بين ليلة وضحاها وبعد انتفاضة السوريين في 18 آذار 2011 على نظام الأسد أصبح اللون الأسود أبيض والأبيض أسود لدى الساسة في العراق ــ بكل عناوينهم الطائفية التي يقدمونها فعلا وسلوكا وواقعا ملموسا ًعلى عنوان انتمائهم للوطن ــ انطلاقا من دوافعَ تضيقُ أمام مصلحة الوطن، وتتسع أمام مصلحة الطائفة.
ساسة لا ضمير يوخزهم عندما يُطعَنُ وطنهم من الخلف أكثر من مرةٍ طيلة الأعوام التي أعقبت 2003 مِن طرف نظام شمولي يحكم سوريا طيلة 40 عاما، سبق للعراقيين أن عانوا من توأمِه 35 عاما قبل أن يسقُط.
وانسياقا مع فكرهم الطائفي لا يتردد ساستنا في أن يمدّوا يدَهُم لمصافحة من طعَنَ أهلَهُم أكثر من مرة دون أن يُفرِّقَ ساعة الطَّعن بين طائفة وأخرى.
في حقيقة الأمر لن يكون محتوى وشكل هذا التفكير إلاّ لساسة مُنحرفين في ولاءاتهم وانتماءاتهم، ساسة ليس لهم وطن واحد ينتمون له ويدافعون عنه ويبذلون كل ما في وسعهم لإعلاء شأنه بين الأمم.. إنما لهم وطن ثان ٍ، هو الأهمّ والأجملْ، فيه يقضون أكثر أيامهم بذخا ًوترفا تعويضا عن الذي فاتهم أيام النضال بما ينهبونهُ من الوطن الأول هُمْ وعوائلهم.
عشرة أعوام تسيّد فيها هؤلاء الساسة المشهد السياسي، فسحقوا دونما رحمة وطنهم الأول بكل أساليب النَّهب والتدمير والقهر، لن نشهد لها مثيلا في أي بلد آخر، وكأن لا صلة تربطهم به، وكأنَّهم جاؤوا لينتقموا منه ومن أهلِه ِجزاءً وقصَاصَا للسنوات التي قضوها في منافيهم، مع أن اختيارهم لطريق المعارضة السياسية ما كان إلاّ بإرادتهم، وهذا ما يفرض عليهم أن يتحملوا ثمن هذا الاختيار، لا أنْ يحمِّلوا تبعاته لوطنهم.. فأوغلوا كثيرا في تعميق الانقسام الطائفي بين أبناء البلد الواحد، وكل واحد منهم احتمى بما هو طارئ وشاذ على فكر طائفته، كما أرادات وخططت له القوى الكبرى سعيا ًمنها لتفتيت مجتمعات المنطقة العربية إلى إثنيات وطوائف وأعراق منعزلة بعضها عن الآخر، لتَسودَ بينها مشاعر كُره ٍوشكٍّ وتخوين ٍوتكفير، لأجل أن يتمَّ تشكيل شرق أوسطٍ جديد تُغيَّبُ فيه الهويّة الوطنية الواحدة، لتحلَّ بدلا عنها هويّات فرعية لدويلات صغيرة هشة يمكن السيطرة عليها.
هؤلاء الساسة حاولوا ونجحوا إلى حدٍ كبير في أن يُفرغوا وطنهم الأول من قواسم مُشتركة، تربط أبناءه، بمختلف مكوناتهم (عاطفية، اجتماعية، تاريخية، دينية، نضالية) وأخذوا به إلى ساحة مُلتبسةٍ هي ليست ساحته، ومعركةٍ ليست معركته، وسيكون بالتالي هو الخاسر الوحيد فيها، ولن يخسروا هُم فيها شيئا، مهما بدت النتائج انتصارا لطائفة على حساب طائفة أخرى.
* كاتب وشاعر عراقي
الخاسر الوحيد…
2013-09-11 - دولي