الدولة الجارة (داعش)

منذ شهر والعالم السري للتنظيمات السلفية في العالم يعيش غليانا لم يشهده من قبل. أعلن أبو بكر البغدادي بسط يده على جزء مهم من ذلك العالم، داعيا كل الفصائل المقاتلة في كل مكان إلى مبايعته أميرا للمؤمنين. وقد واجهت الرغبة السلفية العراقية تلك سيلا من الرفض وسيلا من القبول في آن واحد، وصل الأمر إلى أن يتحدى الخليفة الجديد السلطة الكارزماتية لأيمن الظواهري الضعيف، زعيم تنظيم القاعدة المتهالك في رفضه لهذا الإعلان، الأخير الذي لا زال يؤمن بمفهوم الفصائل القديم وهو محاصر في الجبال بين باكستان وأفغانستان ينعش نجمه الآفل، بينما تبايع المجموعات المتطرفة أميرها الجديد أبا بكر البغدادي بشكل يومي على شكل وفود وإنْ تعذر فعلى شكل مقطع فيديو.

ممّا تقدم يتضح لي أولا أن سياسيي الشرق الأوسط والعراقيين منهم تحديدا لا يعيرون للزمن أهمية كبرى، وليس مهما لهم أن يعلن احد دولة بين ظهرانيهم اليوم رغم أن الغد ربما سيأتي بدولة جديدة في المنطقة أسمها داعش. 

غاية ما تطمح له التنظيمات السلفية هو الاستقرار والاستمرار وتكوين الهوية. وهذا بالتحديد ما يرونه متجسدا في مجلس شورى المجاهدين الذي تأسس في العراق منذ 8 أعوام وتطور إلى جبهة ومن ثم إلى دولة العراق، ليضاف لها الشام حديثا. 

إن ترك هذا التأسيس دون تقويض سريع، ربما سيكون الخطأ الأكبر الذي يتحمله ساسة العراق في مرحلة ما بعد صدام، وذلك برأيي عائد إلى أن العالم الإسلامي حديث عهد بالنهضة والحداثة المشوهتين منذ قرن، ويمكن العودة بسهولة إلى مفهومي البيعة في العنق ودار الحرب ودار السلم، اللذين يجعلان داعش أكثر التصاقا بالأرض. 

وتتركز المسؤولية في يد العراقيين لان \”أمير المؤمنين\” البغدادي هذا، عراقي الجنسية وقد قام بإزاحة العنصر العربي في التنظيمات إلى منطقة أدنى وهو كذلك أذكى قادة التكفير في العراق، ذلك لأنه استطاع إيجاد مجموعة حلول لتثبيت الحاضنة السنية بشكل جزئي وإخضاعها له في السنوات الثلاث الماضية من خلال التفاوت الزمني في العمليات العسكرية الذي يجعل التوتر المذهبي لا يصل إلى ذروته وينفجر كما حصل عام 2006 عدا عن التكتيكات الجديدة في اقتحام المؤسسات الذي يثبت هشاشة الدولة العراقية وإعادة تفعيل تنظيمات ميتة مثل أنصار الإسلام في كردستان.

لو انهار مجتمع المناطق السنية من الجانب العراقي مثلما هو الحال في الجانب السوري تحت ضغط القوة العنفية لداعش وأمام اعترافات دولية محتملة بهذا التكوين، سيكون الحاكم العراقي مجبرا على قبول وجود هذه الدولة خصوصا وان تحركه العسكري ضدها – إن كانت له القدرة عليه – سيكون في نظر العالم حربا طائفية، وهنا سنبدأ بمراقبة أسوأ أنواع التقسيم الممكنة لبلد واحد عبر العصور.

التنظيمات السلفية التي تمسك الأرض في القوقاز وأجزاء من أفغانستان وباكستان والصومال واليمن وليبيا والجزائر والفلبين مرشحة لمبايعة أبي بكر البغدادي الذي يدعي نسبا هاشميا، وتتوفر فيه على حد تعبير صاحب رسالة \”مد الأيادي لمبايعة البغدادي\” كل الصفات الضرورية لخليفة المسلمين، ويأتي ذلك منطقيا بعد أن خبا نجم القاعدة مع مقتل زعيمها ابن لادن لتكون داعش بحكومتها العراقية وعاصمتها العراقية على الأغلب هي التنظيم الأخطر في العالم اليوم، والأكثر توسعا. ويكفي أن نتذكر حقيقة أن أبا مصعب الزرقاوي وأبا عمر البغدادي وأبا أيوب المصري قُتلوا على يد الطيران الأمريكي الذي لم يعد موجودا اليوم ليقتل الخليفة الداعشي للأسف.

إقرأ أيضا