الرئيس روحاني و(الحرس الثوري)

شكل علاقة الرئيس حسن روحاني مع \”فيلق الحرس الثوري الإسلامي\” الإيراني عملية مركزية تتميز بفاعلية مستمرة في سياسة البلاد واقتصادها. وكما هو الحال دائماً، فإن آية الله علي خامنئي هو الذي يحدد في النهاية أدوار الرئيس و\”الحرس الثوري\”، لذلك سعى روحاني إلى متابعة الأولويات الاقتصادية لسياسته دون اجتياز صلاحية المرشد الأعلى أو النخبة العسكرية حول القضية النووية.

ضبط الدور السياسي والاقتصادي لـ\”الحرس الثوري\”

على عكس الرؤساء السابقين، يبدو روحاني غير راغباً في السيطرة على \”الحرس الثوري\” أو تحدي مباشرة نفوذه على مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية في إيران. وبدلاً من ذلك، تَمَثل نهجه في إعادة تشكيل مهام \”الحرس الثوري\” بواسطة المرشد الأعلى – الذي هو القائد العام للقوات المسلحة بأكملها – بدلاً من اتخاذ مبادرة مستقلة. ويعني ذلك إقناع خامنئي على تحسين الاقتصاد من خلال ضبط دور \”الحرس الثوري\” في السياسة والأعمال، والحد من تأثيره على القطاع العام وإضعاف قدرته على المنافسة مع القطاع الخاص.

وبالفعل، فقد كبح روحاني دور \”الحرس الثوري\” في بعض المشاريع الاقتصادية، ولم تعتبر القيادة العسكرية حتى الآن بأن تصرفاته تشكل تهديداً. ورد \”الحرس الثوري\” بقوة ضد التصريحات والسياسات المتحدية للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ولكن في تعامله مع أجندة روحاني لم يذهب أبعد من الخطوط التي رسمها خامنئي. وقد يكون هذا الموقف أيضاً دليلاً على خلفية الرئيس الجديد – فقد عمل روحاني في الجيش والأجهزة الأمنية منذ بداية الجمهورية الإسلامية.

ويبدو أن روحاني والمرشد الأعلى ينظران إلى خفض الدور الاقتصادي لـ \”الحرس الثوري\” بأنه يعتبر تحركاً عملياً أكثر من كونه مناورة سياسية. ولم تكن الإدارة الاقتصادية لـ \”الحرس الثوري\” في العديد من المناطق مربحة بما فيه الكفاية بالنسبة للنظام. وعلاوة على ذلك، فإن هيمنة الجيش على المجال الاقتصادي قد هددت الشرعية الداخلية للنظام، وعرّضته لمزيد من العقوبات الدولية، لأن الشركات التي يديرها \”الحرس الثوري\”، تشكل أهدافاً سهلة للحكومات الغربية.

ويهتم روحاني بالاقتصاد أكثر من أي قضية أخرى، لذا فقد يكون قد أقنع المرشد الأعلى بأن إنهاء العقوبات وجذب المستثمرين الأجانب وتحسين الإدارة سيكون أسهل بكثير إذا وافق \”الحرس الثوري\” على الحد من شهيته الاقتصادية. ومنذ توليه منصبه، خفض الرئيس الجديد أيضاً من ميزانية ميليشيا \”الباسيج\”، ورفض زيادة ميزانية \”الحرس الثوري\”، وعيّن عدداً من قادة \”الحرس الثوري\” في حكومته الذي هو أقل بكثير من عدد الذين عيّنهم أحمدي نجاد.

ولكن لا يزال روحاني يرى دوراً اقتصادياً حيوياً لقوات \”الحرس الثوري\”. ففي خطابه في 16 أيلول/سبتمبر، دافع عن الفيلق ونفى \”الشائعات\” حول امبراطوريته الاقتصادية وقال: \”الحرس الثوري ليس منافساً للشعب أو القطاع الخاص. وهو ليس مقاولاً مثل أي مقاول عادي آخر… ينبغي على \”الحرس الثوري\” أن يتولى مشاريع كبيرة لا يستطيع القطاع الخاص التعامل معها… و \”الحرس الثوري\” على علم بظروف الحكومة والبلاد بشكل جيد للغاية… كنا نبيع 2.5 مليون برميل من النفط يومياً، بينما نبيع الآن أقل من مليون ب/ي، في عام نحتاج فيه إلى استيراد 7.5 مليون طن من القمح. ولذا يتوجب على \”الحرس الثوري\”… تقاسم أعباء الحكومة\”.

أما بالنسبة للدور السياسي لـ \”الحرس الثوري\”، فيبدو أن خامنئي وروحاني يتفقان في الرأي. ففي اجتماع مع قادة \”الحرس الثوري\” في 17 أيلول/سبتمبر، قال خامنئي : \”«الحرس الثوري» هو الوصي على الثورة الإسلامية. لا أريد أن أقترح بأنه يتعيّن على \”«الحرس الثوري» أن يكون الوصي في جميع المجالات : العلمية والفكرية والثقافية والاقتصادية. كلا… ليس من الضروري أن ينخرط «الحرس الثوري» في المجال السياسي لكي يحرس عليه، لكنه يجب أن يكون على دراية في المجال السياسي… ومن السذاجة بمكان الحد من التحديات التي تواجه الثورة وتركيزها على التحديات السياسية والحزبية والفئوية. هذه ليست التحديات الرئيسية للثورة.

هذه معركة بين الفصائل السياسية… إن التحدي الرئيسي للثورة هو تقديم نظام جديد للإنسانية… أنتم الأوصياء على الثورة الإسلامية؛ وهذا لا يعني أنه يتوجب عليكم أن تكونوا موجودين في جميع المجالات والميادين\”. وكان هذا نفس الخطاب الذي تحدث فيه عن \”المرونة البطولية\” في الدبلوماسية – وهي صياغة تفسَّر على نطاق واسع كموافقة على الهدف الجديد للرئيس والمتمثل في التعاطي مع الغرب بشأن القضية النووية.

وقبل يوم من تصريحات خامنئي، خاطب روحاني شخصياً قادة \”الحرس الثوري\”. وعلى الرغم من أنه وصف الفيلق باسم \”حبيب القلوب\”، أشار إلى أنه \”يجب على «الحرس الثوري» فهم السياسة جيداً ولكن لا ينبغي عليه التدخل فيها لأنه تابع للأمة الإيرانية كلها\” – وهذه نفس الرسالة بالضبط التي نقلها خامنئي في اليوم التالي. وقد انتقد كلا الرجلين دعم \”الحرس الثوري\” لفصائل سياسية محددة.

ولا يشكل الإصلاحيون أو نشطاء \”الحركة الخضراء\” تهديداً لسلطة خامنئي في الوقت الراهن، لذا فإن المرشد الأعلى لا يحتاج بأن يلعب \”الحرس الثوري\” دوراً جريئاً في السياسة. ومع ذلك، فقد يتغير موقفه إذا تغيرت احتياجاته السياسية.

روحاني و \”الحرس الثوري\” حول القضايا النووية

في 30 أيلول/سبتمبر، أشاد القائد العام لقوات \”الحرس الثوري\” الفريق محمد جعفري بخطاب روحاني في الأمم المتحدة الذي ألقاه في 24 أيلول/سبتمبر وبمبادراته الدبلوماسية في نيويورك لكنه انتقد محادثته الهاتفية مع الرئيس أوباما التي جرت في 27 أيلول/سبتمبر وشهدت زخماً إعلامياً كبيراً، حيث قال: \”لقد أثبت السيد روحاني والوفد المرافق له في هذه الرحلة … بأنهم مخلصين للمبادئ ويسيرون قدماً في اتجاه الثورة الإسلامية، وإطار وسياسات النظام والمرشد الأعلى\”، لكنه أشار بعد ذلك إلى أنه \”كان يجب أن تؤجل المحادثة الهاتفية إلى أن نتحقق من صدقية الولايات المتحدة وخطواتها العملية.\”

وقد اتبع خامنئي مساراً مماثلاً. وإذا كان قد وافق على المكالمة الهاتفية مسبقاً أم لا، فقد رأى المرشد الأعلى بأنه من الضروري أن ينأى بنفسه منها بصورة علنية من أجل الحفاظ على صورته المعادية للولايات المتحدة. فخلال خطاب ألقاه في 5 تشرين الأول/أكتوبر وصف ضمناً تلك المكالمة بأنها \”غير لائقة\”. ولكنه قدم أيضاً دعماً قوياً وصريحاً لـ \”ديناميكية روحاني الدبلوماسية\”، مشيراً إلى أنه يثق في فريق التفاوض وعبّر عن تفاؤله بنجاحهم. بالإضافة إلى ذلك، وضع حدود للمتشددين الذين ينتقدون مبادرات روحاني. وفي 3 تشرين الثاني/نوفمبر، وبعد اشتداد حدة تلك الانتقادات، دافع خامنئي بصراحة عن جهود روحاني تجاه القضية النووية : \”لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى أعضاء فريقنا التفاوضي بأنهم يريدون التوصل إلى حل وسط؛ فهم أبناؤنا وأبناء الثورة. لديهم مهمة صعبة، ولا ينبغي لأحد أن يسعى إلى إضعاف مسؤول يقوم بواجبه الرسمي\”.

ولم يَعْبر \”الحرس الثوري\” الخط مطلقاً في انتقاد المفاوضات النووية، إلا أن ذلك يعود إلى حد كبير لأن قادته يشاركون رسمياً في وضع السياسة النووية. وفي 5 أيلول/سبتمبر، كلف روحاني وزارة الخارجية بإجراء المفاوضات النووية. ولكن كما أوضح وزير الخارجية محمد جواد ظريف للصحفيين في 10 أيلول/سبتمبر، \”سوف تتُخذ السياسات والقرارات بشأن القضايا النووية في «المجلس الأعلى للأمن القومي» … على أساس الضروريات؛ إن وزارة الخارجية مخولة لاستخدام الاستراتيجيات والتكتيكات المناسبة للمفاوضات\”. وكل من المرشد الأعلى و\”الحرس الثوري\” ممثل تمثيلاً جيداً في «المجلس الأعلى للأمن القومي».

كما أن الفريق جعفري هو عضو في «المجلس»، وقدعين خامنئي ممثلَيْن شخصيَيْن له في الهيئة وهما: الأمين العام لـ «المجلس» علي شمخاني والمفاوض النووي السابق سعيد جليلي. ويعطي هذا الترتيب القدرة لـ «المجلس الأعلى للأمن القومي» على صياغة السياسة النووية وتحديد اتجاه المفاوضات حتى في الوقت الذي تجري فيه وزارة الخارجية المحادثات بنفسها.

وتعكس أيضاً تصرفات المرشد الأعلى خارج الساحة النووية اعتقاد خامنئي بأن روحاني ومجلس الوزراء يخضعان بقوة إلى نفوذه. على سبيل المثال، فوّض خامنئي سلطته على الشرطة – التي كانت سابقاً تحت إمرته مباشرة – إلى وزير داخلية روحاني، عبد الرضا رحماني فضلي، الذي لا يتمتع بخلفية عسكرية ولكنه عمل ذات مرة في جهاز الاستخبارات والأمن الوطني. ولم يفعل خامنئي الشيء نفسه في ظل رئاسة محمد خاتمي، الرئيس الإصلاحي السابق الذي قارنه ذات مرة العديد من المراقبين بروحاني.

الخاتمة

لعل أفضل ملخص لمنهجية روحاني تجاه \”الحرس الثوري الإيراني\” قد ظهر في 17 ايلول/سبتمبر في مقالة على موقع \”آليف\”، الذي يديره النائب المحافظ البارز أحمد توكلي. وقد وصفت تلك المقالة غير الموقعة الرئيس روحاني بأنه شخص \”يتفهم علاقات القوة في الجمهورية الإسلامية… ويعلم أن نجاحه يعتمد على المشاركة البناءة مع المؤسسات المؤثرة… وعلى عكس خاتمي، لا يرى الرئيس الإيراني أن التعاطي مع \”الحرس الثوري\” يشكل عقبة أمام الديمقراطية، وعلى عكس أحمدي نجاد، لا ينظر إلى مثل هذه المؤسسات باعتبارها عائقاً أمام سلطته المستقلة… وقد يكون لديه بعض التعاطف تجاه خاتمي أو أحمدي نجاد، لكنه يتبع مساراً مختلفاً ويفضل عدم خلق توتر مع هذه المؤسسات\”. ووفقاً للمقالة، يتصرف روحاني بطريقة \”تشعر فيها جميع المؤسسات القوية بأنها مدينة له، وهذا هو سر بقاء التكنوقراط التقليديين في الجمهورية الإسلامية\”.

ومن الناحية العملية، أدى هذا النهج إلى تعاون روحاني مع خامنئي في العمل على ضبط الوظائف الاقتصادية لـ \”الحرس الثوري\”. ويتناسب ذلك مع مصلحة خامنئي الواضحة في ضمان [عدم تعزيز مكانة] \”الحرس الثوري\” لكي لا يصبح قوياً ويخرج عن نطاق سيطرته. وفي الوقت نفسه، لم يتجاوز روحاني \”الحرس الثوري\” بشأن القضية النووية على الرغم من تواصله المستمر مع الغرب.

 *كاتب إيراني وزميل أقدم في معهد واشنطن.
** المصدر: The Washington Institute for Near East Policy

إقرأ أيضا