سرقة كبرى جديدة تلوح في الأفق، مع بدء التحقيق في عمليات نقل “مشبوهة” لأموال عراقية من مصارف لبنان المتلكئة إلى مصرف الرافدين العراقي- فرع بيروت، وفي تفاصيل القضية، تكشف مصادر عن سير التحقيق الذي يسعى للاستعانة بوزارة الخزانة الأمريكية بهدف متابعة حركة تلك الأموال من العراق إلى لبنان ومصيرها هناك، مرجحة إتمام العملية على الورق فقط، دون نقل حقيقي للأموال، كون المصارف اللبنانية مفلسة ولا تضم خزائنها مليارات الدولارات.
ويقول مصدر مسؤول في هيئة النزاهة العراقية خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الهيئة تسلمت تقارير ومعلومات تؤكد وجود شبهات فساد كبيرة وخطيرة في قضية نقل أموال عائدة إلى شخصيات وشركات عراقية متعددة من مصارف لبنانية عدة إلى مصرف الرافدين الحكومي- فرع بيروت”.
ويضيف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “هناك شبهات تحوم حول عمليات النقل، فهي تخلو من أي معلومات عن مصادر الأموال وكيف وصلت إلى بيروت وعن أي طريق، وما هي آلية نقل المصارف اللبنانية هكذا مبالغ كبيرة بالدولار، رغم إفلاسها”.
وكانت الهيئة العليا لمكافحة الفساد التي شكلها رئيس الوزراء محمد السوداني، أعلنت يوم أمس الثلاثاء، أن أول ملف ستحقق فيه هو عملية نقل الأرصدة المودعة في البنوك اللبنانية إلى فرع مصرف الرافدين في بيروت، مؤكدة وجود شبهات فساد في عملية نقل أرصدة العراقيين المودعة في البنوك اللبنانية المتلكئة إلى مصرف الرافدين- فرع بيروت، وحساب مصرف الرشيد في البنك المركزي اللبناني.
وكشفت الهيئة عن صدور أوامر استقدام بحق المدير العام لمصرف الرافدين السابق ومعاونه، على خلفية هذه العملية، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين في البنك المركزي، وأن الأوامر جاءت وفق أحكام المادة 340 من قانون العقوبات العراقي، الخاصة بإحداث ضرر بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل فيها الموظف أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الأشخاص المعهود بها إليه.
ويردف المصدر، أن “هناك لجنة متخصصة من هيئة النزاهة باشرت التحقيق، وربما تتم الاستعانة بالخزانة الأمريكية لمعرفة حركة الدولار، كونها تعلم كيف ومتى خرج الدولار من العراق وبأي عنوان كان، إذ أن هناك شبهات في طريقة نقل تلك الأموال من العراق إلى لبنان في السنوات السابقة”.
ويشير إلى أن “التحقيق ليس بالأمر السهل، وهو يحتاج إلى وقت طويل، لكن هناك جدية كبيرة في التحقيق بهذا الملف، كون الأموال التي عليها شبهات في بيروت كثيرة جدا”، محذرا في الوقت ذاته من “احتمال تأثر قيمة الدينار مع أي رقابة من قبل الخزانة أو البنك الفيدراليين، ما قد ينعكس على السوق المحلية”.
يذكر أن الخزانة الأمريكية دخلت على خط الفساد المالي العراقي، واجتمعت مع 25 مصرفا أهليا لتحذيرهم من قضايا تهريب الدولار من العراق والالتزام بالتعليمات فيما يخص حوالات العملة الصعبة لغرض الاستيراد، متوعدة إياها بصدور عقوبات في حال عدم الإلتزام.
وكان مصرف الرافدين، قد اتهم بما بات يعرف بـ”سرقة القرن”، البالغة 2.5 مليار دولار، والتي سرقت عبر سلسلة من الإجراءات وإصدار الصكوك من هيئة الضرائب العامة، ودافع المصرف في حينها عن موقفه، وأكد أنه لا علاقة له بأية عمليات تلاعب أو سرقة يجري الحديث عنها، وأن مهمته كانت قد انحصرت في صرف صكوك الهيئة العامة للضرائب من فروعه بعد التأكد من صحة صدورها بكتب رسمية بين المصرف والهيئة.
يشار إلى أن الكشف عن سرقة القرن، يعود إلى عهد وزير النفط السابق إحسان عبد الجبار، حيث كشف خلال إعلانه استقالته من منصب وزير المالية وكالة، عن سرقة 2.5 مليار دولار (3.7 ترليون دينار) من أموال الضريبة في مصرف الرافدين الحكومي.
وفي منتصف العام الحالي، جرى الحديث عن تجميد أموال عراقية في مصارف لبنان، ومنها ما كشف عنه النائب في برلمان إقليم كردستان علي حمه صالح عن تجميد ما يقرب من 650 مليون دولار من أموال الإقليم في لبنان، وهي مستحصلة عن بيع النفط.
من جانبه، يوضح الخبير في الشأن الاقتصادي والمالي عبد الرحمن المشهداني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “وفق المعلومات المتوفرة، فإن هناك أكثر من 20 مليار دولار في المصارف اللبنانية عائدة لشخصيات عراقية سياسية ومتنفذة وغيرها، ونعتقد أن الرقم الحقيقي أعلى من هذا بكثير، ولذا سيكون التحقيق بهذه القضية على مراحل عدة”.
ويبين المشهداني أن “التحقيقات في البداية ستكون عن كيفية نقل هذه المبالغ من العراق إلى لبنان، ومن ثم معرفة كيف تم تحويل هذه المبالغ إلى مصرف الرافدين فرع بيروت من المصارف اللبنانية العاملة في العراق، ولمن تعود هذه الأموال”، مشيرا إلى أن “الأموال مرتبطة، بما لا يقبل الشك، بشبهات فساد، وربما يتعلق بعضها بعمليات غسل أموال”.
ويردف أن “هناك أزمة مالية كبيرة لدى المصارف اللبنانية، فكيف نقلت هذه المصارف مبالغ كبيرة إلى مصرف الرافدين، والجواب على هذا السؤال يفضي إلى وجود احتمالية كبيرة بأن عملية نقل الأموال ربما تمت على الورق فقط بشكل وهمي، أي أن المصارف اللبنانية لم تعط أي أموال لمصرف الرافدين في بيروت، ولكنها قدمت أوراقا رسمية لهذا النقل على أن يتسلم صاحب الأموال أمواله من الرافدين، وهذه العملية ربما لا تختلف عن عملية سرقة القرن، ولذا ستجرى التحقيقات بهذه القضية على طرق عدة ومن أكثر من جهة”.
ويتساءل الخبير الاقتصادي “لو كان لدى المصارف اللبنانية أموال، فلماذا يتم نقلها إلى مصرف الرافدين”، مبينا “ولذا فإن هناك مخاوف وشكوكا من أن تكون عملية النقل وهمية، أي أن المصرف العراقي الحكومي لم يتسلم أية أموال بشكل حقيقي”.
ويلفت إلى أن “معظم الأموال العراقية في بيروت تابعة لجهات وشخصيات سياسية متنفذة، ولذا فربما يعيق ويعرقل ذلك عمليات التحقيق، بسبب تورط تلك الشخصيات في هذا الملف، وهذا الأمر وارد جدا وغير مستبعد”.
جدير بالذكر، أن رئيس مركز “كلواذا” للدراسات الباحث بالشأن السياسي باسل حسين، كتب سابقا في تغريدة له بموقع تويتر أنه بحسب مصادر فإن الأموال العراقية المودعة في لبنان تبلغ ما بين 16 إلى 18 مليار دولار معظمها ناجم عن عمليات فساد جرت في العراق، وأن المصارف اللبنانية سهلت عمليات الإيداع والتحويل للعراقيين في السنوات الماضية، وكانت تمثل مركزا ماليا لشركات ومسؤولين وسياسيين عراقيين.
يذكر أن هيئة النزاهة الاتحادية، أعلنت في نيسان أبريل الماضي، عن نجاحها باسترداد أكثر من 9 ملايين دولار من مصارف لبنانية، حيث أفادت في بيان صادر عن دائرة الاسترداد أن الرئيس الأول لمحكمة استئناف بيروت المكلف المنتدب للنظر في قضايا الصيغة التنفيذيّة أصدر قرارا بتسليم مبلغ (9,384,499) دولارا إلى الحكومة العراقية، إضافة إلى شقة في منطقة رأس بيروت، مبينة أن هذه الأموال تم تهريبها من قبل المدانة زينة سعود، وكانت مودعة في خمسة مصارف لبنانية وبأسماء مستعارة.
وتحتجز المصارف اللبنانية أموال المودعين لديها من لبنانيين وأجانب منذ عام 2019، وتفرض قيودا مشددة على السحوبات ولاسيما بالعملات الأجنبية.
بدوره، يفيد المحلل الاقتصادي ناصر الكناني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “فتح تحقيق في قضية نقل الأموال من مصارف لبنانية إلى مصرف الرافدين في بيروت، سيكشف كثيرا من قضايا سرقة وتهريب الأموال العراقية إلى الخارج”، مبينا أنه “في لبنان هناك قسمان من المال العراقي المهرب، الأول تابع للنظام السابق والثاني يتضمن الأموال المهربة والمسربة من العراق بعد سنة 2003”.
ويواصل الكناني أن “غالبية الأموال المهربة والمسربة من العراق إلى لبنان تابعة لشخصيات سياسية متنفذة، وبعض هذه الأموال مسجلة بأسماء عوائل هذه الشخصيات وبعضها بأسماء آخرين يعملون لدى هذه الشخصيات، وهذه المبالغ كبيرة جدا، وهي متابعة منذ مدة طويلة من خلال دائرة استرداد الأموال في هيئة النزاهة”.
ويضيف أن “فتح ملف الأموال العراقية المهربة والمسروقة في لبنان، ربما يطيح برؤوس كبيرة متورطة، ولهذا ستكون التحقيقات صعبة ومطولة، كما أن هناك أموالا مهربة من دول أخرى يجب متابعتها أيضا”.
وكان رئيس الجمهورية السابق برهم صالح، كشف العام الماضي عن وجود “مؤشرات ومعطيات تخمن بأن ما لا يقل عن 150 مليار دولار من صفقات الفساد، تم تهريبها إلى الخارج منذ 2003.. هذه الأموال المستباحة كانت كفيلة بأن تضع البلاد في مكان أفضل”، وذلك خلال تقديمه مشروع قانون “استرداد الأموال المهربة”.
ويصنف العراق ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم، حيث احتل المرتبة 157 في “مؤشرات مدركات الفساد” الصادر عن منظمة الشفافية الدولية عام 2021.