حجم الصراعات التي انغمس الحزبان الحاكمان في إقليم كردستان بخوضها ضدّ جهات متعدّدة، انعكس سلبا على واقع المواطنين في الإقليم، وزادت من نقمتهم، في ظل وضع معيشي صعب، وانقطاع الرواتب عن الموظفين.
في هذا الإطار، انتقدت رئيسة كتلة الجيل الجديد النيابية سروة عبد الواحد، عدم محاسبة إقليم كردستان لأي مسؤول فاسد منذ التسعينات، مشيرة إلى أن المستثمرين في الإقليم هربوا إلى بغداد بسبب “أتاوات” الحزبين الحاكمين هناك.
وقالت عبد الواحد في تصريح متلفز مع الزميل هاني عبد الصاحب، تابعته “العالم الجديد”، إن “الفساد في العراق بكل مكان حتى وصل إلى أصغر عامل في المجتمع، ولكن فرق بغداد عن أربيل خلال العشرين سنة الماضية، هو ان ببغداد يتم التأشير على نقاط الخلل، أما في أربيل فلايوجد لدينا فاسد كلهم منزلين من السماء”.
وأضافت أنه “لم يتم محاسبة أي مسؤول في كردستان منذ 1991″، مستطردة بالقول: “صح اننا فشلنا في هذه الدورة البرلمانية ولكن أنا شخصيا قدمت في بغداد أكثر من ملف إلى هيئة النزاهة وهناك عمل متواصل، لكن في أربيل لا يمكن التحدث عن أي مسؤول دون الحصول على الضوء الأخضر من الحزبين الحاكمين هناك”.
وأشارت إلى أن “هناك تراجع في الاستثمار في أربيل والسليمانية”، مبينة أن “مستثمري السليمانية أغلبهم جاءوا إلى بغداد وعدد من المحافظات، حيث أنني أرى يوميا العشرات من المستثمرين القادمين من الإقليم إلى بغداد، بسبب الضغط الذي يمارس عليهم في إقليم كردستان”.
وتابعت أن “الأعمار في كردستان عشوائي ولا توجد إستراتيجية له، حيث أن المستثمرين يدفعون “أتاوات” للأحزاب الحاكمة في الإقليم لتطبيق مشاريعهم على أرض الواقع”، مبينة بالقول:” (واحد من مسؤولين الحزبين الحاكمين هناك ممكن يسكر بالليل ويأمر جماعته بإحضار كم مليون دولار من أحد المستثمرين)”.
وجاءت تلك التصريحات بالتزامن، مع إستمرار صراع النفوذ بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم، الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل الطالباني، حيث يصر كل منها على الحصول على رئاستي الإقليم والوزراء.
وكانت صحيفة دبلوماتيك كورير الامريكية، كشفت في تقرير لها مؤخرا، ان فساد حكومة كردستان وتجاهلها لسيادة القانون أصبح يشكل مصدر قلق للمستثمرين الدوليين المحتملين الذين غدوا يتجنبون الآن كردستان، مبينة أن منذ عام 2006، تتحدث البرقيات الدبلوماسية المسربة من وزارة الخارجية الأمريكية عن كيف أن هيمنة الأحزاب الحاكمة على النظام السياسي “تسمح للفساد بالازدهار” في المنطقة.
ويشهد إقليم كردستان إنشاء العشرات من المشاريع الاستثمارية الضخمة، بما في ذلك المجمعات السكنية الفاخرة، والمراكز التجارية الحديثة، والمستشفيات الخاصة، والجامعات الراقية، والمدارس الخاصة، إلا أن هذه المشاريع لا تستهدف سوى فئة محدودة من المجتمع، وهي الطبقة الثرية والقيادات الحزبية وعائلاتهم، بحسب مختصين.
وتأتي هذه الانتقادات في ظل تزايد الفجوة الطبقية في إقليم كردستان، حيث يعاني المواطنون من محدودية الدخل وتردي الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، بينما تتركز الثروة والامتيازات في أيدي فئة قليلة من الأثرياء والمسؤولين الحزبيين.
وعاش الموظفون في الإقليم، أزمات متوالية طيلة السنوات الماضية، أدت إلى شلل تام في الأسواق نتيجة تأخر صرف الرواتب وتطبيق نظام الادخار الإجباري الذي مارسته حكومة إقليم كردستان لسنوات عدة، بعد اعتماد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي سياسة “التقشف”، بالإضافة إلى الخلافات المالية بي بغداد وأربيل، مما أدى إلى أزمة خانقة وكبيرة.
وتبلغ حصّة كردستان من الموازنة الاتحادية 21 تريليون دينار، لكن مع توقف تصدير النفط، اقتصرت التحويلات من المركز على الرواتب فقط، إذ تقول الحكومة الاتحادية إنها مولت الإقليم عام 2024، بينما تصر أربيل على أن ما وصل فعليًا أقل من ذلك بكثير.
وتشكل الإتاوات عائقاً رئيسياً أمام الاستثمار الأجنبي في العراق، ممّا قد يُؤدّي إلى عزوف الشركات عن الدخول إلى السوق العراقي أو انسحابها منه، حيث تُؤثّر هذه الظاهرة سلباً على ثقة المستثمرين وتُقلّل من جاذبية العراق كوجهة استثمارية.
ويشهد العراق زيادة ملحوظة في ظاهرة الابتزاز من قبل الجهات المتنفذة للمقاولين والشركات في مختلف القطاعات والبلدان، مما يثير الكثير من التساؤلات حول الأسباب والتداعيات المحتملة لهذه الظاهرة.
وكان العراق أقر عام 2006 قانون الاستثمار بالرقم 13، ويتمثل في تأسيس الهيئة الوطنية للاستثمار، وتتفرع منها هيئات في جميع المحافظات العراقية، وتعنى بجلب الاستثمارات المحلية والدولية من أجل تحسين واقع البلاد الخدمي والبنى التحتية وخلق فرص عمل.
وتراجعت في السنوات الأخيرة عمليات الابتزاز التي تعرضت لها شركات أجنبية استثمارية في العراق، عما كانت عليه قبل عام 2021، إذ اضطرت قبل ذلك الوقت شركات كثيرة إلى وقف أعمالها أو تسليمها لشركات ثانوية أخرى في مناطق عدة من البلاد، بسبب مشاكل مختلفة، أبرزها مضايقات جهات قبلية وعشائرية أو فصائل مسلحة للحصول على مكاسب مادية عبر إجبار الشركات على دفع إتاوات أو توظيف نسبة معينة لديها من أبناء المنطقة.