في ظل أزمة الجفاف التي تهدد البلاد، يعود الحديث عن مشروع ستراتيجي “منسي” يمثل حلا حاسما بالتغلب على الأزمة، وهو الري المغلق، ففيما أكد متخصصون بالمياه، أن هذا الحل يعتبر من أهم الحلول لوقف هدر المياه ووصول النسبة المحددة لموقع الري دون ضياع أي جزء منها، أشاروا بالمقابل إلى أنه ينطوي على تكلفة مالية عالية ووقت طويل لتنفيذه، نظرا لأنه يتكون من شبكة أنانبيب تغطي المساحات الزراعية، وهو ما أيدته وزارة الموارد المائية، وبينت أنه موجود ضمن خططها، إلا أنها رهنت الأمر بتأمين تلك الكلفة المالية.
ويقول الخبير في الشأن الزراعي والمائي عادل المختار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الري المغلق هو عبارة عن أنابيب تنقل المياه من منطقة إلى أخرى، وهذا الإجراء يقلل من التبخر، ويساعد في توفير كميات من المياه، بكل تأكيد”.
ويوضح المختار، أن “عملية الري المغلق مكلفة جداً وتنفيذها يحتاج لسنين طويلة، والعراق غير مستعد حالياً للقيام بهكذا مشاريع، خصوصاً أن البلد يمر بأزمة خطيرة للجفاف، ومثل هذه المشاريع كان من الواجب أن تنفذ قبل سنين طويلة، عندما كان العراق لا يعاني من أي شح للمياه”.
ويضيف، أن “الحكومات السابقة، كانت لا تهتم كثيراً لملف المياه، بسبب الوفرة المائية وعدم وجود أي أزمة جفاف، حتى تشكلت لنا أزمة خطيرة يجب إيجاد حلول حقيقية لها وليس عقد مؤتمرات وندوات لا تقدم أي شيء، فالعراق يجب أن تشكل فيه خلية أزمة خاصة بملف المياه لإدارته بصورة صحيحة”.
ويجدد الخبير في الشأن الزراعي والمائي التحذير من أن “الخزين المائي للعراق يكفي حاليا لنهاية السنة، والزراعة الصيفية مجازفة خطيرة، ولذا يجب أن تكون هناك خلية أزمة، فحتى الساعة لا توجد أي حلول حقيقية من قبل الحكومة لمواجهة أزمة الجفاف القاتلة”.
وكان وزير الموارد المائية السابق مهدي رشيد الحمداني، أعلن مطلع العام الماضي، عن قرب المباشرة بمشروع التحول من الري المفتوح إلى الري المغلق وستكون البداية في محافظة ذي قار.
وعاد الوزير السابق، منتصف العام الماضي، إلى التأكيد على أن طريقة الري المغلق تؤدي إلى زيادة كفاءة الإرواء إلى أكثر من 80 بالمئة ما يعني زيادة المساحات المزروعة وزيادة الغلة الزراعية، ورهن تطبيقه في حينها بإقرار الموازنة العامة للبلد، التي لم تقر.
وعقد في بغداد، مطلع الشهر الحالي، مؤتمر بغداد الثالث للمياه، ومن المفترض أن تنتهي أعماله اليوم الأحد ويصدر البيان الختامي عنه، وخلال جلسة الافتتاح أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني: اتخذنا الكثير من المعالجات لتقليل آثار ومخاطر شحِّ المياه، وشخّصنا المشكلة المائية مع دول المنبع وأسبابها.. ولقاءاتنا مع المسؤولين بالدول التي نتشارك معها في المياه، تركزت في ضرورة حصولنا على حصتنا الكاملة من المياه، وتكثيف الجهود الفنية لحل الإشكالات دبلوماسيا بعيداً عن لغة التصعيد.
وبين السوداني، أيضا: أن التوجيهات والقرارات ركزت على ضرورة تغيير طريقة الإدارة المائية، والاستخدام الأمثل للمياه، وعدم هدرها.. واتجهت الحكومة إلى الإفادة من خبرات بعض الدول المتقدمة؛ للوصول إلى إدارة رشيدة للمياه، من خلال خطط وبرامج التدريب أو التعاقدات المباشرة أو نقل التجارب الناجحة في هذا الاتجاه.
من جانبه، يؤكد الخبير المائي إسماعيل الجنابي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الري المغلق من الوسائل الحديثة المعتمدة في إيصال الحصص المائية المقننة إلى المساحات المزروعة حصراً وفق حاجتها الفعلية عن طريق آليات وتقنيات حديثة كالأنابيب المدفونة تحت الأرض لإيصال الحصة المائية إلى المشاريع وفق خطط تصميم دقيقة، وقد يُصار إلى تأمين الحصص المائية إلى نقطة ومن ثم التوزيع الحقلي بواسطة المرشات العمودية، أو بنظام الري بالرش أو الري بالتنقيط، لتفادي الطرق البدائية في الري السيحي والقنوات المفتوحة لتقليص حجم التبخر والحد من التجاوزات”.
ويضيف الجنابي، أن “هذه المهمة تقع على عاتق الوزارة المختصة لإعداد دراسات مستفيضة بهذا الشأن ووضع الخطط والبرامج الاستراتيجية للدخول في هذه التقنية ورفعها إلى الجهات العليا”.
ويلفت إلى أن “مثل هذه المشاريع تُحدث نقلةً نوعية على صعيد الموارد المائية وحجم الإنتاج وتحد من الهدر فيها خاصة وإن البلاد تعاني من حالات الشحة التي صارت الشغل الشاغل للمواطن منذ مدة طويلة”.
ويفيد الجنابي، بأن “شحّ المياه والتغيرات المناخية وانحسار الأمطار صارت أمرًا واقعا يطالُ معظم دول المنطقة والعالم وبدرجات متفاوتة وما المؤتمرات التي تقام بين الفترة والأخرى إلاّ إشارة واضحة وتنبيه لمخاطر تلك التغييرات على وضع البلدان والمجتمعات وهي ضرورية جدًا خاصة إذا ما أخذت طريقها إلى التطبيق الفعلي على الأرض”.
بالمقابل، يجد المتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية خالد شمال، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الري المغلق من المشاريع المهمة، وهو عبارة عن نقل المياه عبر الأنابيب من النهر الرئيسي إلى محطات الضخ، ثم لمكان الاحتياج، وهذا الأمر سوف يوفر أربعة أمور أولها ضخ المياه وفق الكميات التي نحتاجها والثانية ضمان عدم وجود تبخر، والثالث ضمان عدم التجاوز على الحصة المائية، والشيء المهم حماية المياه من التلوث”.
ويبين شمال، أن “تكلفة مشروع الري المغلق، باهظة وهنا يحتاج المزارع إلى دعم، كذلك تحتاج وزارة الموارد المائية إلى تخصيصات مالية عالية، وهذا العمل مرتبط بالعمل على الخطة الخمسية، من أجل وضع هذه التخصيصات”.
ويضيف أن “الري المغلق، ليس مشروعا جديدا، وكان المفترض التوجه له منذ فترة طويلة، خصوصاً أن اعتماده يعد من اهم عوامل مواجهة أزمة شح المياه، فهو يوفر الاستهلاك بصورة كبيرة، وهذا المشروع سيكون ضمن خطط الوزارة خلال الفترات المقبلة”.
ويتابع المتحدث باسم وزارة الموارد المائية أن “عقد المؤتمرات وورش العمل الخاصة بملف المياه ومعالجة أزمات شح المياه، لها أهداف علمية وفنية وإدارية، من أجل إيجاد الحلول لأزمات شحة المياه والتغيير المناخي”، مشيرا إلى أن “الهدف من المؤتمرات تحشيد الرأي الأممي والدولي لدعم العراق في أزمة شحة المياه، والإجراءات الحكومية ستتم ترجمتها لمنهجية عمل لوزارة الموارد المائية خلال الفترة الحالية والفترة المقبلة”.
وكان مرصد العراق الأخضر، كشف في 10 من الشهر الحالي، عن وجود أزمة بمياه الشرب في مناطق العنكور والمجر بمحافظة الأنبار، أثرت على سكان هذه المناطق البالغ عددهم 13 ألف نسمة من الفلاحين والكسبة، وذلك نتيجة انخفاض مناسيب بحيرة الحبانية القريبة منها، ما دفع الأهالي إلى شراء مياه الشرب، فيما لجأوا إلى استخدام المياه الآسنة للغسيل.
وانتشرت خلال الساعات الماضية، العديد من الصور لجفاف بحيرة الحبانية، وخاصة في مناطق العنكور والمجر، فيما توجهت مباشرة بعض المنظمات الإنسانية، إلى توفير مياه الشرب لسكان تلك المناطق.
وبرزت خلال السنوات الأخيرة، أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تمّ تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.
بدوره، يعتقد الخبير في الموارد المائية نجم الغزي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذا النظام معمول به في كل دول العالم ونحن متأخرون في التفكير به، لأنه يوفر كلفة كبيرة جدا في إيصال المياه لأنها تحتاج إلى وقود والى مشاريع ري كما أنه يقلل من كميات المياه المهدورة، فعندما نصخ 100 لتر تصل إلى وجهتها النهائية بنسبة 30 أو 40 بالمئة”.
ويؤكد أن “مشروع الري المغلق يقلل التسرب ونسبة الغلق في التربة والأملاح التي تؤدي إلى قلة نمو الأعشاب”، مشيرا إلى أن “هذا المشروع من المفترض أن يتم البدء به من نهاية السبعينات في مناطق الحويجة ومناطق الموصل ولكن الحروب المتعاقبة والحصار جعلت أولوية القطاع الزراعي ثانوية، وبعد الـ2003، الدول المحيطة بالعراق ضغطت على صانع القرار وكان لها نفوذ في أنه لم تسمح بتطوير القطاع الزراعي كما أن توجهات الحكومة لم تكن لصالح الزراعة، لكننا الآن مجبرون وليس على عملية الري المغلق لأن المياه غير كافية”.
ويعتقد أن من الضروري “أن يكون هناك تنبيه للرأي العام بأهمية هذه العملية للأسف وزارة الموارد المائية في صراع والمجلس الأعلى للمياه غير مفعل بشكل جيد والاتفاقيات الدولية في موضوع تأمين حصة العراق من المياه غير موجودة كل هذا يؤدي إلى أن يصبح الموضوع استعراضا فقط”.
وبشأن قرار السوداني في إيقاف الدعم عن الفلاحين الذين لا يستخدمون منظومات الري الحديثة، يرى أن “هذا الأمر غير واقعي، من المفترض أن يكون هناك تشجيع قبل عملية العقوبات والإجراءات الرادعة، وكذلك أن يكون هناك دعم من الدولة من ناحية المضخات وإنشاء معامل داخل العراق لإنتاج منظومات الري المغلق ومحطات الضخ”.
وكانت وزارة الموارد المائية، أكدت سابقا لـ”العالم الجديد”، أن السنوات الثلاث الجافة التي مرت على العراق دفعت وزارة الموارد المائية للذهاب والاستعانة بالخزين الاستراتيجي، ما أدى إلى انخفاضه من 60 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى اقل من 10 مليارات متر مكعب حاليا وقد وصل تقريبا إلى 8 مليارات متر مكعب.
جدير بالذكر، أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.
كما غيرت إيران مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران كافة الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى، ما ادى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.