بقلمه معاتباً الحياة خاطبَ عميدُ الادب العربي (طه حسين) قائلاً: \”هذه هي الحياة أنك تتنازل عن متعك الواحدة بعد الأخرى، حتى لا يبقى منها شيء وعندئذ تعلم أنه قد حان وقت الرحيل\” فرائحةُ الشتاء العبقة كانت تسلبُ منا مواقفنا السيئة وتعيدُ إلينا الحياة، وطيبةُ الصيف توحي بوطنٍ ينعمُ بالأمان، اما الآن فالأمر عكسي، لاننا عشنا جحيم الآخرة في لحظاتِ حياتنا الآنية، فأصبحت تُسخن اعصابنا معها، وتجعل دماءنا تغلي وتبحث عن القتل لتُشفي غليلها بأبشعِ الطرقِ، وانواع الانفجارات عبر اناس وحوش يتوعدون الابرياء بالمزيد. يسألني اصدقائي عندما اكتب فيقولون لم لا تكتبُ عن الجميل شيء، فأقول لهم نحن نكتب كل ما نراه ولا نجدُ الجمال كي نكتبَ عنه، تائهون في بحارٍ من الدم، يمضي يومنا بالصعود فوق اكوام الجثث الحية لنرى نور الشمس. العالم كلهُ يعرف ان الذين ينتمون الى ساحات الحرب هم عسكر، اما في حياتنا التي تمر احداثها بالمقلوب يجري العكس، لأننا نحيا كالعسكر لا ينقصنا سوى خوذٍ تعتمر رؤوسنا، فكلما نحاول ان نتنفس الصعداء، نعود لطيات الحزن من جديد يعتلينا البؤس والأسى، محاطون بأسوار اكبر من الشرك، فنحن في ساحةِ حرب تحيط بنا من كل حدبٍ وصوب.بالأمس كنا نحلم باحلام وردية وسكينة فراشنا في الصغر، اما الآن فننظر الى مدينةٍ يملؤها الظلام ولا ينقشع. حتى اصبحنا مؤمنين بأننا بحاجة الى مخلص ابدي يبعد عنا هذه الحلكة والظلمة التي ملئت حياتنا وقلوبنا او يغيرنا الله بقومٍ اخرين يسكنون هذه الارض ويتناسبوا معها ويحيوها، فلا فائدة من تأملِ ربيعٍ اخر، ولا فائدة من السعي خلف الحرية التي تهرب منا، ولا فائدة من الحديث عن ضميرٍ مات ودُفنَ في زمن النياندرتال، فلنعد اكفان لصغارنا لاننا راحلين الى جحيمٍ صُنعَ محلياً بأيدينا ولا مفر منه، سوى رحمة الله التي نحن بعيدين عنها، كبعد ارهابنا عن جنانِ الخلد وحور العين. لأن الحل يبقى بيد الحكومة للبحثِ عن ثغراتها التي هي بحجمِ فوهات البراكين، وان لم تجد حلا عليها التنحي وفسح المجال لرجال آخرين للبحث عن تربة يزرعون بها ثمرة امل كي يمضي شعبها لما تبقى لهم بسلام، اما الآن فلنبتسم لأن القادم اسوأ.
*إعلامي عراقي
الحياة تتنازل عنا..!
2013-09-08 - دولي