بطريقة ملتوية لا تخلو من التفاف على قرار المحكمة الاتحادية، أرسلت الحكومة مبلغ الـ400 مليار دينار إلى إقليم كردستان، بصيغة قرض وليس دفعة عن شهرين كما كانت تفعل قبل قرار المحكمة القاضي ببطلانها، حسبما أفادت أوساط سياسية، شنت هجوما على الإطار التنسيقي لوضعه الاتفاقيات السياسية بمرتبة أعلى من القانون والدستور، وانصياعه لرغبات حليفه الحزب الديمقراطي الكردستاني، من أجل ضمان عدم انسحابه من تحالف إدارة الدولة الداعم للحكومة، وعودته إلى التيار الصدري وتحريك الجماهير مجددا، الأمر الذي لم ينفه الإطار، بل كشف أن هذه الخطوة ستضمن تصويت النواب الكرد على الموازنة العامة المزمع تمريرها برلمانيا حال وصولها من الحكومة.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تحويل مبلغ من الأموال من بغداد لأربيل على شكل قرض، نتيجة وجود اتفاق سياسي مسبق، وهذه الخطوة جزء من محاولة تخفيف التوتر بين المركز والإقليم، وهو يعطي مؤشرا وانطباعا على أن الاتفاقات السياسية تعلو على حساب الدستور والقانون”.
ويوضح الشمري، أن “من يقوم بإعداد الموازنة بكل تأكيد سيضع إرجاع هذا المبلغ من حصة الإقليم المثبتة في مشروع قانون موازنة سنة 2023، فهذا الأمر جاء كدفعة طوارئ ما بعد قرار المحكمة الاتحادية، لكن بحكم وجود رأي عام وأطراف داخل الإطار التنسيقي تعمل على تصعيد الموقف مع إقليم كردستان، ولهذا سيكون ضمن الاشتراطات داخل الموازنة إرجاع هذا المبلغ”، لافتا إلى أن “هناك صعوبة بإطفاء هكذا قرض أو دين إلا بقرار جديد، وهذا أمر غير مقبول لدى الكثير من الأطراف السياسية، لكن تبقى عملية الإطفاء واردة، وهذا ربما يكون أيضا ضمن الاتفاقات السياسية”.
ويضيف أن “الإطار التنسيقي، يقدم تنازلات كبيرة، بدءا من التنازل عن خصومته مع أربيل، التي يعدها مصدر تهديد له، وهو قدم الكثير من التنازلات من أجل تشكيل حكومة السوداني، وبالتالي فإن التنازلات مستمرة من قبل الإطار، خصوصاً في ظل قلقه من عودة التظاهرات ورد فعل التيار الصدري، ولذا فإن الإطار يقدم تنازلات كبيرة جدا من أجل الحفاظ على تماسك ائتلاف إدارة الدولة وأيضا استمرار حكومة السوداني”.
ويختم رئيس مركز التفكير السياسي قوله، بأن “تلويح الحزب الديمقراطي الكردستاني بالانسحاب، هو من دفع لهذا الاتفاق من خلال دفع الأموال لكردستان بشكل (قروض) لحين التوصل للاتفاق على صيغة نهائية ما بين بغداد وأربيل بشأن نسبة الإقليم بمشروع قانون موازنة سنة 2023”.
وأفادت معلومات، نشرتها وسائل إعلام كردية، بأن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، اقترح على مصرف التجارة العراقي TBI إقراض إقليم كردستان 400 مليار دينار ثم تصفية الحساب حسب قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2023، وأن المصرف وافق على المقترح.
وبحسب عضو اللجنة المالية خليل دوسكي، فإن تحالف إدارة الدولة لدى اتفاقه على تشكيل الحكومة، اتفق على صرف المستحقات المالية للإقليم عن طريق بنك التجارة العراقي TBI سيكون على شكل قرض.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا، أصدرت في كانون الثاني يناير الماضي، قرارا، يقضي بإلغاء جميع القرارات الحكومية المتعلقة بتحويل الأموال إلى إقليم كردستان، وتضمن قرارها فقرة أن “الحكم بات وملزم للسلطات كافة”.
وجاء قرار الاتحادية، بعد أن توجيه السوداني بصرف 200 مليار دينار لإقليم كردستان شهريا، وقد أصدر في كانون الأول ديسمبر 2022، قرارا يقضي بإرسال 400 مليار دينار عن مستحقات شهرين.
من جهته، يفيد الباحث في الشأن السياسي نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “كان متوقعاً جداً أن تلتف بغداد على قرار المحكمة الاتحادية الصادر بتاريخ مطلع العام الحالي، والذي قضى بعد شرعية تسليم بغداد للمبالغ التي يطالب بها الإقليم، وها قد تم الالتفاف على القرار بعنوان ثانوي يتكرر في كل مرة، حتى وصلت ديون الإقليم المتراكمة لصالح الحكومة الاتحادية إلى أكثر من 8 مليارات دولار”.
ويبين حيدر، أن “هذا الالتفاف القديم الجديد ثبت بالدليل القاطع، أن التوافقات السياسية حاكمة جزما على الدستور والقانون وعلى قرارات المحكمة الاتحادية وعلى مختلف الأصعدة، وبذلك تكون قوى السلطة قد دقت مسماراً آخر في نعش الديمقراطية التي تحتضر بسبب فساد وفشل القوى السياسية التي أثبتت مئات المرات بأنها لا تكترث بالدستور ولا تعير القوانين والتشريعات النافذة أي اهتمام، كما أنها لا تعطي لقرارات المحكمة الاتحادية الباتة والملزمة آذاناً صاغية، فالتوافقات فوق كل هذا، فماذا بقي من الديمقراطية والدستور إذن”.
ويضيف أن “حكومة الإطار مضطرة للقبول والانصياع لكل ما تريده القوى الكردية والسنية المنضوية تحت عنوان تحالف قوى الدولة الذي يدعمها والذي كان قد منحها الثقة في البرلمان من قبل، حتى إذا كانت هذه المطالبات غير دستورية وغير قانونية وتتعارض مع قرارات المحكمة الاتحادية، لان الأصل والمعيار بالنسبة لحكومة الإطار هو أن تستمر في السلطة بغض النظر عن مدى التزامها بالمسارات الدستورية والقانونية والقضائية”.
ويتابع حيدر، أن “ما يتحكم بحكومة الإطار هو عقلية السلطة وليست عقلية الدولة، ولهذا السبب فإن الأولوية القصوى برأيها تنصب على البقاء والديمومة، وهي أولوية تعمي أبصارها عن المسارات الدستورية، وهذه هي طبيعة الأشياء (في العراق)، وستستمر حالة التجاوز على الدستور والقانون والقضاء مازالت في بغداد حكومة توافقية مضطرة للقبول بكل اشتراطات الشركاء لتمريرها تحت قبة البرلمان”.
وكانت الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، بدأت منذ تموز يوليو 2021، بإرسال مبلغ 200 مليار دينار الى إقليم كردستان العراق، وذلك بناء على قرار مجلس الوزراء، القاضي بمنح الإقليم 200 مليار دينار وبأثر رجعي، كمستحقات من حصته في الموازنة العامة، وفي 24 من ذات الشهر، ظهر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مقابلة تلفزيونية، ودافع عن تلك الخطوة بالقول، إن “الشعب الكردي هو شعبنا ونحن لم ندفع موازنة الإقليم، بل دفعنا سلفة لغرض تسديد رواتب موظفي الإقليم”.
وأثارت هذه المبالغ المرسلة للإقليم، حفيظة قوى الإطار التنسيقي خلال حكومة الكاظمي، وعدتها محاولة منه للحصول على ولاية ثانية في الحكم، وانتقدت إرسالها في ظل عدم الاهتمام بالمحافظات الوسطى والجنوبية.
بدوره، يعتقد النائب عن ائتلاف دولة القانون المنضوي في الإطار التنسيقي جاسم الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قرب إقرار الموازنة حرك المياه الراكدة للقوى السياسية، وأسهم بولادة اتفاقات جديدة، وربما إرسال الأموال يمثل أحد هذه الاتفاقات التي تسهل عملية التنمية الناتجة عن ديمومة إطلاق الأموال لتمويل المشاريع التي خططت لها الحكومة”.
ويضيف الموسوي “نحن مع تطبيق القوانين، إذ توجد العديد من الأطر القانونية للوصول الى حلول معقولة، من دون القفز على الدستور والقوانين، وتمنع الانسداد السياسي، اذ يحتاج إقرار الموازنة لتصويت الأغلبية، وليس من المعقول أن لا تصل القوى السياسية لاتفاقات حول مسألة مهمة مسؤولة عن رفع معاناة المواطن العراقي”.
ويبين أن “إعطاء الأموال جاء بضمانات، تمثل مجموعة من الإجراءات الخاصة بايصال الأموال للمواطنين، للحيلولة دون هدرها، مع التأكيد على عدم تجاوز القوانين وقرارات المحكمة الاتحادية، اذ من المرجح أن أسسا قانونية جديدة أسهمت بإيجاد هذا الاتفاق”.
ونصت موازنة 2021، على أن يسلم إقليم كردستان العراق الحكومة الاتحادية 460 الف برميل نفط ونصف إيرادات المنافذ الحدودية، وبعد احتساب كلف التشغيل والإنتاج، من المفترض أن يسلم الإقليم 250 الف برميل نفط الى بغداد، فيما تم تأجيل تسوية الأموال السابقة التي بذمة الإقليم، (وهي متراكمة نتيجة عدم تسليمه إيرادات النفط والمنافذ للحكومة الاتحادية)، لكن لم يسدد الإقليم حتى الآن أي مستحقات للحكومة الاتحادية.
بالمقابل، يؤكد الخبير القانوني سالم حواس، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذا الأمر فيه التفاف قانوني على قرار المحكمة الاتحادية، الذي منع بغداد من إرسال أي أموال لأربيل بعد تسليم النفط وغيرها من الإيرادات”.
ويبين حواس أن “الحكومة العراقية، لها كامل الصلاحيات بقضية إعطاء القروض والسلم إلى المحافظات عبر الحكومات المحلية، وهذا الأمر يشمل الأقاليم، ولذا فإن خطوة بغداد بمنح الأموال لأربيل عبر القروض قانونية دستورية، لكن من المؤكد أنها وفق اتفاق سياسي، لكن أربيل ملزمة بالتسديد من خلال حصتها في موازنة سنة 2023”.
يشار إلى أن الحكومة الحالية، برئاسة السوداني، تشكلت بعد أزمة سياسية تجاوزت عاما كاملا، بسبب انقسام القوى السياسية لفريقين، تمثل الأول بالكتلة الصدرية والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، فيما ضم الثاني الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني وتحالف عزم، وعقب انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية، تم تشكيل ائتلاف إدارة الدولة، وضم كافة القوى السياسية.
وجاء تشكيل ائتلاف إدارة الدولة، بعد توقيع القوى السياسية بكافة توجهاتها على اتفاق سياسي، وكل قوى ضمنت النقاط التي تريد تحقيقها من هذه الحكومة، وهذا كان أساس وصول السوداني لرئاسة الحكومة.