بعد الأرقام “الهائلة” التي أضيفت للموازنة نتيجة التعيينات التي أطلقتها الحكومة الحالية، تأتي حملة شمول نحو مليوني مستفيد بشبكة الحماية الاجتماعية لتضيف 30 تريليون دينار أخرى، لترفع القيمة الإجمالية للأجور والرواتب في الموازنة إلى 90 تريليونا، وهو ما دفع خبراء بالاقتصاد والسياسة إلى انتقاد تلك الخطوات الحكومية، وفيما عزوها إلى دوافع انتخابية، رجحوا دفعها السوداني نحو “الهاوية”، لكن نائبا عن الإطار التنسيقي دافع عنها، لإنهائها معاناة العوائل الفقيرة.
ويقول الخبير في الشأن المالي والاقتصادي عبدالرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “إطلاق الدرجات الوظيفية بشكل كبير وزيادة المستفيدين بالرعاية الاجتماعية إجراء غير سليم، خصوصاً مع وجود ترهل في الجهاز الحكومي، زيادة على التعيينات الأخيرة التي وصلت لأكثر من مليون ونصف المليون شخص، فكلام رئيس الوزراء عن زيادة التخصيصات المالية بـ20 تريليون دينار يعني أن التعيينات تزيد عن المليون ونصف”.
ويضيف المشهداني، أن “هناك فقرة في كل موازنة تخص رواتب الرعاية الاجتماعية والتخصيصات المالية لهذه الفقرة هي 18 تريليون دينار خلال سنة 2021 وسنة 2022، وتم صرفها بنسبة 100 بالمئة، وهذا المبلغ هو فقط لأكثر من مليون و600 ألف مستفيد، ومع إضافة أكثر من مليون و500 ألف مستفيد حاليا، يعني أن تخصيصات رواتب الرعاية سوف تتجاوز 30 تريليونا، وهذا يعني أن 90 تريليونا ستكون هي فقط لدفع الرواتب والأجور من الموازنة”.
ويتابع أن “الحكومة هذا العام تملك إمكانية مالية لدفع هذا المبلغ بسبب أسعار النفط ووجود فائض مالي من السنة السابقة، لكن المشكلة تكمن في الأشهر أو السنين المقبلة، إذ لا يوجد أي ضمان لبقاء أسعار النفط كما هي حالياً، فهذا الأمر يشكل خطورة وتهديدا حقيقيا للوضع المالي والاقتصادي، ونخشى وصول العراق لمرحلة عدم استطاعته دفع هذه الرواتب، إذا ما انخفضت أسعار النفط، لأي سبب عالمي قد يحصل على أي لحظة”.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أعلن يوم أمس، انطلاق أكبر بحث ضمن شبكة الحماية الاجتماعية التزاما ببرنامجه الحكومي، حسب تغريدة له.
وتأتي حملة البحث الاجتماعي، لتدقيق بيانات المتقدمين على شبكة الحماية الاجتماعية، والبالغ عددهم اكثر من مليون و700 ألف أسرة، وقد جرى تخصيص 2000 باحث لزيارتهم في اغلب مدن البلد باستثناء إقليم كردستان.
يذكر أن وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي، أكد أمس، أن المتقدمين على شبكة الحماية بلغ عددهم 3 ملايين و734 ألف متقدم، وأن الحملة تستهدف مليوني مشمول بالحماية الاجتماعية، وأن حملة البحث بدأت من قضاء القائم بالأنبار والكحلاء في ميسان والزبير في البصرة.
فيما كشف الأسدي، أن عدد الأسر التي تستلم رواتب الحماية الاجتماعية في الوقت الراهن يبلغ مليوني و50 أسرة.
إلى ذلك، يرى النائب السابق محمد سلمان الطائي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “دوافع انتخابية تقف وراء هذه الخطوة التي اتخذها وزير العمل، فلا يوجد أي تفسير آخر لها، لأنه سيكون لها تبعات اقتصادية خطيرة في المستقبل القريب أو البعيد”.
ويوضح الطائي، وهو عضو اتحاد البرلمانيين العراقيين، أن “إضافة هذه الأعداد الهائلة من شبه العاطلين عن العمل وعشرات الآلاف من المستفيدين بغير حق سيستنزف الميزانية العامة بدون أي مردود، وهذا سوف يؤدي بالعراق للافلاس، وربما تواجه الحكومة صعوبة في المستقبل بدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، بسبب هكذا قرارات غير مدروسة”.
ويتابع عضو اتحاد البرلمانيين العراقيين، أن “هكذا خطوات لا تخلو من الأهداف السياسية والانتخابية، وسوف تدفع برئيس الوزراء محمد شياع السوداني نحو الهاوية، من حيث يعلم أو لا يعلم، ولهذا عليه مراجعة ودراسة هذه القرارات بشكل دقيق ومهني، بعيداً عن أي تأثيرات سياسية”.
وتأتي هذه الحملة، بعد أن أعلن السوداني، مؤخرا، أن فقرة الرواتب في الموازنة ارتفعت من 41 تريليون دينار إلى 62 تريليوناً، وهذا بعد أن أصدر قرارات عدة منذ تسمنه منصبه قبل أكثر من شهرين، وكان آخرها استحداث درجات وظيفية للمتعاقدين في جميع الوزارات، واستحداث 11031 درجة وظيفية لتثبيت العقود العاملين في شركات التمويل الذاتي العائدة إلى وزارة النفط، وموافقته على تحويل المتعاقدين بصفة أجر يومي إلى عقود، للتشكيلات العائدة إلى وزارة النفط، واستحداث 3193 درجة وظيفية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لتثبيت العقود التشغيلية للمتعاقدين، وتثبيت جميع المحاضرين والإداريين في وزارة التربية، والبالغ عددهم تقريبا أكثر من 250 ألف شخص، واستحداث درجات وظيفية للعقود والاجراء وتضمينها في مشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2023.
وجرى يوم أمس الأول، الحديث عن أن قيمة الموازنة ستبلغ 269 تريليون دينار بعجز بلغ 121 تريليون دينار، لكن وزارة المالية نفت هذه الأنباء وأكدت أن الموازنة ما تزال قيد الأعداد.
من جهته، يؤكد عضو لجنة العمل البرلمانية جاسم الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك وفرة مالية كافية لدفع المخصصات للأشخاص الجدد المضافين على الرعاية الاجتماعية، وهذه التخصيصات ستكون وفق قانون موازنة سنة 2023”.
ويبين الموسوي، أن “حكومة السوداني جادة بقضية إيجاد حلول لحالة الفقر وإنهاء معاناة الكثير من العوائل المتعففة من خلال تخصيصات رواتب لهم ضمن شبكة الرعاية، والحملة التي أطلقتها وزارة العمل، هي بكل تأكيد مدعومة وبشكل كبير من قبل القوى السياسية ومجلس النواب”.
ويضيف أن “أسعار النفط، وفق كل التقارير والدراسات، ستكون في ارتفاع مستمر خلال المرحلة المقبلة، وهذا ما يوفر الأموال الكافية لإطلاق التعيينات وزيادة المستفيدين على شبكة الرعاية الاجتماعية، وأي خطوة تتخذها الحكومة مدروسة بشكل دقيق على المستوى القريب والبعيد”.
ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، الذي من المفترض أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.
وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا، بل وانهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للإنتاج، من تيار كهربائي أو حماية لازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة.