صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الحذر يغلف الموقف العراقي اتجاه سوريا «الشرع»

بعد أيام من تنصيب أحمد الشرع، رئيسا مؤقتا لسوريا، ما زال الحذر يغلف الموقف العراقي لبدء علاقة حقيقية وإرسال تهانٍ ومبعوثين دبلوماسيين لجارته الغربية أسوة بدول الإقليم، الأمر الذي عزاه مراقبون، إلى السياسة البراغماتية التي اتخذها العراق تجاه النظام الجديد، إضافة إلى تركيزه على الأمن الحدودي ومراقبة المواقف الدولية من هذا التغيير، وسط تفاؤل بتطور العلاقات إذا ما أنتج النظام السوري الجديد استقرارا أمنيا.

وفي هذا الشأن، يرى المحلل السياسي نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التسميات الجديدة في سوريا لا تغير شيئا من موقف العراق، لاسيما أن الأخير لم يكن لاعباً في كل التطورات التي شهدتها جارته سوريا والتي انتهت بسقوط نظام بشار الأسد ومجيء نظام جديد، فقد نجحت حكومة السوداني بالنأي بالعراق عن التدخل منذ اليوم الأول على الرغم من كثرة الضغوط التي تعرض لها من إيران ووكلائها في العراق سواء زعامات سياسية أو قادة الفصائل”.

ويضيف حيدر، أن “هم العراق منصب حاليا على حماية نفسه من أية تداعيات سلبية قد تشهدها سوريا والمنطقة جراء التغيير الذي حصل، ولذلك فهو مازال يتعامل بحذر مع ما يجري في سوريا من تطورات سياسية وتغييرات إدارية وما إلى ذلك، والموقف العراقي هذا لا علاقة له بالأسماء والمسميات بمقدار علاقته بالواقع الجديد الذي بدأنا نشهده من التغيير وحتى الآن”.

ويذهب إلى أن “العراق ينظر إلى الواقع ويتعامل مع الأفعال، فإذا أنتجت سوريا استقرارا امنيا وسياسيا سيتعامل معه العراق بكل إيجابية على اعتبار أنه أول الجيران المستفيدين من مثل هذا الاستقرار”، متوقعا أن “علاقات العراق مع النظام الجديد في سوريا ستتطور خطوة بخطوة كلما لمس إنجازا سياسيا وأمنيا بغض النظر عن التسمية التي يحملها الزعيم الجديد في دمشق”.

ويشير إلى أن “العراق الآن يتعامل بأقصى درجات البراغماتية، ولذلك فهو تجاوز عن الماضي ولم يعد يهتم بخلفية القوى الجديدة التي وصلت إلى السلطة في دمشق، وكل ذلك من أجل حماية الأمن القومي والمصالح العليا للبلاد، وتماشياً مع احتضان المجتمع الدولي والإقليمي للتغيير الحاصل في سوريا، فليس من العقل والمنطق أن يشذ العراق عن هذا الإجماع فيفكر بالسباحة عكس التيار”.

وأعلنت الإدارة السورية الجديدة، الأربعاء الماضي تعيين أحمد الشرع رئيسا للبلاد في المرحلة الانتقالية، وذلك بعد أقل من شهرين على الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد، واتخذت الإدارة سلسلة قرارات واسعة النطاق، تشمل حل كل الفصائل المسلحة، إضافة إلى الجيش والأجهزة الأمنية القائمة في العهد السابق، وإلغاء العمل بالدستور وحلّ مجلس الشعب وحزب البعث الذي حكم البلاد على مدى عقود.

وفيما خيم الصمت على الموقف العراقي، شهد هذا الإعلان انفتاحا عربيا، إذ هنأت العديد من الدول العربية على رأسها السعودية والإمارات وقطر والبحرين وعمان والأردن، الشرع على تنصيبه رئيسا لسوريا في المرحلة الانتقالية.

من جهته، يعزو الباحث في الشأن السياسي ماهر جودة، هذا الانفتاح الإقليمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “الشرع أو أبو محمد الجولاني خضع إلى تغيير كبير وتعامل مع الوضع ببراغماتية عالية فتحول من رجل فصائل متشددة إلى جهة سياسية معتدلة تبحث عن الديمقراطية، واستطاع أن يغير النظام السياسي وحاول أن يعدل الأجواء بتغيير الثقافة المتطرفة، والعالم انفتح على هذه الجهة أولا لأنها كانت متشددة ولقربها من إسرائيل ثانيا”.

وعن الموقف العراقي، يجد جودة أن “العراق يتطلع إلى الاحترام المتبادل والعلاقات المشتركة مهما كان النظام والشخص الذي يترأسه، ويبحث عن التنسيق الأمني وعودة التبادل التجاري واحترام المراقد المقدسة، فهو ينظر لسوريا كما ينظر إلى تركيا وإيران، وهناك العديد من المصالح المشتركة التي يجب أن تستمر بتطور العلاقة”.

وبعد ساعات من إسناد منصب الرئيس إلى أحمد الشرع، وصل أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى العاصمة دمشق، وهي أول زيارة لرئيس عربي بعد سقوط الأسد، وسط توقعات بزيارة كبيرة مرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفي مقابل ذلك، تشهد الساحة السياسية في العراق حالة من التشابك، مع تنصيب الشرع رئيسا لسوريا، الأمر الذي يضع البلاد أمام منعطف تتداخل فيه التوافقات الداخلية بالحسابات الإقليمية والتحديات الهيكلية، وفي هذا الإطار، تدرس حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إرسال وزير الخارجية فؤاد حسين إلى سوريا، وفقا لما أعلنه الأخير لوسائل إعلام عربية.

الجدير بالذكر أن مدير جهاز المخابرات حميد الشطري الذي تولى قيادة جهاز المخابرات، قد ترأس في 26 ديسمبر كانون الأول 2024 وفدا عراقيا أمنيا إلى سوريا، حيث التقى الشرع في قصر الشعب بالعاصمة دمشق، وبحث معه جملة ملفات مشتركة.

إلى ذلك، يرى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “إعلان أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسوريا خطوة باتجاه إعادة بناء السلطة التشريعية ووضع دستور انتقالي يتبعه دستور دائم وإجراء انتخابات للسلطة التشريعية ورئاسة الجمهورية لاحقا مع ضمانات بمشاركة جميع مكونات وأطياف سوريا في هذه العملية السياسية الانتقالية للذهاب إلى بناء دولة ونظام ديمقراطي معاصر تعددي يوفر فرصا حقيقية لإعادة الإعمار وبناء التنمية المستدامة”.

وفي ما يخص موقف العراق، يؤكد أن “الأخير سيراقب هذه التحولات والانتقالات ويضع عينه أيضا على موقف المجتمع الدولي والقوى الدولية والعلاقات السورية القادمة على الصعيد الإقليمي، وإذا ما حققت هذه المرحلة الانتقالية بناء نظام ديمقراطي يحقق تحولات اجتماعية عبر عودة اللاجئين والنازحين وبناء البنية التحتية وضمان أمن الحدود العراقية السورية، فمن المؤكد أن العلاقات الدبلوماسية ستتطور على صعيد النظامين أسوة بدول الجوار الجغرافي”.

وفي أول تعليق أميركي على تعيين الشرع، قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية “إننا نتابع التطورات الأخيرة في سوريا، وتواصل الولايات المتحدة الدعوة إلى انتقال سياسي شامل في البلاد”، مضيفة أن “من المهم منع سوريا من أن تصبح مصدراً للإرهاب الدولي وحرمان الجهات الأجنبية الخبيثة من فرصة استغلال التحول في سوريا لتحقيق أهدافها الخاصة”.

من جانبها، أكدت الأمم المتحدة، أمس الأول الخميس، أنها ليست في موقع للاعتراف بتعيين الشرع رئيسا لسوريا، مشيرة إلى أن تركيزها منصب على المرحلة الانتقالية وضمان مصالح الشعب السوري

إقرأ أيضا