بعد دخول الخطة الزراعية الشتوية حيّز التنفيذ قبل أيام، كشفت وزارة الزراعة عن تفاصيلها ونسبة كل نوع من أنواع الري المحددة فيها، وفيما بينت الوزارة أن الخطة ركزت على زراعة الحنطة بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، أكدت سعيها لزيادة المساحات المزروعة بسبب وفرة المياه الناتجة عن الأمطار، لكن هذا قوبل بانتقاد من خبير مائي، أشار إلى أن نسبة الزراعة المعتمدة على المياه “السطحية” كبيرة جدا، وسط استغرابه من التركيز على الحنطة وإهمال قطاعات أخرى أهمّ.
ويقول المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الخطة الزراعية الشتوية تم إقرارها بمليون و500 ألف دونم تعتمد على الإرواء (المياه السطحية) وأربعة ملايين دونم تعتمد على المياه الجوفية، كما تم إعداد خطة بحدود سبعة ملايين دونم بالاعتماد على مياه الأمطار، والخطة دخلت حيز التنفيذ منذ أيام وقبل سقوط الأمطار، فالخطة عدت ونفذت بشكل مبكر”.
ويضيف النايف، أن “زراعة الحنطة والشعير والخضراوات تشكل النسبة الأكبر من الخطة الزراعية الشتوية، لكن الجهد الأكبر سيكون لزراعة الحنطة، إذ ستشكل 75 بالمئة من الخطة، حتى يتحقق الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول في العراق ولا يتم استيراد أي حنطة من الخارج”.
ويؤكد أن “وفرة الأمطار الحالية في مناطق مختلفة من البلاد، تمثل أمرا مهما للخطة الزراعية الشتوية، فهي ستعمل على توفير غطاء نباتي جيد، كما ستكون لها أهمية كبيرة بالنسبة للأهوار جنوبي العراق التي تحتوي على ثروة حيوانية كبيرة تتمثل بوجود الجاموس”، مبينا أن “الأمطار الأخيرة والمتوقع تساقطها خلال الأيام المقبلة ستساهم في زيادة كبيرة للخزين المائي للعراق، ولذا سيكون لنا اجتماع جديد مع وزارة الموارد المائية من أجل زيادة المساحات الزراعية وفق الخطة الزراعية الشتوية”.
ويتابع المتحدث باسم وزارة الزراعة، أن “الخطة الزراعية الشتوية ستكون مختلفة عن السابق”، معتقدا أن “نجاحها سيتحقق بشكل كبير لاسيما بعد ارتفاع مناسيب المياه وكذلك حصول الفلاح على دعم كبير من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزارة الزراعة، فقد تم دعم الفلاحين بنسبة 70 بالمئة من البذور و50 بالمئة من الأسمدة وكذلك المبيدات والمستلزمات الخاصة بالقطاع الزراعي”.
وكان العراق حقق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الحنطة في عام 2019، بعد أن كان يستوردها من أمريكا وأستراليا، لكن في ذات العام تعرضت حقول الحنطة إلى حرائق كبيرة أتت على قرابة 53 ألف دونم.
يذكر أن العراق، ومنذ العام الماضي، قلص المساحات المزروعة إلى 50 بالمئة بسبب شح المياه، ما أدى إلى تراجع كبير في الإنتاج الزراعي، كما يعاني القطاع الزراعي من تدهور حاد، ووفقا لتقرير سابق لـ”العالم الجديد”، فإن محافظة ديالى فقدت غالبية أراضيها الزراعية، وشهدت هجرة كبيرة للفلاحين نحو المدينة.
كما يعاني العراق من أزمة كبيرة في المياه، بسبب تقليل تركيا لإطلاقات نهري دجلة والفرات وقطع إيران لمنابع الأنهر الواصلة للعراق، ما أثر بشكل كبير على الخطة الزراعية، فضلا عن تأثيره على الأسماك، حيث ارتفع اللسان الملحي وأدى لنفوق كميات كبيرة في أحواض محافظة البصرة (550 كلم جنوبي البصرة)، مطلع شهر آب أغسطس 2021.
يشار إلى أن مجلس الوزراء، قرر في جلسته المنعقدة منتصف الشهر الحالي، التريث في تنفيذ فقرة توصيات لجنة الأمر الديواني (26 لسنة 2020)، المتعلقة بتقديم الدعم للمحاصيل الزراعية (الحنطة والشعير والشلب والذرة الصفراء) للموسم الزراعي الحالي بشأن استخدام تقنيات الري الحديثة بتقديم الدعم الزراعي بمقدار 50 بالمئة للأسمدة و70 بالمئة للبذور و100 بالمئة للمبيدات، بحسب طلب وزارة الزراعة، لعدم وجود منظومات ري بالرش كافية لتغطية المساحات المطلوبة لزراعة المحاصيل الاستراتيجية.
من جهته، يرى الخبير المائي عادل المختار، خلال حديث لصحيفة “العالم الجديد”، أنه “في ظل الظروف المائية الصعبة التي يمر بها العراق، كان الأولى أن تتوقف الزراعة بالاعتماد على المياه السطحية واستخدامها لتدعيم الأهوار ودفع المياه المتبقية إلى المحافظات الجنوبية ومنها البصرة بصورة خاصة”.
ويبين المختار أن “كمية المياه المستخدمة (السطحية)، تقدر بـ6 مليارات متر مكعب، وهذا رقم كبير كان يمكن الاستفادة منه، خصوصاً أن زراعة الحنطة في العراق تعتبر خاسرة من ناحية الجدوى الاقتصادية، فكل مليون دونم تصرف عليه 4 مليارات متر مكعب من المياه، وبالري الحديث يكون لكل مليون دونم 100 مليون مكعب من المياه”.
ويضيف أن “العراق هو البلد الأول بالمياه الجوفية، إذ تقدر بحدود 31 مليار متر مكعب، وما يستخدمه العراق 4 ملايين دونم من هذه المياه”.
ويستغرب الخبير “زراعة الحنطة وإهمال قطاعات عديدة”، مشيرا إلى أن “الثروة الحيوانية معرضة للانهيار، كذلك أن مستوى الزراعة المغطاة في تراجع، بالاضافة إلى أن القطاع الزراعي في العراق يعاني من مشكلة أخرى وهي التسويق الزراعي وتكلفة الإنتاج”.
ويوصي المختار بـ”إعادة النظر بالخطط الزراعية كافة لاسيما مع وجود أزمة حقيقية للمياه في العراق”.
يشار إلى أن “العالم الجديد” سلطت الضوء في أيلول سبتمبر الماضي، على واقع الأهوار في البصرة وذي قار وواسط، عبر سلسلة تقارير، وفيها كشفت عن آثار كارثية تعرضت لها الاهوار، ففي البصرة لم يتبق سوى 25 بالمائة منها مغمورة بالمياه، وذات الشيء في المحافظات الأخرى التي شهدت جفاف أكثر من 70 بالمائة من الأهوار، فضلا عن تدمير قطاع تربية الجاموس.
يذكر أن إيران قطعت المياه المتدفقة إلى سد دربندخان بالكامل، مطلع أيار مايو الماضي، ما أدى لأزمة كبيرة في حوض نهر ديالى الذي انخفضت مناسيبه بنسبة 75 بالمئة، وذلك بحسب تصريحات مسؤولين في المحافظة.
جدير بالذكر أن إيران غيرت مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة.