صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

“الرفش” الفراتي ينقرض.. الجفاف خلفه وحرارة الإسفلت أمامه

تستمر موجة الجفاف بإنهاك أهوار العراق، فبعد أن أثرت على سكانها والأسماك والجواميس، أضحت السلحفاة الطرية “الرفش الفراتي”، آخر ضحاياها، ما يضع التنوع الأحيائي في المسطحات المائية الأكبر في الشرق الأوسط، أمام تهديد خطير، وهذا يحدث دون أي حلول أو إجراءات حكومية عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ناشطون في البيئة، أطقوا حملات عدة، بهدف تسليط الضوء على السلحفاة الطرية “الرفش الفراتي” لإنقاذه بشكل عاجل، بعد خروجه من المياه وتوجهه نحو القرى في محافظة ميسان الجنوبية، وهنا يقول الناشط البيئي البارز…

تستمر موجة الجفاف بإنهاك أهوار العراق، فبعد أن أثرت على ثروتها الحيوانية من أسماك وجواميس، أضحت السلحفاة الطرية أو ما يعرف بـ”الرفش الفراتي”، آخر ضحاياها، الأمر الذي يضع التنوع البيئي والإحيائي في المسطحات المائية الأكبر في الشرق الأوسط، أمام تهديد خطير، وهذا يحدث دون أي حلول أو إجراءات حكومية عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ناشطون في البيئة، أطقوا حملات عدة، بهدف تسليط الضوء على السلحفاة الطرية “الرفش الفراتي” لإنقاذه بشكل عاجل، بعد خروجه من المياه وتوجهه نحو القرى في محافظة ميسان الجنوبية، وهنا يقول الناشط البيئي البارز أحمد صالح نعمة، إن “العراق يتعرض لأقسى موجة جفاف منذ قرن، وبالأخص في المحافظات الجنوبية، وهي محافظات مصب الأنهر”.

ويوضح نعمة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “موجة الجفاف الحالية، أدت إلى جفاف أهوار ميسان بالكامل، أي 100 بالمئة، وتدهور أهوار ذي قار والبصرة بنسبة 80 بالمئة، وهذا الأمر أدى إلى نفوق ملايين الأسماك وأعداد ضخمة من الجاموس، وحاليا حصلت حادثة غريبة من نوعها، وهي موت الآلاف من سلاحف الفرات الطرية لأسباب متعددة، منها القتل ومنها العطش والجوع”.

ويشرح ما جرى بالقول: “نتيجة لتدهور نوعية المياه وقلتها، ارتفعت معدلات الحموضة والملوحة في المياه وانخفض الأوكسجين، وبالتالي تغيرت نوعية المياه، ما أدى إلى موت الأسماك والنباتات، والسلاحف الفراتية التي تتغذى على الأسماك والنباتات، وهنا لم يبق شيء تتغذى عليه، فهجمت في ليلة واحدة وبنحو 1000 سلحفاة على قرية في ناحية الخير بميسان”.

ويتابع أن “هذه السلحفاة مدرجة على القائمة الحمراء وهي ممنوعة من الصيد، لكونها مهددة بالانقراض، لكن بالمقابل تعد هي حيوانا مخيفا للأهالي، ما يدفهم إلى قتل جزء منها، والآخر ينفق بسبب الجوع والعطش، حيث لم يتمكن من العودة للنهر، وبقي في الطرقات على القير، وبسبب ارتفاع درجات حرارة الشارع، فإن أجسام السلاحف الطرية المليئة بالشحوم لم تتحملها (سجلت بعض المناطق في جنوب البلاد 50 درجة مئوية)، فنفقت بسرعة حالما لامست الشارع”.

وعن الحملة التي قام بها فريق من الناشطين البيئيين، يوضح نعمة: “ذهبنا ووثقنا الحادثة، ورفعنا تقارير إلى صحة وبيئة ميسان، ورافقنا مدير المستشفى البيطري، وأثبت عبر الفحوصات أن النفوق سببه شح المياه”، مضيفا “خلال اليومين الماضيين رفعنا المئات من السلاحف النافقة حتى لا تتعفن وتتسب بانتشار الأمراض والفيروسات، ورميناها في مواقع الطمر الصحي”.

يذكر أنه نتيجة لشح المياه وتلوثها، تم وضع أحياء مائية على القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN الخاصة بالكائنات المهددة بالانقراض، منها أسماك الكارب والكطان والبني والشبوط، وحيوانات الرفش الفراتي وكلب الماء العراقي.

يشار إلى أن “العالم الجديد” سلطت الضوء عبر سلسلة تقارير نشرت العام الماضي، على واقع الأهوار في المحافظات الوسطى والجنوبية، وفيها كشفت عن آثار كارثية تعرضت لها الأهوار، حيث فقدت أغلبها أكثر من 70 بالمئة من مساحتها المغمورة بالمياه، فضلا عن هلاك الكائنات الحية والحيوانات فيها.

إلى ذلك، يوضح الناشط البيئي محمد رهيف، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الكثير من أهوار ميسان تأثرت بسبب التغير المناخي، حتى تحول الجفاف إلى شبح يلاحق كائناتها المختلفة”.

ويلفت رهيف، إلى أن “أبرز المناطق التي تضررت هي موليحة والعوينات وبعض المناطق في ناحية الخير والمجر، بالإضافة إلى هور السلام وهور الحمّار، الذي يعد أكبر مسطح مائي بالمحافظة”.

ويؤكد أن “الجفاف تسبب بنفوق الكائنات التي تعيش في الأهوار بمختلف صنوفها، ما دفعنا إلى إطلاق نداء استغاثة عاجل وتنفيذ حملات مختلفة، وخاصة في ما يخص الرفش الفراتي، قبل وقوع الكارثة”، مبينا أن “الأمر يتطلب تفعيل الدور الدولي من قبل الحكومة العراقية للسيطرة على التنوع الأحيائي في الأهوار، لاسيما وأن هور الحمّار تم إدراجه ضمن لائحة التراث العالمي عام 2016”.

يذكر أن الأمم المتحدة اعتبرت عمليات تجفيف الأهوار العراقية في تسعينيات القرن الماضي، من أكبر الكوارث البيئية التي حدثت في القرن العشرين، وتقارنها بما جرى في البرازيل من قطع الأشجار بحوض الأمازون.

ويتعرض العراق لمخاطر التصحر بسبب موجات الجفاف الناتجة عن قلة الحصة المائية لنهري دجلة والفرات بعد بناء عدة سدود عليهما من قبل دول الجوار على الرغم من وجود اتفاقيات ومعاهدات دولية تنظم ذلك مثل معاهدة “رامسار” للأراضي الرطبة التي انطلقت عام 1971 في إيران وأصبحت سارية المفعول عام 1975، وتتخذ من مدينة جنيف مقرا لها، وانضم إليها العراق عام 2007.

من جانبه، يؤكد مدير بيئة ميسان باسم محمد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التصاريف المائية الواصلة إلى ميسان قليلة جدا ولا تكفي للمساحات الحالية، إذ يتراوح منسوب التصريف المائي ما بين 140- 145 مترا مكعبا بالثانية، وهذه الكمية مناصفة مع محافظة البصرة، وإذا ما تم اقتسامها إلى النصف فإن 75 مترا مكعبا بالثانية غير كافية، ولا تتناسب مع الوجود الأحيائي في أهوار المحافظة والنباتات والسكان”.

ويتابع محمد، أن “الزيارات الميدانية التي أجريت للموقع الذي حصل فيه نفوق الأسماك بنهر العز، تمت فيها ملاحظة كمية المياه القليلة وتصاريفها تتراوح ما بين 1 – 2 متر مكعب بالثانية، في الوقت الذي توجد ما بين 30 -50 قرية على هذا النهر بهذا المنسوب الضئيل، الذي لا يمكن استخدامه لغرض الشرب وإنما للسقي والغسل، وتم إبلاغ الموارد المائية قبل حدوث هلاك الأسماك بضرورة زيادة المناسيب للحفاظ على ما موجود، خاصة وأن نسبة الأوكسجين المذاب بالماء بلغت 0.5 وهي غير ملائمة لبقاء الأسماك والكائنات الأخرى على قيد الحياة”.

وكانت وكالة الأنباء الفرنسية وثقت العام الماضي “جريمة بيئية” في أهوار العراق، بسبب مياه المجاري الثقيلة التي تتدفق لها من أنابيب الصرف الصحي مباشرة، ما أدى إلى نفوق كميات كبيرة من الأسماك.

وعادت المياه إلى الأهوار بعد عام 2003، عقب إزالة السدود الترابية التي بنيت في فترة رئيس النظام السابق صدام حسين، وعاد إلى المنطقة أكثر من 200 نوع من الطيور وعشرات الأنواع من الحيوانات البرية.

وسلطت “العالم الجديد” سابقاً الضوء على تناقص أعداد الجاموس في البلد، من ملايين إلى آلاف فقط، بسبب الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف، حيث كان سابقا في العراق 12 مليون رأس جاموس والآن 30 ألفا فقط، وهذا إلى جانب كشفها تراجع أعداد أسماك الشبوط والكطان والبني إلى مستويات خطيرة، وباتت من الأنواع النادرة.

من جانبه، يبين مدير الموارد المائية في ميسان علاء فيصل الساعدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأزمة المائية دفعتنا لاتخاذ طرق وأساليب عدة للحفاظ على المناسيب المائية، منها رفع التجاوزات الحاصلة على الأنهر، ومنها المضخات، وتكثيف الجهد تجاه الأنهر المغذية للأهوار وكريها وتطبيق نظام المراشنة”.

ويلفت إلى أن “المناسيب في الوقت الحالي ضمن المستوى الجيد، حيث بلغت تصاريف هور الحويزة حاليا 8 أمتار مكعبة بالثانية، أما الأهوار الوسطى تجاوزت الـ5 أمتار بالثانية”. 

وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) قد وافقت في عام 2016 على إدراج الأهوار في قائمة التراث العالمي، محمية طبيعية دولية، بالإضافة إلى مدن أثرية قديمة قريبة منها مثل أور وأريدو والوركاء.

وحذرت مديرة قسم الأهوار والإدارة المستدامة للنظم البيئية الطبيعية في وزارة البيئة نجلة الوائلي، في كانون الأول ديسمبر 2021، من سحب موقع هور الحويزة من لائحة التراث العالمي، بعد أن أدرج فيها عام 2016 مع ثلاثة أهوار أخرى بسبب الجفاف، مؤكدة أنه لا يمكن للعراق الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية ثم التخلي عنها بعد ذلك، إذ لديه مشاريع ممولة من قبل المنظمات الدولية بعد دخول تلك المناطق في لائحة التراث العالمي.

إقرأ أيضا