وقال رئيس مجلس ديالى، عمر الكروي، في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “محمية غزلان الريم العربي، الواقعة في محيط مدينة مندلي أقصى شرق ديالى، تعد من أقدم وأشهر المحميات الحكومية التي أنشئت لحماية هذا النوع النادر من الغزلان المهدد بالانقراض”.
وأضاف، أن “المحمية، التي تمتد على آلاف الدونمات، كانت تضم نحو 450 غزالًا، لكن أعدادها انخفضت بشكل حاد إلى أقل من 30 غزالًا، نتيجة عدة عوامل أثرت على بيئتها، مما يثير القلق بشأن مصيرها”.
وأكد، أن “المحمية كانت تدار سابقًا من قبل مديرية الزراعة، لكن إدارتها نُقلت إلى دائرة الغابات والتصحر، إحدى تشكيلات وزارة الزراعة، قبل ثلاث سنوات، في ظل الإدارة السابقة”، مشددًا على “ضرورة وضع خطة طارئة لإنقاذها قبل أن تصبح خالية تمامًا من الغزلان”.
وأشار إلى، أن “المحمية تحتاج إلى دعم عاجل من وزارة الزراعة، من خلال تخصيص أموال لشراء الأعلاف، وتأمين إيصال التيار الكهربائي لتشغيل بئر المياه المغذي الرئيسي، للحفاظ على ما تبقى من هذه الغزلان التي تمثل آخر أفراد هذه الفصيلة النادرة”.
واعتبر الكروي، أن “هذه اللحظة فارقة، وتتطلب تكثيف جهود وزارة الزراعة لحل المشكلات التي تهدد هذه المحمية، التي تعد من الأقدم والأشهر على مستوى العراق، والتي نجحت لعقود في الحفاظ على غزلان الريم العربي، التي تتخذ من مناطق الشريط الحدودي موطنًا لها منذ آلاف السنين”.
وكانت وزارة الموارد المائية، قد أكدت في 6 فبراير شباط الجاري، أن 2025 هو عام جفاف بامتياز.
ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي بوضع حلول نهائية لأزمة متكررة باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع تركيا وإيران، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.
ويبدو أن الحكومات العراقية على مدى قرن مضى فشلت في توقيع اتفاق ملزم مع الجارتين يضمن حقوق بلاد ما بين النهرين بشكل دائم.
ومن المقرر أن يشهد العراق انعقاد المؤتمر السنوي الخامس للمياه بالتزامن مع المؤتمر العالمي الـ11 للري الدقيق، التابع لمنظمة الري والبزل العالمية، وذلك خلال الفترة من 27 إلى 29 نيسان المقبل، وبدعم من المنظمات الدولية.
وتثير إحتمالية مرور شتاء جاف على العراق قلق ومخاوف الكثير من المراقبين، ويعد الشتاء الجاف حالة مناخية معروفة ولطالما عانى منها العراق في سنوات سابقة لكنها هذه المرة تأتي وسط ظروف مائية صعبة تهدد الموسم الزراعي.
وكان زعيم تحالف مستقبل العراق باقر جبر الزبيدي، قد حذر في 18 كانون الأول ديسمبر 2024، من مؤشرات موسم الشتاء الحالي وانعكاساتها على السنوات الخمس القادمة، مبينا أن هذه الأزمة ستفرض على المزارعين في العراق اللجوء إلى الري بالتنقيط وتبطين الأنهر للمحافظة على نسبة المياه المهدورة أثناء السقي أو الري، فيما دعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن زيادة الحصص المائية للعراق من قبل دول المنابع والاستعانة بكل الطرق الدبلوماسية وأوراق الضغط الاقتصادية من أجل زيادة حصتنا من المياه.
وكشف مؤشر جفاف التربة SPI لمنطقة الشرق الأوسط لشهر كانون الأول ديسمبر 2024، وجود جفاف حاد ومتطرف لعموم مناطق العراق (ما بين 1.6-1.8) عن الحد الطبيعي، حسبما أفادت به هيئة الأنواء الجوية العراقية.
يذكر أن إيران قطعت المياه المتدفقة إلى سد دربندخان بالكامل، مطلع ايار مايو 2024، ما أدى لازمة كبيرة في حوض نهر ديالى الذي انخفضت مناسيبه بنسبة 75 بالمائة، وذلك بحسب تصريحات مسؤولين في المحافظة.
و يبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب، وإن نقص واحد مليار متر مكعب من حصة العراق المائية يعني خروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من حيز الإنتاج.
ووفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي” فإن العراق سيكون أرضا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي، وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدا في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 في المئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 في المئة بحلول عام 2050.
ويرى مختصون أن العراق مقبل على كارثة بيئية اذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، وهذا سيكون بمثابة كارثة إنسانية لبلاد ما بين النهرين، وبالتالي هجرة الريف إلى المدينة في ظل عدم نجاح الحلول الحالية، فمن الأفضل للسلطات العراقية التوجه إلى إستراتيجية وطنية جديدة، تعمل على ترشيد استخدام المياه، ورسم سياسة ري جديدة للأراضي الزراعية، وتحديد حصص المحافظات، والعمل بجدية على وقف التجاوزات الموجودة في بعضها.
يشار إلى أن العراق منذ سنتين وهو يقوم باستخدام المياه الجوفية بسبب الجفاف وهو أمر يحدث لأول مرة تاريخيا، كما أن الفضاء الخزني الخالي من المياه يقدر بنحو 140 مليار متر مكعب، أما السدود الثلاثة الرئيسية وهي الموصل ودوكان والثرثار فهي تعاني مع مرور الوقت وهذا ينذر بكارثة بيئية جديدة تضاف للبلاد، بحسب مختصين
ويشتكي العراق منذ سنوات من السياسات المائية غير العادلة التي تنتهجها تركيا، عبر بناء العديد من السدود على نهر دجلة ما تسبب بتراجع حصصه المائية، وأيضاً إيران، من خلال تحريف مسار أكثر من 30 نهراً داخل أراضيها للحيلولة دون وصولها إلى الأراضي العراقية، بالإضافة إلى ذلك، فاقمت مشكلة الجفاف وقلة الأمطار خلال السنوات الأربع الأخيرة من أوضاع البلاد البيئية والزراعية.