صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الرتبة العسكرية العراقية من مراسيم البعث إلى بركات الحوزة

(اذا اردت ان تكون ملكا .فكن ضابطا في الجيش العراقي) مقولة يقال انها صدرت من جنرال اسرائيلي احتراما لمكانة الضابط العسكري العراقي انذاك الوقت.

ربما افرزها واقع السلطة المستبد المهيمن والمستخف بكل شي سواء على واقع الحياة التي ارتدت لون (الخاكي \”القذر\”) في كل الزمن العراقي.

وافرزت سلطة (العسكرتارية) المقيتة التي لا زالت تهيمن بقسوة على حياة (المدنية المحتضرة) في ارض جنائن بابل وسومر. واصبحت الرتبة العسكرية ونجتمها الذهبية أمنية كل المرضى العصابيين والفاشلين (في الحياة) من الطامحين بهوس الامر والسلطة واستعباد الغير بسلطة قانون الرتبة، وعلى هذا المضمار سارت الرتبة وتزويرها المقيت من فوج (موسى الكاظم )الى الجيش الذي اصبح مكروها كالطاعون.

حيث لم يشهد تاريخ الرتب العسكرية تزويرا في كل بقاع العالم مثل ما شهد تزويرا في ارض العراق، حين اصبحت الرتبة العسكرية لا تعتمد على الكفاءة والاختيار والتسلسل الأكاديمي والهرمي، كما هو معمول به في كل بقاع العالم قدر اعتمادها على (الولاء والعلاقات الحزبية والعنصرية الشخصانية).

فالرتبة العراقية في كل عهود الدولة من بداية تشكيل الحكومة الوطنية في العشرينات الى حكومة (الزعيم عبد الكريم) كانت تسير على نظام الاستحقاق والتدرج القانوني العالمي، وان تخللتها (عمليات القبول الخاصة والحصرية لابناء الشيوخ).

في العهد الملكي هذا الأمر الذي انتهى في عهد (الزعيم قاسم)، حيث اعتمدت الرتبة العسكرية على أن يكون الضابط (عراقيا بالولادة) وخريج (كلية عسكرية) او ضابط مجند احتياط (خريج كلية الاحتياط  ومن الحاصلين على شهادة (الدبلوم) او (البكالوريوس) في أي اختصاص مدني، الامر الذي التزم به (الزعيم قاسم ) نفسه ولم يمنح نفسه اية رتبة خارج الصلاحيات القانونية المتعارف عليها في نظام الجيش العراقي بعد نجاح (ثورة تموز 1958). وبعد انقلاب البعث الأول في (شباط الأسود)، بدأت أول بوادر التزوير للرتبة العسكرية عندما منح (عبد السلام عارف) نفسه رتبة (مشير ركن) في سابقة مخالفة لكل نظم الاستحقاق المتعارف عليه في العراق، حين استحدث رتبة متعالية له لم توجد من قبل في قانون الرتب العسكرية العراقية.

وسار الامر بترقيات مخالفة لنظام الاستحقاق لبعض الضباط بغرض كسب الموالاة للنظام الفاشي العارفي، لكن مع كل هذه الانتهاكات للرتبة الا انها لا ترقى الى حجم التزوير الذي بدا واضحا للعيان في انقلاب (البعث التموزي الثاني) حيث اصبحت الرتبة تمنح (للاقرباء) بدون قواعد ثابتة، فاصبح (البكر مهيبا) كامل الهيبة وقائدا عاما للقوات المسلحة وهو خريج من (الصنف الاداري للتموين النقل)، ومنح (صدام حسين) وهو الذي لم يخدم يوما واحدا في الجيش العراقي رتبة (فريق ركن) ومنصب نائب القائد العام للقوات المسلحة، لتكون نقطة بداية لمنح كل الرتب العالية ومخالفة (الهيراركية التراتبية) في نظام الاقدمية للضباط الذين احيل اكثرهم للتقاعد خوفا من توقع عمل انتقامي.

وكان التزوير الثالث حين رقي (عدنان خير الله) من رتبة (مقدم بسيط) الى (رتبة فريق ركن) متخطيا كل الدورات السابقة حين دب الوهن في جسد (البكر) الذي احتفظ بحقيبة الدفاع منذ انقلاب (ناظم كزار) ومقتل وزير الدفاع السابق (حمادي شهاب)، بسبب تفاقم مرض السكر والضغط وعدم استطاعته لادارة الدولة وجيشها ذي (الاربع فرق).

ومع كل هذا التزوير، الا انه كان معدودا على الاصابع وبمراسيم قد يتفق عليها (مجلس قيادة الثورة) و(القيادة العامة) او تحظى بمباركة (القيادة القطرية)، الى ان حجم (التزوير) الذي حصل بعد انقلاب (البعث الثالث) على (البكر) كان لا يقارن بما لا يقاس بكل من سبقه حين منح صدام بقرار مستعجل كل افراد حمايته مراسيم الضباط، وعمليات صعود مفاجئة للرتبة تعد بالاشهر لا بالسنوات واصبحت الرتبة العسكرية تمنح مثل (القبل والتحيات والهدايا) لكل من (هب ودب) ويريد ان يصبح ضابطا في الجيش العقائدي، عندما اصبحت الرتبة محتكرة لمحافظات السلطة البعثية، من (الموصل وتكريت والانبار وديالى) حيث اصبح كل كبار الضباط من قادة الفيالق والفرق والالوية والافواج في زمن (قادسية الفشل).

لكن التحول المثير بعد هزيمة الجيش العقائدي في (الكويت) كان البعث يقابله باساليبه الفاشلة بانتصار في منح الرتبة، التي اصبحت تعلن للشعب في بث مباشر مترافقة مع (شهادات دكتوراه) باستراتيجات التسلح الستراتيجي والدراسات المقارنة مع جيوش الاعداء المتقدمين بما لا يقاس على (جيش الخردة البعثي) لتقرر اللجنة بالاجماع منح نجل القائد (الفريق الاول الركن عدي) الذي لا يتقن نطق نصف جملة مفيدة رتبة (فريق دكتوراه) لتفتح المضمار واسعا لمنح الرتبة بالمجان لكل اعضاء البعث ابتداء من (القيادة القطرية) الى الاعضاء الذين تجاوزوا (المليون) شخص فما عليك الا الانتماء للبعث كعضو بسيط لكي تمنح رتبة (نقيب) تتطور لتصبح (عقيد لعضو الفرقة) الى (لواء لعضو الشعبة)، (ففريق ركن لعضو الفرع)، بالتزامن مع الدورات السريعة لمفوضي الشرطة والمرور والاستخبارات حتى اصبح عدد (الضباط) في جيش العراق يفوق عدد (الجنود).

لكن كل هذه الهدايا والمنح والتزوير في منح الرتبة والسلطة لم تمنع سقوط (جيش العقيدة) المشين ذي الثمانين عاما من الخبرة والتدريب كقلعة رمل امام (المارينز) الذي احتلوا (بغداد) بدون مقاومة تذكر.

وبعد سقوط قلعة البعث الحصينة كانت الرتبة تأخذ ابعادا اخرى في الجيش الذي غير اسمه العتيد الى (جيش الحوزة الجديد) ومسميات رموزها وبقيادات جديدة كانت تحلم يوما بوضع تلك النجوم الذهبية البراقة على اكتافها بعد ان اصبحت الرتبة من كل الاصناف منتشرة في كل (اسواق الهرج) وتباع على (الارصفة) مع بدلتها الرسمية لكل من حلم بها يوما ليتمتع بسلطة النهي والامر.

حين اصبح الامر سهلا جدا ولا يتطلب أي دخول للمدرسة لقطع سلسلة الدراسة الطويلة من الابتدائية وتسلسلها نحو الكلية والدورات المتعبة بالتدريب بالذخيرة الحية ومسيرات التحمل والفرضيات، فما عليك الا الانتماء لاحزاب السلطة الاسلامية الجديدة لكي تنعم باي رتبة تشاءها لتظفر بأي موقع تريده على شرط ان تكون تابعا كامل التبعية، من الماسكين مسبحة سوداء طويلة بيد تضع في اصابعها الخمسة محابس العقيق الجالب للحظ، وتقبل ايدي لابسي العمامة السوداء، لكي تلبس ألبسة الامراء، ورتبة تمنحك نفخة زائفة مثل ديك منتشي تنفخ الكلمات من وراء الأنف باستعلاء مقيت، لتنتج بالنهاية جيشا غبيا، ركيكا، هزيلا، يسقط بأول ضربة كانهيار مبنى التجارة العالمي .

* عسكري متقاعد، برتبة لواء طيار ركن.

إقرأ أيضا