بداية فإن مفردة الاجنبي تعني ان هناك شخصا من ثقافة ومجتمع معين يعيش في بيئة وثقافة تختلف عن ثقافته، ويعيش في بلد يختلف عن بلده، وهذا يعني ان ذلك الشخص يعيش بين ثقافتين مختلفتين، ومن هذا المنطلق يأتي التحدي الاهم: ان ذلك الاجنبي كيف يتسنى له التعايش مع الثقافة الاخرى بشكل مطلوب بحيث لا ينعزل عن المجتمع الذي يعيش فيه، وبالتالي يتفاعل ويندمج ويمارس حياته الطبيعية في البحث عن فرص النجاح التي تتطلب مؤهلات من نوع خاص، مثل اللغة ومعرفة الخطوط العامة لثقافة البلد الذي يعيش فيه، وكيف يستطيع ان يوازن بين خصوصياته كفرد ينتمي لثقافة معينة، وبين تفاعله واندماجه في المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا ما يتطلب فهما موضوعيا لفكرة الاندماج بالمجمتع.
وفقا لما تقدم يفترض ان يتحرك الاجنبي في بيئة مهجره، والذي هو ربما ليس مهجرا بالمعنى الحقيقي للكلمة بالنسبة لاطفاله واحفاده والاجيال التي تأتي بعدهم، انطلاقا من اكتساب الاجيال اللاحقة وتعلمها من البيئة التي تعيش فيها اكثر من انتمائها للمجتمع الذي تنحدر منه. ليس في ذلك مفاجئة، بل هي حالة طبيعية بحكم الظروف الموضوعية التي يعيشها الجيل الثاني والاجيال اللاحقة. من هنا فان دور الاهل ومراكز التجمع العامة التي تخص الجاليات تمثل دورا مهما واستثنائيا، شريطة ان تعي دورها وتكون بمستوى المسؤولية. اذ يفترض بمراكز التجمع والقائمين عليها التعامل مع هوية الجيل الثاني والاجيال اللاحقة بطريقة لا تساهم في تشوهها وابتعادها كثيرا عن بيئتها مما يولد فيها حالة تصادم وصراع مقلق يعيشه الطفل او الشاب مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه.
ان الهويات لا تفرض، بل تشعر وتلمس ويكتسبها الاشخاص بمرور الايام. من هنا يلاحظ في هذا الجانب وبشكل مقلق تشوهات في الهوية الوطنية بالنسبة للاجيال الناشئة. فهناك غموض على صعيد ملامح هوية الجاليات العراقية في الخارج وعدم وضوح الصورة بالنسبة لأولياء الامور، خصوصا فيما يتعلق بصياغة هوية لجماعة بعينها تعيش في بيئة مختلفة عن بيئتها الاساسية، حيث هناك تنافر وصراع بين ترسبات الهوية الوافدة والهوية التي تتشكل في محيط معين تسوده ثقافة اخرى مختلفة تماما عن الثقافة الأم. علينا ان نعترف ان الاجيال اللاحقة لا ينبغي ان تاخذ هوية المجتمع الذي ينحدر منه الاباء، بل بالاضافة الى ذلك عليها ان تتعلم هوية قابلة للتعايش في المجتمعين. ولذلك لابد من تنضيج هوية مرنة لتلك الاجيال بحيث تجعل منها ثروة لخدمة كلا المجتمعين، بدل ان نتركها ضحية التشتت والضياع حيثما حلت. ولهذا فان دور مراكز التجمع مهم جدا، ويفترض ان يكون اكثر اهمية ومسؤولية مما يؤدي الان، ومن حسن الحظ فان معظم الاطفال ربما يحتاجون لتعلم الحروف العربية بالدرجة الاولى، والا فخزينهم من اللغة العربية الفصحى بفضل القنوات الفضائية المختصة بالاطفال كبير جدا، بل ربما يفوق خزين الاب من ناحية لغوية.
المؤسف ان المراكز الاسلامية تختزل سبل معالجة مسائل من هذا النوع عن طريق استيراد رجال دين عاشوا وتعلموا وتكيفوا مع اجواء وبيئة ومناخ ومجتمع مختلف تماما عن مجتمعات المهجر، وهذا ما زاد الامور سوءا، بدل المساهمة في المعالجة. ناهيك عن ان هؤلاء الوعاظ خلطوا الاوراق على الناس نتيجة لتضارب الفتاوى التي تستورد من الشرق الاوسط بكل ما تحمل من تناقضات وقراءة غير واضحة للواقع الذي تعيشه الجاليات الاسلامية في الغرب مع مجتمعات لا تغيب عنها الشمس لاشهر طويلة، وفي بعض الاحيان تغط في ليل دامس لاكثر من ثلاثة اشهر، مما وضع اوساط المهاجرين في موقف مصادم للمجتمعات التي يعيشون فيها.
gamalksn@hotmail.com