اعتاد عمر السلامي (37 عاما) المشي فوق تل الزندان، وهو موقع أثري في ديالى، محاولا استكشاف أسرار ما يروى وما تتناقله الحكايات الشعبية عن هذا المكان.
ويبتسم قبل أن يقول لـ”العالم الجديد”، إن “هذا المكان منجم مهم لكل من لديه هواية لنسج القصص الخيالية، أو لديه شغف بقصص العالم الآخر مثل الجن والكائنات الأسطورية وغيرها”.
ويعتبر تل الزندان من أكبر المواقع الأثرية الشاخصة في محافظة ديالى، ويَقع على بعد 12 كلم جنوب بلدة المقدادية، ويعود إنشاؤه إلى العهد الساساني بين القرنين الثاني والثالث الميلادي.
ويضيف السلامي: “بسبب براءة أهل المنطقة وطبيعة معيشتهم والمجتمع المتصالح مع نفسه، صاروا يتناولون تلك القصص من زوايا عدة وكلها على سبيل المتعة والإثارة والتخويف للصبيان، وحتى العجائز كن يصعدن هناك للدعاء ظناً منهن أنها أرض مميزة”.
وتستهوي السلامي فكرة الصعود فوق ذلك البناء، ملاحظا أن “المادة الموضوعة بين الطابوق بيضاء وقوية جدا وأقوى من الإسمنت، وبحسب ما سمعته فأنها ناتجة من مزج مادة الجص بماء العظام لما تحتويه العظام من مواد كلسية وصمغية وجيلاتينية”.
تسميات عديدة أطلقت على هذا الموقع الأثري في ديالى، منها قلعة الزندان وزندان كسرى وقلعة خسرو أو قصر الشاهاناز، لكن جميعها لم تغير من أهمية هذا المعلم التاريخي، إلا أن عمليات التنقيب في هذا الموقع الأثري ما تزال في بدايتها، وسط دعوات لحمايته من النهب والعبث.
ويقول عضو فريق التنقيب قيس سالم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العمل في الموقع الأثري حدد بمرحلتين، وتم إنجاز المرحلة الأولى بشكل كامل، وأثمرت عن إظهار 250 متراً من الرواق العمودي للقلعة والبالغ طوله 500 متر، إضافة إلى الأروقة الأفقية والبالغ عددها 11 رواقا”.
ويضيف سالم، أن “تل الزندان يعتبر من أهم وأكبر المواقع الأثرية في ديالى، ويروى أنه شيد في عهد الساسانيين لاتخاذه مقراً عسكرياً أو قلعة لصد الهجمات والحروب، وهناك من يقول إنه كان عبارة عن سجن ساساني أو مكان لمملكة أو مقر عسكري فارسي”، مشيرا إلى أن “المبنى يكون على شكل مستطيل من الخارج ومحصن بجدران سميكة مبنية من الطين والصخر”.
وكانت السلطات المحلية في ديالى أكدت، في وقت سابق، وجود أكثر من 1200 موقع أثري من تلال وقلاع ومدن حضارية، بحاجة إلى جهود مشتركة واهتمام حكومي كبير وتخصيص أموال للحفاظ عليها، إذ يمكن تأهيلها لتكون وجهة للسياحة من أجل تحقيق مردود اقتصادي للبلاد.
لكن التجاوزات بدأت تعيق كل شيء، إذ أن أكثر من 100 قضية بانتظار حسمها من قبل القضاء رفعت من قبل دائرة آثار المحافظة بحسب مديرها أحمد عبد الجبار الذي يؤكد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التجاوزات على المواقع الأثرية لم تقتصر على الأشخاص فقط، بل أسهمت جهات رسمية في التجاوز على المواقع الأثرية في ديالى”.
ويضيف عبد الجبار، أن “95 بالمئة من المواقع الأثرية في المحافظة مندثرة تحت التراب ولم يتم استكشافها، ويلفت إلى أن المواقع الأثرية في المحافظة تمتد لحقب وعصور مختلفة بعضها عمره أكثر من 5 آلاف سنة يعود لحضارة أشنونا والسومريين، وإن 5 بالمئة منها خضع لعمليات تنقيب من قبل فرق الاستكشاف، والبقية لا يزال مطمورا تحت التراب”.
ولا تزال الكثير من المواقع الأثرية في ديالى تنتظر الاستكشاف، ففي الجنوب الغربي من مركز المحافظة، لاتزال آثار خان بني سعد شاخصة إلى الآن والتي تعود فترة بنائها إلى العثمانيين، لكنها بقيت مهملة لسنوات وتحولت إلى مكب للنفايات ونمت الحشائش والأدغال في معظم أرجائها.
ضعف الاهتمام بالمواقع الأثرية في ديالى وباقي المحافظات العراقية وتعرضها إلى الاندثار أو عصابات التهريب وعبث العابثين دفع مجموعة من المهتمين بالشأن التاريخي في المحافظة، إلى إطلاق حملة إعلامية لتنشط الحركة السياحية.
ويذكر أحد المشاركين في الحملة، وهو فيصل الحمداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “الحملة تضمنت أيضا جذب البعثات التنقيبية من خارج العراق للشروع في العمل بالمحافظة ديالى”.
ويؤكد الحمداني، أن “الحملة أثمرت عن زيارة عدد من البعثات الأجنبية والتي يتطلب استمرار عملها تقديم الدعم الأمني لعناصرها خلال مراحل العمل، إضافة إلى ضمان عدم تعرض المناطق التي تنقب إلى النهب والتخريب مرة أخرى”.
يذكر أن قانون العقوبات العراقي، وفي مواد عديدة، عاقب بالسجن مدة لا تقل عن 7 أعوام ولا تزيد عن 15 عاما، كل من سرق قطعة آثار أو مادة تراثية في حيازة السلطة الاثارية، وبتعويض مقداره 6 أضعاف القيمة المقدرة للأثر أو المادة التراثية في حالة عدم استردادها، وتكون العقوبة السجن المؤبد اذا كان مرتكب الجريمة من المكلفين بإدارة أو حفظ أو حراسة الآثار أو المادة التراثية المسروقة، وتكون العقوبة الإعدام إذا حصلت السرقة بالتهديد أو الإكراه أو من شخصين فأكثر، وكان أحدهم يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ، ويعاقب بالإعدام من أخرج عمداً من العراق مادة أثرية أو شرع في إخراجها.