صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الحروب تغلق نافذة حل مشكلة المناخ

نك باكستون و ديبورا بورتون

ترجمة: د. صالح الرزوق

تسبب عجز أغنى البلدان عن تنفيذ قرار اجتماع عام 2009 الذي فرض عليها تقديم 100 مليار دولار للبلدان المنهكة والمتضررة مناخيا بانعدام الثقة بين الطرفين، وتأخير المفاوضات. وتعمق هذا العجز بعد طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن من الكونغرس في تشرين الأول نوفمبر الحالي، مبلغا قدره 105 مليارات دولار كتقدمة إلى إسرائيل وآلة حربها المقيتة في غزة، ولدعم أوكرانيا ضد روسيا. وعلى ما يبدو أن توفير الأموال لدعم الحروب أسهل من تقديمها لعلاج الطوارئ المناخية، ولكن باقتراب محادثات المنظمة الأممية في دبي المخصصة لمناقشة أوضاع المناخ لا يسعنا تجاهل أثر الحرب والأعمال العسكرية على هذا الموضوع.

كبار مسببي الانبعاثات

إن الفشل في تقدير دور الحرب على تبدل المناخ كان متعمدا، تاريخيا، ولو على نحو جزئي. وقد وافقت حكومة الولايات المتحدة عام 1997 للتوقيع على معاهدة كيوتو، في حال استثناء الجيش بشكل علني من رفع التقارير ومن واجب خفض الانبعاث. وإذا ألغي هذا الاستثناء عام 2015، لا يزال رفع التقارير طوعيا ومحدودا، مع أن الطيران الحربي والدبابات والبوارج هي الأكثر استهلاكا للوقود الأحفوري. وتخمن تقديرات الانبعاث الناجم عن النشاط العسكري الدولي أنه بلغ 5.5% من الانبعاث العالمي الكلي. وهو أكثر من ضعف ما ينجم عن قطاع الطيران المدني. وبالمقارنة مع الانبعاثات في كل بلد على حدة، يمكن تصنيف النشاط العسكري العالمي على أنه أكبر رابع ملوث، بانبعاث كلي يزيد على ما تساهم به روسيا.

تحويل التمويل

والانبعاثات جزء من الصورة. فدعوة بايدين العلنية لزيادة المعونات العسكرية إلى أوكرانيا وإسرائيل، ستقدم للإنفاق العسكري كميات مهمة من المصادر التي كانت من حصة المناخ. وهذا الإهمال يكون أحيانا بطريقة مباشرة. فقد أعلنت حكومة المملكة المتحدة، بعد الغزو الروسي عام 2022، أنها ستحول بعض الإنفاق على المناخ لترفد به جزئيا حزمة عسكرية موجهة إلى أوكرانيا. وتبلغ قيمتها 1 مليار إسترليني (1.2 مليار دولار). وهو ما تدرجه غالبا تحت بند الإنفاق العسكري – للحروب ولمواجهة ‘أخطار’ استراتيجية طويلة الأجل – وبالعادة تحظى ميزانية الحرب بأهمية أكبر من ميزانية المناخ.

وبزيادة التوتر بين القوى العظمى، مثل الولايات المتحدة والصين، وصل الإنفاق الإجمالي العسكري العالمي عام 2022 إلى 2.3 ترليون دولار. وما يؤسف له أن يترافق ذلك في نقص تمويل الحد من الانبعاثات، وبالضرورة علاج المناخ.

هدف الناتو

ويبدو أن الأمور تنحو للأسوأ. فأكبر تحالف دولي عسكري، وهو الناتو، فرض على أعضائه إنفاق 2% على الأقل من عائدات الإنتاج لتحسين التسلح. ومن تقرير حديث بعنوان “تقاطع النيران المناخي”، نشره معهد ترانس ناشيونال، بالتعاون مع ستوب وابين هانديل وتيبنغ بوينت نورث ساوث، نعلم أن هذا سينتهي بإنفاق إجمالي يبلغ 11.8 ترليون دولار بحلول عام 2028. وهو ما يعادل 118 مرة مبلغ الـ 100 مليار دولار الذي وعدت به دول العالم الغنية لتمويل مشاكل المناخ.

ومن ناحية أخرى سيزيد الانبعاثات العسكرية لتبلغ 467 مليون طن. وهو أكثر من الكمية المنبعثة في المملكة المتحدة في عام واحد. وحاليا تبذل الجهود ليكون هذا التمويل العسكري جزءا عضويا من الخطة كي يصعب عكسها. وقد بدأ قرار الاتحاد الأوروبي لدعم إنتاج الذخائر ASAP، الذي صدر في تموز عام 2023، على سبيل المثال، بالضغط ‘لفرض معايير بنيوية تتعلق بتنافس وكفاءة القاعدة الصناعية والتكنولوجية في خطة الدفاع الأوروبية EDTIB في مجال الذخائر والصواريخ’. والهدف هو التدخل في الإنفاق العسكري، والذي سيوازيه زيادة في انبعاثات الكربون خلال السنوات القادمة.

تعدد عواقب الحرب

الرابحون الأساسيون في هذا الرهان العسكري هم شركات السلاح والأمن، فقد ارتفعت أرباحهم وأسهمهم في السنوات الأخيرة. كما أنهم يستعملون تأثيرهم السياسي المتنامي لتوسيع أسواق التصدير، بما فيها الدول الأكثر تأثرا بتبدل المناخ. وعلى سبيل المثال إن أعضاء الناتو يصدرون أسلحة إلى 39 بلدا من بين 40 بلدا تقطنها أمم تعتبر أكثر عرضة لتأثيرات المناخ.

وسوف تلهب هذه الصادرات الأزمات، وتدعم الأنظمة التسلطية التي ستضعف كفاءة مجتمعاتها بالتعامل مع التكاليف الهائلة لتدهور المناخ. وسيكون الإجمالي المرعب لكلفة الحرب على الإنسانية كافيا لنسعى وراء السلام. فالأدلة تتراكم أمامنا، وتؤكد أن ثمن الحرب هو خسارتنا لكوكب الأرض. وهذا لا يعني أن تبديل الوضع واتجاهاته أمر سهل. فما أن تبدأ الحرب حتى تصنع اصطفافات في الآراء وتعمق الانقسامات وتزيد عدم الثقة. وحلها يتطلب غالبا معالجة الظلم التاريخي الطويل، وأن تنقل الدول العظمى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، سياستها الخارجية لاتجاه مغاير. عموما الدرس الواضح الذي نتلقاه من أزمة المناخ يشير أن الطقس الحرج لا يحترم الحدود الوطنية ولا يميز بين الأعراق والأديان. ولا توجد دبابة حربية ولا بارجة أو طائرة مقاتلة يمكنها حمايتنا من تدهور المناخ.

وفي كوب 28 ستدق الساعة أمام المجتمع الدولي لمواجهة ‘الفيل’ الحربي الذي يعربد في الغرفة، ولاتخاذ قرار بوقف إطلاق النار، واكتشاف سبل للتحول من العسكرة، وللاستثمار عوضا عن ذلك في بناء كوكب يكفل العدالة والسلام والأمان للجميع.

المقال منشور في Znetwork بتاريخ 7 تشرين الثاني نوفمبر 2023.

نك باكستون Nick Buxton مستشار في الاتصالات وكاتب. من أحدث أعماله كتاب “الآمن والسليب: كيف يؤثر الجيش والشركات على عالم متبدل مناخيا” الصادر عن بلوتو بريس عام 2015.

ديبورا بورتون Deborah Burton كاتبة أمريكية وأستاذ مساعد في جامعة بوسطون. من آخر مؤلفاتها كتاب “التناغم الغامض: مقالات عن أوبريتات بوتشيني” الصادر عن بيندراغون بريس عام 2012.

إقرأ أيضا