محمد العشري ينتمي الى الجيل الجديد من كتاب الرواية العربية، صدرت له 5 أعمال، ما بين العام 1999 و2012 روايات \”غادة الأساطير الحالمة\”، و\”تفاحة الصحراء\”، و\”هالة النور\”، و\”خيال ساخن\”، فضلا عن واحدة للأطفال \”الحذاء الطائر\”، وله تحت الطبع \”تانيس.. رائحة منسية\”، بالاضافة الى إعداده كتاب \”الثورة الجزائرية في الشعر المصري\”.
العشري نال جوائز عربية ومحلية، وهي جائزة نادي القصة في الرواية عام 1999، وجائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة في الرواية عام 2000، وجائزة إحسان عبد القدوس في الرواية عام 2008، وجائزة وكالة سفنكس في أدب العشق (في دورتها الأولى) لعام 2009.
\”العالم الجديد\” فتحت حوارا موسعا مع العشري تجاذبت فيه أطراف الحديث حول أسرار الرواية العربية، وما وصلت اليه في ظل \”الربيع العربي\”، وهموم الكتابة الابداعية وروافد الكتابة الروائية، ومتطلباتها:
– ما هي أهم التحديات التي تواجه الرواية العربية؟
في رأيي أن الرواية العربية الآن تحتاج إلى تقرأ المشهد السياسي بترو ووعي نظراً للتحولات والمسارات المتعاكسة التي اتخدتها الثورات وحادت عن مساراتها، وما كان يرتجى منها، وما يمكن أن تحققه كي تنتصر للإنسان وإنسانيته وحريته. وأكثر ما يمكن أن تلاقيه الرواية العربية في الوقت الراهن هو الاستسهال من جانب، وأن تسيس وتتجيش لدعم طرف على حساب طرف من الأطراف المتصارعة من جانب آخر، لأن التاريخ في النهاية سيقول كلمته، وستسقط كل الأقنعة إن عاجلاً أو آجلاً.
– ما رأيك بـ\”السارد الديمقراطي\” بحسب نبيل سليمان وما الذي يعيق السرد عنده؟
السادر الديقراطي هو سارد غير ديمقراطي في الأساس لأنه لا يترك الخيار للقارئ للوصول إلى ماهية ومفهوم الديمقراطية بمعناها الواسع الأصيل، لكنه يقدم للقارئ ويفتح له نافذة ضيقة، هي في الأساس نافذته هو لرؤية العالم من حوله. وما يعيق السرد عنده أنه لا ينحاز إلى فكرة يبني أفكاره ورؤاه عليها. وهو حاجز لا يمكن تخطيه بسهولة، إلا إذا كان لديه من الوعى ما يجعله يرتفع ويرتقي بما يتناسب مع مفهوم الديمقراطية والحرية الأشمل والأعم.
– إلى أي حد تضر الأدلجة بالنص؟
لا تضر الأدلجة كثيراً في النص إن كانت تشتمل على مقومات تجعلها تنتصر لروح الإنسان وتبعده عن التعصب والعودة إلى الوراء، فيما يخص اعتناق المذاهب المتطرفة، التي تسعى إلى السيطرة والهيمنة بالقوة، دون أن تقدم ما ينفع العقل.
– كيف يستفيد الكاتب من التراث الخاص والعام لبلورة رؤية تحدد مسار نصه؟
القراءة الواسعة والإطلاع على التراث ومعايشة الثقافات المختلفة مهم جداً للكاتب الذي يسعى لكتابة نص يعبر عنه وعن طموحاته، ويجب عليه ألا ينفصل عن تراثه، لكن عليه أن يقدم نصاً موازياً يعتبر امتداداً لذلك التراث، ولكن برؤى عصرية تتناسب وروح العصر وما ابتكرته الإنسانية وحققته على كل المستويات، إن استطاع الكاتب أن يفهم ويتعمق في قراءة تراثه ويستوعبه سيستطيع أن يحدد مسارا جديدا ومبتكرا لنصه دون أن ينفصل عن تلك الروح التراثية.
– كيف لا تكون رواية العمل التاريخي \”رواية تاريخية\”؟
لا تكون رواية العمل التاريخي رواية تاريخية حين تبتعد عن رصد المسار التاريخي والفترة التاريخية، وحين تهمل جوانب حيوية مؤثرة قادت ذلك التاريخ، أو حين تسعى لتغيير الأحداث والتواريخ بتشويهها وانحيازها إلى خط ما لم يكن له حضور أو دور فعّال في تلك الفترة التاريخية التي تتناولها الرواية. وكذلك حين يشوبها أخطاء يمكن أن تشوه التاريخ.
– ما ضرورة أن يبحث الروائي عما لا يقال ويقوله بطريقته؟
الابتكار مهم جداً حتى في كتابة الرواية، لأن الحياة تتكرر في دوائر، ومن الطبيعي أن يقول الروائي ما قاله آخرون، لكن حين نجد نافذة جديدة غير مطروقة في التناول، فان ذلك يجعل القارئ في حالة من الدهشة، ويحفزه على المضي في القراءة، واكتشاف ذلك العالم الجديد، أو المهمل بالنسبة له.
– كيف ترى الرواية قبل وبعد عام 2000؟
وما الذي تغير قبل عام 2000 أو بعده؟! الرواية قبل وبعد أمر غاية في الصعوبة، يمكن أن نقول أن هناك أشياء تحدث كل وقت وطول الوقت، وما يمكن أن تفعله الرواية هو أن تمتص تلك الأمور وتعيد بلورتها وإنتاجها بما يتناسب معها دون أن تختلط الأمور على الكاتب. هناك فترات انتشرت فيها وراجت الرواية حين كانت المتعة والتسلية مرتبطة بالقراءة، وكذلك هناك فترات انتعشت فيها الرواية أكثر رغم أنها ليست السبيل إلى المتعة لدى القارئ، وربما كانت باباً للتلصص والنميمة. أظن أن هذا السؤال يحتاج النقاد للإجابة عنه.
– ما رأيك بمستوى الرواية بعد نجيب محفوظ؟
نجيب محفوظ أصّل للرواية العربية ووضع ركائز ودعائم أثرت الرواية، وجعلتها متنا حياتيا يمكن الرجوع إليه والإستفادة منه، واستفاد من التراث والتاريخ والحيوات المعاشة في متنها وهامشها، واستطاع أن يصل إلى القارئ والناقد معاً بمشروعه الروائي الكبير، وهو ما افتقده الكثير من الأجيال التي تبعته، هناك من غرق في عباءة محفوظ ولم يستطع أن ينجو من تأثيره، وهناك من حاول أن يطرق مسارات مختلفة في كتابة الرواية، وبالتأكيد هناك كتاب استطاعوا أن ينجحوا في ذلك وآخرون فشلوا واستسلموا.
– إلى أين تسير الرواية العربية بعد الثورات المتواصلة؟
الرواية تتوقف الآن في محطة الثورات العربية بانتظار ما ستؤول إليه الأمور، وإن كانت الهيمنة السياسة الإسلامية ستؤدي إلى تراجع الرواية، وربما توقف تطورها، خاصة إذا ما اتسمت تلك الحركات الإسلامية بملاحقة المجتمع المدني والحريات ومحاولة إعادتها إلى مناطق مظلمة، وهو أمر يحتاج إلى الوقت كي نرى إلى أين ستمضي الأمور والحياة في ظل تلك الهيمنة الدينية، التي اقتنصت الثورات، وقفزت على أكتافها وتمكنت من الإمساك بالحكم في بعض البلدان مثل مصر وتونس.
– ماذا ينقصك كروائي؟
أعتقد أنه ينقصني وينقص جيلي من الكتاب الروائيين الوصول للقارئ بشكل أوسع. لأنه بقدر ما وصلنا إلى النقاد لم نصل إلى القراء بشكل جيد، وذلك له أسباب كثيرة في مقدمتها الناشر العربي والمترجم والوسيط الإعلامي، كذلك أحتاج ونحتاج إلى جيل نقدي جديد قادر على متابعة الحياة وتطوراتها وترجمة ذلك وتتبعه فيما يقرأ من نصوص. وهو أمر نفتقده بشدة. وأعتقد أننا في حاجة ملحة إلى الوكيل الأدبي الأكثر حضوراً وفاعلية في المشهد الغربي ولا نراه أو نجده في المشهد العربي.
– هل تحتكم لآراء النقاد بشكل نهائي؟
لا، لم أعول كثيراً على النقد، لأن نقد القيمة غير حاضر في المشهد النقدي بشكل كبير، ولكنني أرتاح لبعض الآراء النقدية، وربما أنتبه لها في أعمالي الجديدة، لكن ذلك يأتي بشكل هامشي. وهنالك الكثير من الأعمال التي رفعها نقاد، ولم تجد صدى في نفسي ولم أرتح لها.
– أهم رواية قرأتها في العام 2010؟
لا أعرف معزي السؤال، وتحديداً العام 2010 بالنسبة لك. لكنني أذكر أنني قرأت الكثير من الأعمال الروائية في 2010 وكتبت عن كثير منها في جريدة النهار اللبنانية، وربما كانت روايات هالة كوثراني وإيمان حميدان يونس هما الأقرب إليَّ فيما قرأت في ذلك العام.
– هل تعيد حساباتك بناء على ما جرى ويجري الآن في الساحات العربية ليكون لك طرح مع أو ضد أم أن الأمر عادي بالنسبة لك؟
لا أعيد حساباتي كثيراً، لأن ما يجري في الساحة العربية كشف وأسقط الكثير من الأقنعة، لكن ذلك لا يعنيني كثيراً، لأن الخراب الذي يسكن الساحة العربية لا يمكن أن تخطئه عين ودون أن تحتاج إلى إعادة حساباتك.
– هل تطمح لتحقيق أسلوب جديد؟
أطمح وأتمنى أن أستطيع تحقيق ذلك في رواياتي، ربما كان ذلك هو الدافع نحو تركيزي على الكتابة عن عالم الصحراء ومعايشتي لذلك الفضاء الواسع. وكذلك أسعى لابتكار اساطير جديدة مستفيداً من التراث الإنساني وبصفة خاصة الشرقي منه، وأحاول وأجرب أن أبتكر في رواياتي.
– كل يتلمس الحداثة في الرواية من زاويته، وتكوينه، ولكل كاتب مفهومه للحداثة فما هي رؤيتك للحداثة في الرواية؟
الحداثة في نظري وفي كتاباتي هو التواصل مع التراث القديم، والنسج بطريقة مختلفة، والاستفادة من العصري في تشكيل ذلك النسيج دون قطيعة مفتعلة أو موجهة إلى الغرب تحديداً. أن أقرأ نفسي بشكل يتيح للآخرين أن يتعرفوا عليّ من خلال ارتباطي بتاريخي التراثي الشرقي القديم بصورة جلية أكثر عصرانية.
– من أين تخلق شخصياتك الروائية؟
من الواقع بداية، ومن الخيال كتابة. دائماً ما أتكئ على الواقع في البناء السردي للشخصية، لكن ذلك البناء يأخذ طبقات أعلى ويرتفع حتى تختلط الأمور ما بين الواقع والخيال في نسيج واحد، حتى يصبح من الصعب التمييز بين ما هو واقعي وما هو خيالي بحسب رأي النقاد.
– ما الذي يحقق الخلود للشخصية الروائية؟
ما يحقق الخلود للشخصية الروائية أن تعبر حاجز الزمن والمكان، وأن تكون حاضرة في خيالات الآخرين وحياتهم. وأن تعبر عنهم في كل مكان وزمان. الخروج من البيئة الجغرافية الضيقة إلى البيئة الإنسانية الواسعة.
– ما أهمية طرح شعرية السرد كلغة بديلة عن السرد العادي؟
شعرية السرد تكمل النص وترتقي به، خاصة إذا ما كان ذلك النص من النوع الموجز في الكتابة أي المائل إلى الإيجاز والتكثيف وهو ما أميل إليه وانتهجه في كتاباتي الروائية. لأن السرد العادي فضفاض وربما يكون ذلك مملا بالنسبة للقارئ، خاصة في وقتنا الراهن وما نعيشه من حياة متسارعة، إن لم تكن مهيئاً لحركتها السرعة وقافزاً في كفها فسوف تتركك مكانك في أخر الركب.
– إذا ما فكرت يوما في كتابة سيرتك الذاتية هل ستكتب كل شئ عنك (المحرج والصعب والحساس ووالخ)، أم انك ستقدم شيئا وتستني أشياء؟
لا أعرف.. وإن كنت أسرب سيرتي الذاتية على شذرات في كتاباتي الروائية منذ أول رواية كتبتها.. فهل يبقى شيء لكتابة في شكل سيرة ذاتية.. لا أدرى.
– من هو القارئ المفترض بالنسبة إليك؟ إذا ما سلمنا بوجوده؟ وإلى أي حد تفكر بهذا القارئ عند شروعك بالكتابة؟
القارئ المفترض هو من اختراع الكاتب، لأنه في النهاية لا يوجد كاتب يعرف قارئه كي يكتب له. أعتقد أن هذا من أكبر الأوهام لدى بعض الكتاب حين يصرحون أنهم يعرفون قراءهم ويكتبون لهم، ربما يكون ذلك بتواطؤ من الناشر. نحن نعيش في عصر مفتوح ولا ندري إلى أين تطير الكلمة أو من يقرأها وإن وجد من يقرأها، فمن يتأثر بها. الأمر غاية في التعقيد خاصة أن ما نعرفه عن القارئ العربي بصفة خاصة ومدى اهتمامه بالروايات ينحصر في عدد قليل جداً مقارنة بالعالم الغربي، حيث القراءة في مقدمات أولويات الحياة.
– ألا ترى أن الرواية تحولت إلى موضة، فصار الكل يسعى لكتابة رواية، حتى الشاعر والقاص والناقد والمفكر أيضا؟
صحيح، ربما كان الاهتمام الكبير ورواج الرواية في الوقت الراهن هو السبب، وربما كانت كثرة الجوائز وتنوعها وتباينها المادي الكبير خاصة لدى دول الخليج هو ما يدفع الكثيريين لكتابة الرواية، أقول ربما من الظاهر الذي نراه ونعيشه.. وربما كانت الرغبة في الوصول إلى القارئ هي المحرك.. الدوافع الكثيرة، ولكل كاتب أو شاعر أو مفكر دافعه الخاص في خوض غمار الكتابة الروائية.