خطر جدا أن يجري الانتقال في الدراما العراقية التي تمولها الدولة من الرؤية السنية البحتة لأحداث صدر الإسلام وما تلاها من عصور، إلى الرؤية الشيعية البحتة.. ألا توجد حلول وسطى؟
طيب ذلك كان عهدا دكتاتوريا بحسب اتفاق الطبقة السياسية الداخلة في العملية السياسية من الطائفتين على اختلافات مفهومة في تقييمه، وما جرى فيه ليس أنموذجا يقتدى.. والآن أما من وسيلة لتحاشي الشائك من التاريخ أو التعامل مع هذا الشائك بطريقة على نحو لا يحوله إلى لغم يدفع ضريبته دما مواطنونا من كل المكونات الناجون بأعجوبة من ثلاث حروب مدمرة وما تلاها من كوارث (الحصار والاحتلال والإرهاب..) ما زالت مستمرة، على أساس الانتماء المذهبي والديني والقومي، ويصول فيه مسخ الإرهاب الأعمى والمبصر المدعوم من أطراف خارجية عدة ومن جهات داخلية أيضا، مرتكبا مجازر غير مسبوقة في تاريخ البلاد بهذه الكثافة والفتك والاستمرارية، حتى أن عدها إبادة جماعية للشعب قليل بحقّها.
وإذا كان البرلمان العراقي تحت ضغط من كبرى كتله \”التحالف الوطني\” صوّت العام الماضي على رفض عرض مسلسل غير عراقي اسمه \”الحسن والحسين ومعاوية\” في قنوات عراقية لما اعتُبر تزييفا للتاريخ وسط احتجاجات من الحزب الإسلامي مثلا استمرت طويلا، فكيف يجري التعامل مع أعمال درامية تنتجها مؤسسة كشبكة الإعلام العراقي تمولها الدولة وتقدم رؤية تاريخية لمذهب لا تتفق مع رؤية لمذهب آخر.. أو أن تقدم القناة العراقية الممولة من المال العام أعمالا درامية إيرانية تتناول التاريخ الإسلامي المشترك بطريقة يعتبر سنة العراق من غير المتشددين أن فيها تزييفا للأحداث وإساءات لشخصيات لهم يحظون بالتبجيل.. وإثارة للكراهية ضدهم.
وأتساءل: أليس خروج أشخاص في الأعظمية مؤخرا يلعنون شخصيات إسلامية لها مكانتها.. واحدة من نتائج هذا التعامل غير الحصيف مع أحداث تاريخ كان ينبغي أن يجري التعامل معه بحيث يكون جامعا لا مفرّقا؟ أليست هذه رسالة تدفع باتجاه تجفيف منابع العنف المجتمعي القائم على كراهية الآخر المختلف مذهبيا أو دينيا أو قوميا أو مناطقيا؟
أليس المطلوب الآن وفي ظل هذه الحالة أن تُقدَم أعمال درامية تركز في أرضيات المحبة المشتركة بين العراقيين بأديانهم المختلفة (وليس الاقتصار على تاريخ الإسلام فقط) وقومياتهم وأعراقهم، تعزز فيهم قيم المواطنة الحقة؟ وأن لا توظف أية مبالغ من المال العام تخدش مشاعر المكونات العراقية، كما حصل مؤخرا في عرض مسلسل اعتبره الصابئة المندائيون مسيئا.
وأليس من المطلوب أن تتشكل هيئة عراقية تتمثل فيها شخصيات ثقافية معروفة من المكونات المختلفة لتضمن أن ما ينتج من أعمال تمولها الدولة لا تخرج عن هذا المعيار ولا تسيء لمعتقدات مكون.. أليست فكرة كهذه يمكن أن تسهم في تعميق المساحات المشتركة بين العراقيين التي قلصتها السياسيات الطائفية القديمة والجديدة؟
* باحث وصحفي