إن الحلول المطروحة للأزمة الراهنة قليلة وغامضة ومتداخلة. ولو حاولنا جرد هذه الحلول لما خرجنا بالكثير الواعد الذي يحمل أملا حقيقيا أو مضمونا جديدا يسمح بخرق السقف المعهود. من تلك الحلول التي يمكن استخلاصها من لغة الإعلام، حل يطرحه رئيس الوزراء نوري المالكي ومن معه في التحالف الوطني \”الشيعي\” وهو وجوب التزام الاستحقاقات الدستورية وانعقاد البرلمان الجديد وتشكيل الحكومة الجديدة وكأنها كفيلة باختراع \”عصا موسى\” التي ستلتهم أفاعي داعش وحلفائها وهذا كلام عقيم وخطير!
الحل الثاني لمعارضيهم من الساسة العرب السنة هو التريث وتأجيل انعقاد جلسة البرلمان والبحث عن حلول حكيمة بلغة السيد المطلك من دون أن يقدموا شيئاً جديداً سوى تكرار مقولة \”إعطاء الحقوق لمستحقيها ورفع الظلم عن المظلومين\” فيما البلد يحترق.
الحل الثالث يرد غالباً في بيانات البعث بقيادة عزة الدوري وبعض المليشيات العشائرية كمليشيات علي حاتم هو \”استرداد بغداد من الصفويين\” والبدء من الصفر.
الحل الآخر لداعش معروف وعنوانه \”دولة الخلافة الإسلامية\” بتفرعاته السياسية والاجتماعية والفكرية… الخ، وهو خيار عبثي وفاشي دموي تنبغي مقاومته ودفنه عميقاً في الأرض وفي الوعي.
بين كل هذه الحلول لا يوجد حل واحد معقول وقابل للتطبيق والسبب هو أن قوانين اللعبة السياسية لا تسمح بصوغ حلّ كهذا، وقد ساهم في ذلك الغياب التام لأي قوة أو مرجعية وطنية ديمقراطية عراقية ذات وزن، وهنا نضع اليد على النصف الآخر من الكارثة. أما ما دعوناه بالتحرك نحو حل سياسي جذري للوضع العراقي، فهو يمكن أن يكون عبر تشكيل حكومة خبراء \”تكنوقراط\” تدير البلاد لمدة سنة مصحوبة بمجلس حربي يشرف على إنهاء التمرد المسلح وتطهير العراق من المسلحين التكفيريين ويعقد في الوقت نفسه مؤتمراً تأسيسياً يعيد كتابة الدستور ليطرح على استفتاء شعبي، ومن ثم يصار إلى انتخابات جديدة على أساس الدستور الجديد. وهذه مجرد فكرة مطروحة للنقاش لا أكثر.
كلمة أخيرة حول الدور الخطير للإعلام الطائفي الذي يزيد النار العراقية اشتعالا هذه الأيام: منذ صباح كل يوم من الأيام الماضية، يبدأ عدد من القنوات الفضائية العربية والعراقية كالجزيرة القطرية وما ماثلتها ببث أخبار عن انتصارات وهمية للمسلحين التكفيريين في داعش وحلفائهم: فتلعفر سقطت، وقائد القوات الحكومية فيها أبو الوليد هرب إلى مدينة سنجار، وداعش أمهلت الأكراد 24 ساعة لتسليمه وإلا ستهاجمهم في سنجار (لا يدري حتى الشيطان لماذا لم تهاجمهم وتأخذ الرجل منهم لو كان الخبر صحيحا).
وبهذا الخصوص فقد انكشف قبل أيام قليلة الدور الخطير الذي لعبه بعض المسؤولين الأكراد، وخصوصا السيد جبار ياور، أمين عام وزارة البيشمركة في إقليم كردستان، في هذه الحرب النفسية والإعلامية، وتأكد بالدليل الملموس أنه كان شخصيا المصدر الأول لجميع الأخبار الكاذبة التي بثتها قناة الجزيرة القطرية وجوقتها. تأكد ذلك حين بثت قناة الميادين اللبنانية يوم الأول من تموز الجاري مقابلة معه ويبدو أنها أجريت بعد المعركة الأولى للدفاع عن مدينة تلعفر وفيها أعاد السيد ياور تكرار بعض الأخبار الكاذبة ومنها أن مدينة تلعفر سقطت وأن أبو الوليد موجود كلاجئ في حماية البيشمركة في مدينة سنجار وأن كل شيء انتهى ما عدا بيجي التي قال إن سبب عدم سقوطها هو وجود ضابط كردي يقود القوات هناك. والطريف أن كلام ياور، الذي يتقاضى راتبه من الدولة العراقية، يأتي بعد أن كفت قناة الجزيرة وجوقتها عن تكرار سقوط تلعفر يوميا، ولم تعد تذكره، ثم لماذا لم تبادر داعش نفسها لتبني الخبر وإثباته على طريقتها الخاصة؟ وعلى افتراض أن المدينة سقطت قبل يومين، بحسب تصريحات ياور، أو قبل عدة أيام، كما قالت صفحة فخري كريم الإخبارية على النت \”المدى\”، إن انسحاب القوات الحكومية تم بعد قصف بجميع أنواع الأسلحة لثلاثة أيام، فكيف نفسر التفاصيل نفسها التي بثت قبل أسبوعين عن سقوط المدينة وانسحاب أبو الوليد إلى سنجار، في حين تم تكذيب هذه الأخبار طوال الأسبوعين الماضيين؟ ولماذا لم تعرض داعش إذا كانت قد دخلت المدينة فعلا أي صور أو تسجيلات فيديو عن سيطرتها عليها؟ لقد اقترب مقاتلو داعش مجرد اقتراب من معبر طريبيل فقاموا باستعراض عسكري وصوروه وبثته قناة الجزيرة قبل أن يهربوا من المعبر، وفعلوا الأمر نفسه قرب مصفى بيجي، ثم ظهر كذب ذلك، فهل من المعقول أن تسيطر داعش على تلعفر ولم تنشر صورة واحدة لعناصرها فيها؟
إن اشتراك مسؤول حكومي في الإقليم أو في مؤسسات الدولة الاتحادية في نشاط معاد للعراق خلال فترات الحرب والأزمات ينبغي التوقف عنده واتخاذ موقف منه ومن مرتكبيه لكي لا يختلط الحابل بالنابل فتقمع الأصوات النقدية التي تريد الوصول إلى الحقيقة وتترك الأصوات المشابهة لصوت السيد جبار ياور تصب الزيت على النار وتغذي الإعلام المعادي بالأكاذيب الخطيرة. كما كررت قناة الجزيرة وجوقتها أكاذيب أخرى منها سقوط منفذي طريبيل والوليد بيد داعش أو أحيانا بيد \”الثوار\”!! وسقوط العديد من المدن هنا وهناك والكويت سحبت سفيرها من بغداد! كل هذه الأخبار الكاذبة التي تشكل جزءا من بنية الحرب النفسية التي يخوضها فاسدو الإعلام العربي، بل وحتى غير العربي كالبي بي سي، تم نفيها وتكذيبها من قبل مصدر حكومي معتمد في مؤتمر صحفي مع أدلة وتسجيلات فيديو عرضها ولكن بعد ساعات طويلة من التأخير الذي لا يحتمله الوضع.
ولكن يبدو أن الإعلام العراقي الرسمي والخاص أو الشعبي لم يستشعر خطورة التهديدات التي تحدق بوحدة ووجود العراق كوطن وكشعب، ولم يرتق بعد إلى مستوى المسؤولية بدليل أدائه الركيك والمتأخر كثيرا في كشف وفضح أكاذيب الإعلام المعادي الذي يخوض معركة شرسة بقيادة قناة الجزيرة والعربية السعودية ودبي، إضافة إلى بعض القنوات العراقية التي تعمل من خارج العراق كالشرقية والبغدادية. أما في داخل العراق فالفضائيات الموالية للحكومة أو لرئيس الوزراء المالكي شخصيا كالعراقية وآفاق لا تفعل سوى تكرار أداء إعلام النظام السابق، نظام صدام حسين، مع بعض الاختلافات التفاصيلية. وهناك القنوات الطائفية الشيعية التي تثير صخبا وتحريضا مؤذيا ومرفوضا ومن أمثالها الغدير والكوثر والفرات والزهراء والقائمة طويلة، وتواجهها قنوات من الجانب المقابل لا تقل عنها طائفية ومنها مثلا القنوات السنية الخطاب كالرافدين والفلوجة والتغيير والحدث وكلها تبث على القمر المصري نايل سات، إضافة إلى قنوات كردية كتب ناشطون على مواقع التواصل أنها تحاول ترويج خطابات أصحابها وتصب أحيانا زيتا على النار فقد تناقلت جميع الأكاذيب التي بثتها الجزيرة ومجموعتها.
* علاء اللامي: كاتب عراقي