أحد الخيارات الصعبة التي من الممكن ان تتخذ في حال توجيه ضربة عسكرية لسورية، والتي لا تبدو انها قريبة او \”محسومة\” حتى الان، اغلاق مضيق هرمز، من ضمن عدة سيناريوهات سورية – ايرانية مقترحة للخروج من \”كماشة النار\” الغربية، غير ان العراق يقف وسط \”العراك\” مجرداً من اي سيناريو، على الرغم من تطمينات رئيس الوزراء نوري المالكي الاربعاء الماضي، بكلمته المتلفزة والتي يكتبها بنفسه على غرار التقليد الاميركي.
لكن تطمينات المالكي تهاوت أمس، مع هجمة شرسة جديدة بـ 12 سيارة مفخخة طالت اماكن مكررة، ما يجعل العراقيين في مهب ريح صراع اقليمي نتائجه كارثية على الداخل المتخبط، وبحسب ما يقول مراقبون غربيون ان العراق سيواجه خسارات ثقيلة بوصفه بلدا يعتمد على النفط في تمويل ميزانيته ودفع الرواتب.
الاسبوع الماضي ارتفع سقف القلق في بغداد، فاحتمالات تنفيذ الضربة وتوسع رقعة احتجاجات شعبية ضد تقاعد مجلس النواب الرئاسات الثلاث والوزراء الدرجات الخاصة، مثلت تحدياً مضافاً، غير ان الاجراءات التي اعلن عنها الرجل القابض على الوزارات الامنية منذ اربعة اعوام وجهت الى الداخل بشكل مستفز، فمنعت نحو الفي متظاهر من الوصول الى ساحة التحرير، فيما قمعت بالقوة متظاهرين اكثر في الناصرية، ما اثار امتعاض الشارع ضد القوات الحكومية واتهامها بالضعف.
قبل نحو شهرين اطلق القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، عملية امنية واسعة في \”حزام بغداد\” ومجمله مناطق ريفية منهكة وتفتقر الى الخدمات والتنمية، بحثا عن المجاميع الارهابية التي تروّع العاصمة بهجماتها وتعمل بشكل مسترخ، لكن الحملة سرعان ما اثبتت فشلها ببقاء وتيرة الاعتداءات على ذات الخط البياني المتصاعد، لتعلن وزارة الداخلية عن حملة داخل بغداد ضغطت على مواطنيها عقب يوم من التظاهرات (الاحد الماضي) ما جعلهم يشعرون بأنها \”عقاب جماعي\” على تمردهم السلمي، فضلا عن إعلان عمليات بغداد اطلاق منطاد مراقبة.
قبل نحو اسبوع وقبيل ظهور المالكي على شاشة القناة شبه الرسمية، الاربعاء الماضي، شنت الجماعات المسلحة برعاية \”القاعدة\” هجمة جديدة، غير ان رئيس الوزراء آثر الحديث عن الوضع السوري، ولم يشر الى تلك الهجمات او يستنكرها على الاقل، وقال ان \”العراق في حالة استنفار قصوى تحسبا للهجوم على سورية، وانه (العراق) استعد جيدا لمواجهة التحديات الخطيرة على الوضع الامني\”، فيما كانت السيارات المفخخة تتفجر وتقتل مزيدا من العراقيين في الشارع دون ان تعترضها القوات الامنية.
عضو لجنة الامن والدفاع النيابية والمنتمي الى التيار الصدري، الخصم الصديق لحزب الدعوة داخل التحالف الوطني المفكك، النائب حاكم الزاملي، يقول في حديث مع \”العالم الجديد\” امس، ان \”قادة الاجهزة الامنية، يزودون المالكي بتقارير مظللة، على ان الامن مستقر، والعمليات الامنية العشوائية ناجحة، والوضع مسيطر عليه، لكن بالنهاية المواطن يدفع الثمن كما حصل اليوم (أمس)\”.
ويعيب الزاملي على القوات الحكومية قيامها بحملة امنية في \”حزام بغداد\” في تقارب مع موقف القائمة العراقية المناوئة لمجمل سياسات المالكي، ويلفت الى ان \”طريقة الضربات الاستباقية لا تؤدي غرضها الحقيقي، فاغلب الاعتقالات لم تتم وفق عمل استخباري دقيق\”، مستدركاً ان \”ما نريده منع العمليات قبل وقوعها واعتقال المتورطين، شرط الا تكون بشكل عشوائي، وجمع اعداد كبيرة من الناس، بالنتيجة حتى الذي يؤيدون سياسة الدولة يتحولون ضدها\”.
وينبه \”ليس كل حزام بغداد أماكن معادية\”، مضيفا \”هو يحتوي على مناطق ايواء، ومزارع وابنية خالية تسمح بالاختباء، ولا تستطيع القوات الامنية السيطرة عليها، لكن الاعتقالات يجب ان تتم وفق مذكرات اعتقال اصولية على اساس معلومات استخبارية دقيقة\”.
ويقرّ الزاملي، والذي كان يشغل قبيل دخوله الى النادي النيابي وكيلا لوزارة الصحة، بأن \”الجهد الاستخباري ضعيف، والقائمين على العمل الامني ليسوا بالمهنية المطلوبة، ولم يطوروا اجهزتهم الاستخبارية من منتسبين وضباط صغار عبر التدريب، ولم يعتمدوا على تقنيات حديثة، هم مازالوا يستعملون معدات وطرق بدائية\”.
التردي الامني الضاغط، جعل من المؤسسة العسكرية تظهر الفشل تلو الفشل في ضبط الاستقرار، مع مزيد من الخطط الامنية التقليدية، بعد كل هجوم مفخخ يزيد حرج رئيس الوزراء، لكنه حتى الان لم يبلغ به الامر الى تقديم الاستقالة، ويجد الزاملي، ان \”نشر السيطرات ونقاط التفيش لم تعد نافعة، لكونها باتت مشخصة ومحددة من قبل الارهابيين، وتقنياتهم تفوق تقنيات القوات الامنية\”.
ويقترح الزاملي توظيف التقنيات الامنية الحديثة، كـ\”استخدام معدات التنصت والتشويش، واجهزة كشف المتفجرات، والطائرات المسيرة\”، ويبدو مدافعا عن فكرة الطائرات المسيرة، بأن \”اكثر دول العالم تستخدمها، في المراقبة والكشف والتصوير والمتابعة، والاعتماد على الكاميرات الحرارية\”.
النائب عن التحالف الكردستاني حسن جهاد، وهو عضو بذات اللجنة النيابية الامنية، ينبه في حديث مع \”العالم الجديد\” امس، الى ان \”الجماعات الارهابية باتت تنقل هجماتها واوكارها من الخارج الى داخل العاصمة والى مدن الجنوب، لذا يجب تلبية مطالب القوات الامنية في التحديث\”.
وتعرضت بغداد مساء أمس الثلاثاء، الى هجمة غير متوقعة بأكثر من 12 سيارة مفخخة في عدد من مناطق العاصمة، أبرزها في الجادرية والاعلام والشرطة الرابعة والخامسة والزعفرانية والطالبية خلفت اكثر من 80 قتيلا، واكثر من 100 جريح، ولم يتسن الحصول على احصائية رسمية، بسبب عدم رد المتحدث باسم الداخلية العميد سعد معن رغم تكرار الاتصال به عدة مرات.
وافاد شهود عيان من منطقة الاعلام في البياع جنوب بغداد، لـ\”العالم الجديد\”، ان \”الهجوم استهدف مجمعا تجاريا جديدا مكتظاً بالمتبضعين، بعد السادسة عصرا بقليل، بسيارتين مفخختين\”، واضافوا ان \”8 سيارات اسعاف توجهت الى محل الحادث على الاقل\”.
ويعرب النائب جهاد عن اعتقاده بأن \”التدهور الامني بات ضاغطا، والعمليات أحدثت عدم استقرار على الارض، لذا التدخل لوقف العنف اصبح ملحا\”.
ويكشف جهاد ان \”العراق عقد تفاهمات مع الولايات المتحدة لمحاربة الارهاب، ومنها استخدام الطائرات المسيرة بدون طيار، لاستهداف المجموعات الارهابية واوكارهم واجتماعاتهم\”، ملمحا الى أن \”الفترة المقبلة قد تحمل معها، استخدام اجهزة سونار متطورة في عدد من الاماكن في بغداد\”.
الارباك الامني الواضح في العراق، يجعل الحكومة غير قادرة على ضبط الاستقرار فيه، في حال شنت الولايات المتحدة \”هجمة تأديبية\” على سورية، لكنها حتى الان مترددة، والحلفاء المرتقبون لا يسعون الى التورط لوحدهم بالحرب، ولا يبدو ان الرئيس اوباما سيحصل على موافقة الكونغرس لشن الهجمة التي تتخوف منها اطراف اقليمية عدة.
صباح أمس، توقفت انفاس العالم للحظات، فيما تسارعت نبضات عواصم المنطقة، مخافة ان يكون الهجوم قد بدأ مباغتا، بعد ان اعلنت موسكو ان صاروخين بالستيين اطلقا شرق المتوسط، وبعد نفي اسرائيلي اميركي، اعترفت تل ابيب ان الصاروخين كانا تجربة اسرائيلية اميركية مشتركة لفحص قدرات نظام الدفاع الجوي \”حيتس\” والرادار الاميركي المشترك في صحراء النقب.
وضع العراق الاقليمي يجعله في موقف خانق اذا ما اندلعت الحرب مع سورية، فهو على تماس بالخاصرة السورية الرخوة حدوديا، فيما يعد ممرا آمنا للمساعدات الايرانية العسكرية، ولن يقف على الحياد وان اعلن النأي عن النفس، غير ان مصالحه الاقتصادية ستضرب في مقتل، اذا ما اغلقت ايران مضيق هرمز.
ويجد عضو اللجنة الاقتصادية النائب محما خليل، في حديث لـ\”العالم الجديد\” امس، ان \”العراق بلد تعتمد اقتصاده الى ما نسبته 95% على النفط، واذا اغلق هرمز فيتضرر الى حد كبير وستتوقف اغلب الصادرات\”.
ويقلل خليل من حجم الضربة الاميركية لسورية، غير انه يتخوف من \”استمرار الضربات ودخول ايران في حرب مباشرة مع الغرب\”، لذا يوصي بـ\”أخذ الحيطة والحذر وأخذ جميع الإحتمالات بعين الإعتبار\”.
ان اغلق هرمز فان الامل العراقي بالخروج من الضائقة الاقتصادية يظل شحيحا، مع تعثر العلاقة بالمملكة العربية السعودية وعدم تفعيل انبوب الخط الناقل الى البحر الاحمر، والذي بناه النظام العراقي السابق اثناء الحرب العراقية الايرانية تحسبا لغلق هرمز، غير ان النظام الجديد لم يعبأ كثيرا باحياء الشريان الحيوي، في ظل وجود تحديات اكبر وارتفاع اسهم احتمالات اندلاع الحرب، فيما يظل تعويل العراق على خط كركوك – جيهان، فاقدا لاي قيمة في ظل تكرار الهجمات وتوقف الخط بشكل شبه يومي، وكان اخرها فجر أمس الثلاثاء.
ويعلق عضو لجنة النفط والطاقة النيابية في تصريح صحفي اطلعت عليه \”العالم الجديد\”، ان \”\”الكثير من الأمور التي تخص السياسة النفطية في العراق تفتقر إلى الرؤية الواضحة\”.