يعاني قطاع التربية في العراق من تحديات عدة، أبرزها النقص الحاد في الأبنية المدرسية، والذي دفع باتجاه الدوام الثلاثي في الكثير من المدارس الحكومية، حتى تحول الأمر إلى مشكلة مزمنة لم تتمكن كافة الحكومات المتعاقبة من حلها، وعرض الكوادر التدريسية والطلبة إلى ضغوط كبيرة، فيما قابلت وزارة التربية الحالة بالتعويل على “المشروع الصيني” في التخلص من المشكلة بشكل نهائي.
ويتمثل الدوام الثلاثي، بدمج ثلاثة مدارس في بناية واحدة، تتوزع فيها أوقات الدوام بين الصباحي والظهري والمسائي، ما يعني تقليل ساعات الدوام لاستغلال الوقت بشكل أكثر، ما يربك الطلبة وإدارات المدارس على حد سواء، فيما تتفاقم المشكلة أكثر مع تداخل عمل إدارتين مختلفتين مع عدد كبير من الطلبة، حيث يبدأ الدوام الأول بين الثامنة و11 صباحا، والثاني بين 11 صباحا و الثالثة مساء، أما الثالث فيكون بين الثالثة والسادسة مساء.
وحول هذا الأمر، يقول المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “مشكلة الدوام الثلاثي تراكمت بعد توقف عجلة بناء الأبنية المدرسية منذ العام 2011، وأن وزارة التربية تعمل على التقليل من حدة المشكلة، لكن القضاء عليها يحتاج إلى سنوات”.
ويضيف السيد، أن “الوزارة أطلقت على هذا العام، تسمية عام الأبنية المدرسية، وتم إنجاز أكثر من 500 مدرسة حتى الآن، وستضاف 1000 مدرسة أخرى نهاية العام”.
ويشير إلى أن “مشروع العقد الصيني الخاص بالأبنية المدرسية يهدف للإسهام بحل مشكلة الدوام الثلاثي والدوام المزدوج”، لافتا إلى أن “حاجة بغداد الفعلية للمدارس تصل إلى ثمانية آلاف مدرسة”.
وكانت الامانة العامة لمجلس الوزراء اعلنت في وقت سابق، أن عدد المدارس المنجزة في بغداد بلغ حتى الآن 331 مدرسة في بغداد بسعات تتراوح بين 12 و18 و24 صفا، ضمن الاتفاقية الصينية لبناء المدارس، مؤكدة أنه سيتم انجاز 450 مدرسة من أصل الف مدرسة، وذلك نهاية حزيران يونيو الماضي.
ويدفع تقليل ساعات الدوام في المدارس عن معدلها الطبيعي المعلمين والمدرسين إلى اختصار المواد ودراسة نحو أربعة أو ستة مواضيع في اليوم الواحد، من أجل إنهاء المناهج الدراسية مع نهاية العام، وهو مايعيق استيعاب الطلبة للكثير من المواد.
من جهته، يؤكد مدرس الكيمياء في إحدى مدارس جانب الكرخ ببغداد، مازن علي، ذلك، خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، قائلا “اضطررت لإعطاء الطلبة أربع مواد في الدرس الواحد، بسبب قلة وقت الدوام، فأطلب منهم مراجعتها وتحضيرها لشرحها في الدرس القادم”.
ويوضح علي، أن “هذا الاجراء يخالف القواعد التربوية في التعليم، ولكن لا مناص من ذلك لإكمال المنهج”، مشيرا إلى سعيه لـ”تعويض الطلبة من خلال استغلال ايام العطل لإعطاء دروس إضافية، إلا أن استجابة الطلبة لذلك محدودة في الغالب”.
وتضمنت مشاريع بناء المدارس في العراق هدرا ماليا كبيرا، إذ كشف تحقيق استقصائي نشرته “العالم الجديد” في العام 2018 عن هدر ما يقرب من مليار دولار على بناء مدارس وهمية فساد مشاريع الأبنية المدرسية في العراق، فيما كشفت لجنة النزاهة بمجلس النواب في 16 آب أغسطس الماضي، عن وجود تزوير وشبهات فساد في العقد المبرم منذ سنة 2017 لبناء 89 مدرسة في الأهوار بالمحافظات الجنوبية.
يذكر أن مشروع بناء المدارس الحديدية، من أبرز المشاريع التي انطوت على شبهات فساد كبيرة، حيث أطلق وزير التربية الأسبق خضير الخزاعي، مشروع بناء المدارس الحديدية في العام 2008، وخصص 282 مليار دينار (نحو 239 مليون دولار حسب سعر الصرف السابق) لبناء 200 مدرسة سريعة، بموجب عقدين منفصلين، يعرفان باسم “دولية 1 ودولية 2”.
العام الدراسي الجديد فرض تحديات جمة في العديد من مدارس بغداد، وخاصة تلك التي تقع في المناطق الشعبية، فما أن بدأ الدوام في إعدادية الحسين الواقعة في حي الجهاد، حتى بدأت حملة قام بها الطلبة لنقل رحلاتهم إلى مدرسة أخرى لتقليل الضغط عن هذه المدرسة، إلا أن الضغط نفسه انتقل إلى المدرسة الجديدة.
إلى ذلك، يؤكد الطالب عباس حسن، من إعدادية الحسين في بغداد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بالقول “فوجئنا خلال الأسبوع الأول من بدء الدوام بالانتقال إلى مدرسة مجاورة، وعلينا أن نقوم بنقل الرحلات والسبورات أيضا”.
ويضيف حسن، أن “عملية الانتقال امتدت لأكثر من أسبوع، وتعطلت معها الدروس”، مبينا أن “من المشاكل التي تواجهنا هي نقص الرحلات والسبورات، فضلا عن أن النوافذ محطمة”.
يذكر أن نقيب المعلمين عدي العيساوي، بين في تصريح سابق، أن بغداد بحاجة إلى ثمانية آلاف مدرسة، وهذا العدد ليس هينا، إذ هو يتطلب توفير الأراضي ومدة زمنية لا تقل عن خمسة أعوام، مؤكدا أن نقص الأبنية المدرسية هو السبب الرئيس لتراجع التعليم في العراق.
يشار إلى أن التعليم في العراق، شهد تراجعا كبيرا في السنوات الماضية، نتيجة للإهمال الحكومي وشبهات الفساد التي تحوم حول مشاريع تطويره، وخاصة بناء مدارس جديدة بعد ارتفاع عدد الطلبة والزيادة السكانية، حيث وصل عدد الطلبة في كل صف دراسي لأكثر من 50 طالبا، في مدارس أغلبها متهالكة.
وبالتزامن مع عدم تطوير قطاع التعليم في العراق، برزت المدارس الأهلية كبديل عن المدارس الحكومية، وباتت أعدادها كبيرة جدا ومنتشرة في أغلب الأحياء السكنية في جميع المحافظات.