شغلت مفردة “بدر” على مدار اليومين الماضيين حيزا في المحتوى الإعلامي لمختلف وسائل الصحافة المحلية بعد أن وردت على ألسن خطباء الجمعة، وإن اختلفت مدلولاتها وتوظيفها بين لسان شيعي وآخر سني.
فسنيا، اتفق خطباء، وربما ساسة، على تسمية الجمعة الماضية بـ(جمعة على خطى أهل بدر سائرون).. ومع أن هذه التسمية جاءت لتزامن الجمعة مع ذكرى معركة بدر التاريخية إلا أن الخطباء لم يتورعوا في توظيفها ضد “الشيعة”!
ففي سامراء قال خطيب الجمعة إن “رسالتنا إلى المليشيات، أن أهل السنة والجماعة سيسحقونكم بأقدامهم كما سحقوا المشركين يوم بدر”.
هل لاحظتم توظيف “بدر”؟
أما خطيب الفلوجة فقال “إن حكومة المالكي سوف يأتيها يوم كيوم بدر عندما انتصر المسلمون فيه على الكفر, وفي ذلك اليوم سوف تسحق فيه حكومة المالكي وننتصر عليه بإذن الله”.
أظن أنكم انتبهتم إلى وعيد “بدر”.
ولم يختلف عنهما خطيب جمعة ديالى الذي دعا “أهل السنة” للخروج وحماية أنفسهم من “بطش الميليشيات” حاله حال خطيب جمعة الرمادي الذي قال إن “الحكومة هي الراعي الرسمي لتلك المليشيات التي تقتل وتهجر على الهوية (…) إذا لم تقم الحكومة بحماية أهل السُنة من الميليشيات، فسنضطر لتشكيل قوات لحمايتهم”.
وقبل أن أعلق على هذه الخطب أورد نداء وجهه خطيب جامع 17 رمضان في بغداد إلى “أصحاب العمائم من أصحاب السماحة” إذ قال لهم “لا تجعلوا أصواتا نشازا تخرج من بيتنا تدعو إلى الفتنة والفرقة والتناحر، فليعلو صوت الوحدة والألفة والضمير الإنساني الحي الذي يحرّم الدم العراقي”.
هنا يبدو أن الخطيب الأخير يقصد الخطباء الآخرين! ولكني لا أدري بمن يريد أن يعلي صوت الوحدة ويحرّم الدم إذا كان زملاؤه “يجيشون” الشارع ويحثوه على مقاتلة “الميليشيات” وهي استعارة مفضوحة عن الشيعة؟!
لا أريد أن أكيل الاتهامات المجانية بالعمالة لخطباء السنة، وإن كانت “قبعة” سعيد اللافي في تركيا “أنسنته” أكثر من عمامته في “ساحة العزة والكرامة”!
أما شيعيا، فقد أطلق صدر الدين القبانجي، خطيب الجمعة في النجف، دعوة لتسليم ملف الأمن في البلاد إلى منظمة “بدر”، وكانت دوافع دعوته كما أعلنها في الخطبة تتركز في أن “البدريين” يمتلكون الإخلاص والتضحية والكفاءة.
ولعل من المفيد الإشارة إلى أن دعوة القبانجي تزامنت مع الذكرى 32 لتأسيس منظمة بدر، ولا أرغب هنا بالتطرق إلى تاريخ بدر (التشكيل، والتسمية، والتمويل، والتسليح، والعمليات، والارتباط، والتحول) لكني أؤشر غرابة الدعوة في ظل محسوبية القبانجي على المجلس الأعلى وخروج منظمة بدر من الأخير إلى دولة القانون.. هل سنشهد خطيبا آخر يضع نظارة “راي بان” على عينيه في طهران؟!
دعوة القبانجي “البدرية – كما لاحظتم”، وبحسب المنطق السني، تريد تسليم الأمن لـ”الميليشيات” مباشرة لا دمجا هذه المرة، فيما “أهل السنة والجماعة” يريدون مقاتلة “الميليشيات”!
تهميش: حين كانت الحرب الأهلية مستعرة في 2006 – 2007 كانت الحدائق الخلفية لها في دول الجوار تشهد استقرارا، لكن احتراقها اليوم مع “حروب الإسلام السياسي” يهدد البلاد بحرب جديدة.. تعيش “بدر” وتسقط البلاد!