صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

تحدٍ بيئي جديد.. هل ستخرج «السمكة الغازية» الأهوار من قائمة اليونسكو؟

لطالما كان التنوع الأحيائي في مناطق الأهوار، أحد أبرز الأسباب التي دفعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، إلى إدراج الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي في 2016، مشترطة على الحكومة ضمان ديمومة هذا التنوع، وتطوير البنى التحتية للمناطق الرطبة.

ومع التدهور الحاد في الواقع البيئي، بسبب الجفاف المتفاقم وشح المياه، وانعكاس ذلك على  الحياة البرية والنباتية، وتصاعد الخطر على العديد من الكائنات النادرة بالانقراض، أعلن فريق منظمة الجبايش البيئية، اليوم الثلاثاء، توثيق أول وجود مؤكد لسمكة السلور الأفريقية (CLARIAS GARIEPINUS) داخل أهوار الجبايش بمحافظة ذي قار، محذرا من إمكانية توسع هذا النوع من السمك الدخيل على حساب الكائنات المحلية.

وذكرت المنظمة، في بيان تلقته “العالم الجديد”، أن “هذا الاكتشاف يمثل ثاني تسجيل رسمي للنوع داخل العراق، بعد رصده سابقا في نهر دجلة قرب مدينتي بغداد والموصل، من قبل باحثين في جامعة بغداد، لكنه يُعد الأول من نوعه داخل بيئة الأهوار، المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي”.

ودعا الفريق البحثي، بحسب البيان، إلى رصد دقيق لهذا النوع، ومتابعة تأثيره على التنوع الإحيائي في الأهوار، محذرا من “إمكانية توسعه على حساب الكائنات المحلية، الأمر الذي قد يُحدث اختلالات يصعب معالجتها لاحقا”.

وتنتمي السمكة إلى فصيلة السلوريات، وتتميز بزعنفة ظهرية طويلة تمتد على طول الجسم، وزعنفة ذيلية دائرية، وأربعة أزواج من الشعيرات الحسية (باربلز)، وهي خصائص تمنحها قدرة كبيرة على التحسس والبقاء في المياه الطينية والعكرة، ما يساعدها على التكيّف والتكاثر في البيئات الجديدة.

ويصنف العلماء هذه السمكة ضمن الأنواع الدخيلة الغازية، ما يثير مخاوف بيئية من تأثيراتها المحتملة على الأنواع المحلية وعلى التوازن البيئي الدقيق في الأهوار، التي تُعد واحدة من أغنى النظم البيئية في المنطقة وأكثرها هشاشة.

وكان مدير التنفيذي لمنظمة “المناخ الأخضر”، مختار خميس، حذر في 21 آيار مايو الماضي، من تضاؤل أعداد كلب الماء ناعم الفراء المعروف باسم “ماكسويل”، والذي يعد من الكائنات الرمزية لهور الحويزة، مؤكدا أن الجفاف والصيد الجائر يشكلان تهديدا حقيقيا لبقائه، خاصة في ظل غياب أي إجراءات حكومية لحمايته.

وفي ظل هذا الإهمال والتدهور البيئي المتسارع، أكد مختصون أن استمرار الجفاف وغياب السياسات الحقيقية لحماية التنوع الأحيائي سيؤدي إلى خسائر فادحة في الثروة البيئية للبلاد، مشددين على ضرورة تبني استراتيجية وطنية عاجلة لإنقاذ الأهوال وسكانها، من بشر وكائنات، وإنشاء محميات طبيعية تضمن بقاء الأنواع النادرة.

ولم تعد أهوار العراق أهوارا، بل أصبحت أرضا جدباء تعاني من ندوب سنوات من الجفاف والتغيير المناخي، حيث باتت تداعيات الجفاف تظهر بشكل جلي، وتحولت إلى أزمة مركبة وخطيرة، تتمثل بنزوح المزارعين وهجرة مربي الجاموس ونفوق أعداد كبيرة من الأسماك، ما يضع الجهات الرسمية والمختصة والأمنية أمام مهمة صعبة. 

وكان تحقيق نشرته مجلة “جاكوبين الأمريكية”، مطلع العام الحالي، حذر من آثار الجفاف على الاهوار، مشيرا إلى أن المنطقة على وشك فقدان ثقافة عمرها 5 آلاف سنة واختفائها بالكامل.

يشار إلى أن غالبية مناطق الأهوار حاليا شبه خالية من السكان، بينما كانت الحياة فيها قبل سنوات مزدهرة، سواء من قبل القطاع السياحي، أو من قبل صيادي الأسماك والطيور، أو مربي المواشي، حيث تحولت خلال السنوات القليلة الماضية إلى أراض قاحلة. 

ووصلت المساحة المغمورة للأهوار العراقية قبل الجفاف الأخير قرابة 4500 كم مربع، في حين تراجعت مؤخرا لتصل إلى أقل من 1400 كم مربع، بحسب الإحصائيات الرسمية.

ومع الازمة المائية التي يشهدها العراق وتراجع كميات تدفق المياه في دجلة والفرات، يشير المختصون إلى أن الأولوية في العراق هي مياه الشرب أولاً، ثم الزراعة والنفط، وعندما يتبقى بعض الماء فقط يتم إطلاقه في الأهوار، وهذا ليس من أولويات الإدارة.

ودعا مرصد “العراق الأخضر” المتخصص بشؤون البيئة، في 23 كانون الثاني يناير الماضي، الجهات المسؤولة والمنظمات المتخصصة إلى إنقاذ الأهوار من سوء الأحوال التي هي عليه في الوقت الحالي، مبينا أن مساحة الأهوار تقلصت إلى أقل من ألفي كم مربع بعد أن كانت تمتد ما بين 15000 ـ  20000 كم2، فضلاً عن تحول الأهوار الوسطى وهور الحمار والحويزة إلى أراض جافة مع هجرة اغلب سكانها.

وكشف قائم مقام الجبايش، كفاح الأسدي، في 16 كانون الثاني يناير الماضي، عن نزوح أكثر من 1500 شخص من مناطق الأهوار في القضاء خلال الأشهر الستة الماضية، نتيجة للجفاف والتصحر الناجمين عن التغير المناخي وتأثيراته السلبية على البيئة وقطع تدفقات المياه من قبل تركيا.

وشهدت الاهوار العراقية العام الماضي، أقسى موسم جفاف منذ إعادة إغمارها بالمياه من جديد بعد عام 2003، بحسب الخبير البيئي جاسم الاسدي. 

وأدى ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 في المئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 في المئة بحلول عام 2050. 

وحذر تقرير صادر عن منظمة اليونسكو، فى 1 إبريل نيسان 2024، بأن يكون العراق مقبل على حرب مياه بحلول العام 2050.

وأصبحت تربية الجاموس عبء على عاتق المربين، فغياب المراعي الخضراء أدى إلى ارتفاع “العلف النباتي” من 300 ادألف دينار للطن الواحد إلى 800 ألف. 

ويشتكي العراق منذ سنوات من السياسات المائية غير العادلة التي تنتهجها تركيا، عبر بناء العديد من السدود على نهر دجلة ما تسبب بتراجع حصصه المائية، وأيضا إيران، من خلال تحريف مسار أكثر من 30 نهرا داخل أراضيها للحيلولة دون وصولها إلى الأراضي العراقية، بالإضافة إلى ذلك، فاقمت مشكلة الجفاف وقلة الأمطار خلال السنوات الأربع الأخيرة من أوضاع البلاد البيئية والزراعية. 

وانخفض الحجم الإجمالي للمياه الواردة من دجلة والفرات بشكل ملحوظ من 93.47 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى 49.59 مليار متر مكعب في عام 2020، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تصرفات دول المنبع. 

ورصدت المنظمة من منتصف أيلول سبتمبر 2023 نزوح أكثر من 21 ألفا و700 عائلة بواقع 130 ألفا و788 فردا، أغلبهم من المحافظات الجنوبية، وما تزال هذه المناطق في حالة نزوح بسبب حالات التغير المناخي، وكانت ذي قار الأكبر عددا بحالات النزوح إذ وصل عددهم إلى 7890 عائلة، تليها ميسان، ومن ثم النجف. 

ومع حلول كل فصل صيف، تضرب الأهوار والأراضي الزراعية أزمة مائية، تؤدي إلى انحسار مساحات كبيرة في الأهوار، وتقليص الخطط الزراعية، بسبب شح المياه الواصلة إلى البلاد من دول المنبع، وأحيانا تبلغ الأزمة ذروتها في بعض المحافظات، وتؤثر سلبا على تغذية محطات مياه الشرب بالكميات الكافية لانخفاض مناسيب الأنهار المغذية لها.

إقرأ أيضا