تتفاقم معدلات دفع الرشى في العراق، حيث لا تقتصر على المستويات الدنيا، بل أنها تبدأ من أعلى رأس الهرم، حيث باتت الأحزاب الحاكمة في العراق تبحث عن غنائم الفساد ليس من أجل الإثراء الشخصي فقط، بل للحفاظ على السلطة ونظام الحكم، وتدوير النفايات السياسية.
إذ أفاد مصدر مطلع، اليوم الخميس، بتنفيذ مذكرة قبض بحق أحد العاملين في رئاسة الجمهورية بتهمة تلقي رشى مقابل وعد كاذب بإطلاق سراح متهم.
وتنص المادة 90 من قانون التشريعات العراقي على أن :”كل موظف عمومي (2) او مندوب عن الحكومة، طلب او قبل لنفسه او لغيره هدية او وعدا او فائدة ما، ليس له حق فيها، لحمله او لمكافأته على أداء عمل من أعمال وظيفته او للامتناع عن ادائه او للتأثير على سلوك مصلحة من مصالح الحكومة، او لاستعمال سطوة وظيفته في التعيين لأحد الوظائف العمومية، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنين وبالغرامة او باحدى هاتين العقوبتين، وتصادر الهدية او قيمة اية فائدة اخرى حصل عليها.
وقال المصدر الذي طلب عدم الاشارة الى اسمه في تصريح عممه على وسائل الإعلام من بينها “العالم الجديد”، إن “فريقا من هيئة النزاهة تمكن من إلقاء القبض على (جالاك صباح عمر) الذي يعمل سكرتيرا لرئيس الجمهورية، جراء إقدامه على تلقي رشى من أحد المواطنين مقابل وعد كاذب بإخراج أحد المتهمين”.
هذا ولم يدلِ المصدر بمزيد من التفاصيل.
وجاء ذلك في الوقت الذي تستعد الأحزاب والقوى السياسية العربية السنية في العراق لتطبيق قانون العفو العام الذي أُقر، الأسبوع الماضي، في البرلمان العراقي بجلسة شهدت جدلاً واسعاً وعُرفت باسم “جلسة السلة الواحدة”، كونها شملت التصويت على قانونين آخرين هما تعديل قانون الأحوال الشخصية وإعادة الأملاك إلى أصحابها.
وأشار استبيان نفذته هيئة النزاهة الاتحادية، مؤخرا، شمل 20 دائرة حكومية في عموم العراق، إلى أن “نسبة مدركات الرشوة في العراق بلغت 10.57%، فيما بلغت نسبة حالات دفع الرشوة 4.18%”،وفق التقرير السنوي الصادر عن الهيئة.
وحل العراق في المرتبة 160 عالميا في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية العالمية في كانون الأول 2020.
وأنشئت في العراق مؤسسات كثيرة لمكافحة الفساد، تسببت بتضارب مهامها في طمس الحقائق، كما تم استخدامها في الكثير من الأحيان لاستهداف المعارضين السياسيين.
وقد أثبتت مبادرات مكافحة الفساد كونها حاجزا ضعيفا أمام مسؤولي الحكومة والوزارات الذين يقومون بحماية الأفراد من المساءلة على أساس الانتماء الطائفي والحزبي، حيث يرى مختصون أن الافتقار إلى المساءلة والشفافية يغذي خيبة الأمل ويدفع الكثيرين، وخاصة الشباب، إلى الاحتجاج مثل تظاهرات عام 2019، التي شهدت خروج مئات الآلاف إلى الشوارع، وكانت بمثابة رد ثوري على سلوك الحكومة غير السوي وتورطها بالفساد المستشري.
وتحول الفساد إلى منظومة عمل شبه قانونية، للحفاظ على مكاسب الأحزاب واستئثارها بالحكم من خلال تمويل ميليشياتها ويظهر ذلك جليا في المنافذ الحدودية، وإقامة حواجز تفتيش على الطرق لابتزاز المواطنين، إضافة إلى عمليات الخطف والتهديد، حتى تحول الفساد إلى سلوك اجتماعي خطير.
وتوصلت دراسة “الفساد والنزاهة في القطاع العام العراقي” التي أنجزت بشراكة كل من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة والجهاز المركزي للإحصاء وهيئة إحصاء إقليم كردستان ولجنة النزاهة بمجلس النواب إلى أن “أكثر من نصف مواطني العراق يرون أن الفساد في ازدياد مستمر كما أن المواطن العراقي يدفع حوالي أربع رشى في السنة”.